12/12/2018 - 08:23

ما تبقّى من "ديمقراطيّة إسرائيل"

يتأكّد يومًا بعد يوم أن أقصى ما تريده معظم النخب السياسية الإسرائيلية من نظام الحكم الديمقراطي هو حق الانتخاب وحسم الأغلبية ليس أكثر. وثمّة من يقول إن فهم الديمقراطية على هذا النحو لم يخترعه اليمين، الحاكم لدولة الاحتلال منذ أكثر من أربعة

ما تبقّى من

يتأكّد يومًا بعد يوم أن أقصى ما تريده معظم النخب السياسية الإسرائيلية من نظام الحكم الديمقراطي هو حق الانتخاب وحسم الأغلبية ليس أكثر. وثمّة من يقول إن فهم الديمقراطية على هذا النحو لم يخترعه اليمين، الحاكم لدولة الاحتلال منذ أكثر من أربعة عقود، إنما يستند إلى مقاربة الزعيم المؤسّس، ديفيد بن غوريون، وغيره من زعماء الحركة العمالية ومنظريها. 

كما يتأكّد أن هذه الديمقراطية لا تشمل حقوق الإنسان. وما يجب إعادة التذكير به بهذا الشأن أن موضوعة حقوق الإنسان كانت أمرًا جديدًا تمامًا، أدخلته إلى النظام السياسي الإسرائيلي المحكمة العليا، بواسطة ما سميت "الفاعلية القضائية الصارمة". وفي نظر كثيرين من زعماء إسرائيل الحاليين، تعتبر حقوق الإنسان عائقًا أمام دولة الاحتلال، وأمام قدرة أدائها، كما لو أن هذه الحقوق تقوّض حقوق الدولة. وهناك من يعتقد بحق أن إدخال المحكمة حقوق الإنسان يُحيل إلى دخول من الباب الخلفي، ولذا فهي هشّة للغاية، وبالتالي ليست مضمونة إلى حدّ كبير.

وعلى مدار أعوام كثيرة، رأى معارضو حقوق الإنسان، في خطوة المحكمة العليا هذه، هيمنة من السلطة القضائية، وبمثابة سرقة لحقوق تخضع، من ناحية جوهرية، للسلطة التشريعية. وما تزال هذه الرؤية ديدن الناطقين المُفوّهين بلسان اليمين الإسرائيلي الحاكم الآن، فبالتزامن مع كتابة هذا المقال نشر أحد هؤلاء مقالًا في صحيفة "يسرائيل هيوم"، الناطقة باسم رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، كتب فيه إن قرار المحكمة العليا من عام 2003 الذي أجاز لعزمي بشارة، وحزب التجمع الوطني الديمقراطي، خوض الانتخابات الإسرائيلية العامّة، وألغى قرار لجنة الانتخابات المركزية الذي قضى بشطبهما، كان بمثابة "جذر السوء" الذي أرسى تقويض صلاحية السلطة التشريعية. 

وفي ما يتعلق بفصل السلطات، يمثل الكنيست الإسرائيلي عمليًا ذراعًا للحكومة. وبرأي خبراء في العلوم السياسية، لا توجد في إسرائيل، من ناحية عملية، ثلاث سلطات، وإنما سلطتان: السلطة الحاكمة، التي تنقسم إلى حكومة وكنيست، والسلطة القضائية. ولا يقوم الكنيست بوظيفته سلطة تشريعية، بل يُشرّع ما تريده الحكومة، فضلًا عن أنه لا يراقب الأخيرة. 

وفي ضوء ضعف السلطة التشريعية، تظل هناك أهمية بالغة لوجود سلطة قضائية مستقلة وقوية، إذ لا بدّ من وجود جهةٍ ما لكبح الحكومة، نظرًا إلى أن مبدأ التوازن والكبح بين السلطات لا يطبق، والكنيست لا يكبح الحكومة، ولا يوازنها. وإذا كان هناك من يمارس الكبح فهو الحكومة التي تكبح الكنيست، وليس العكس.

أذكر أنه، منذ أكثر من عقد، طُرحت، في سياق يوم دراسي بهذا الخصوص، فكرة تؤكد أن وجود سلطة قضائية قوية يُعتبر أمرًا حيويًا من أجل القيام بوظيفة الكبح، حيث إن الطريق التي كانت مُتاحة آنذاك أمام مواطن متضرر، أو يعتقد أنه تضرر، جرّاء قرار إداري، هي طريق المحكمة فقط أو إحدى الهيئات التطوعية، التي تتوجه، في نهاية المطاف، إلى المحكمة أو الصحافة. لكن إذا ما تم الأخذ بالاعتبار أن الصحافة تعمل بطريقة انتقائية للغاية، ففي النهاية يصل الجميع إلى المكان نفسه: المحكمة. وشدّد أحد المتحدثين على أن قيمة وظيفة السلطة القضائية لا تُقدّر بثمن، وأهميتها في نظره تضاهي حقّ التصويت.

مؤدى الكلام أعلاه أن المحكمة العليا تؤدي، في حالاتٍ كثيرة، وظائف كان على الكنيست القيام بها. ولذا ثمة أهمية كبيرة لاستقلالية السلطة القضائية، ولحجم صلاحياتها، وهما مسألتان واقفتان في مهداف الحكومة الإسرائيلية الحالية.

عند هذا الحدّ، ينبغي التنبيه إلى أنه على الرغم مما قيل وشُخّص بشأن فصل السلطات، والمساهمة المُعوّلة على السلطة القضائية، فإن الأخيرة تعتبر الأمن أهمّ من الديمقراطية. وهي لا تستخدم هذا المُبرّر أو الذريعة فقط في حالات مُتطرّفة، إنما أيضًا في حالاتٍ ليست كذلك، تغدو فيها الديمقراطية مُجرّد ترف، والأمثلة على هذا أكثر من أن تُحصى.

(العربي الجديد)

التعليقات