08/05/2019 - 09:20

عودة إلى رواية "رائد الفضاء الإسرائيلي الأول"

لا تكفّ إسرائيل، ولو لحظة، عن إعادة إنتاج الرواية المخصوصة المرتبطة بـ"رائد الفضاء الإسرائيلي الأول"، إيلان رامون، وتحديداً من داخل حقل المعاني المُشتق بصورة جليّة من جوهر فكرة دولة الاحتلال. ومن آخر مظاهر ذلك قرار منح زوجته التي رحلت...

عودة إلى رواية

لا تكفّ إسرائيل، ولو لحظة، عن إعادة إنتاج الرواية المخصوصة المرتبطة بـ"رائد الفضاء الإسرائيلي الأول"، إيلان رامون، وتحديداً من داخل حقل المعاني المُشتق بصورة جليّة من جوهر فكرة دولة الاحتلال. ومن آخر مظاهر ذلك قرار منح زوجته التي رحلت أخيراً جائزة الدولة الأرفع في نطاق المراسم الرسمية التي ستُقام في مناسبة ذكرى إقامتها هذا الأسبوع.

ووفقاً لموقع وكالة الفضاء الإسرائيلية، كان رامون طيّارا في سلاح الجو الإسرائيلي (شارك في قصف المفاعل الذري في العراق عام 1981)، وأصبح رائد الفضاء الإسرائيلي الأول، عندما انخرط في مهمةٍ على متن مكوك الفضاء الأميركي "كولومبيا"، حيث لقي حتفه مع جميع أفراد طاقم ذلك المكوك الذي انفجر بسبب عطل عندما دخل الغلاف الجوي يوم الفاتح من شباط/ فبراير 2003. كذلك، بقدر ما شكلت رحلته إلى الفضاء "حدثا وطنيا مثيرا"، بحسب الموقع، فإن "موته سيبقى كارثة وطنية".

وتهدف البرامج المختلفة المرتبطة بإعادة إنتاج الرواية إلى "تطوير التميّز الشخصي والاجتماعي من خلال الطيران، الفضاء، والعلوم والتكنولوجيا، وإلى تشجيع التميّز الإسرائيلي الرائد".

ويتمثل أبرز ما في جوهر "تشجيع التميّز" في مسعى الصهيونية اللاهثة، أولا ودائما، وراء تسجيل نقاط تفوّق ثقافية، لنفسها، واسترعاءً لاهتمام العالم أجمع. وهو كما أذكر انعكس أيضا في صلب تلك الرحلة الفضائية كلها، ولم يكن من العسير الاستدلال عليه في "محادثة مؤتمر" أجريت إبان إطلاق "كولومبيا" بين رامون من جهة ورئيس الحكومة الإسرائيلية أرييل شارون، ووزيرة التربية والتعليم ليمور ليفنات، بصفتها وزيرة العلوم أيضاً، ومجموعة من قباطنة برنامج الفضاء الإسرائيلي من جهة أخرى.

فعندما سأل شارون رامون، بحركة من حركاته المحسوبة بدقة، عما يراه الأخير من الفضاء الخارجي لم يترك مجالا للشكّ في أنه كان يقصد الإيحاء بأن هذه الرؤية الحصرية لم يكتب لسائر أبناء الكرة الأرضية في الإقليم أن يحظوا بها لأسباب متعلقة بـ"العقل اليهودي"!

أمّا ليفنات فطلبت من رامون أن يدخل المشاهدين في صورة الأغراض التي اختار أن يحملها معه إلى حيث أقلع، تاركةً خيالهم يحلّق على غاربه في تفكيك دلالاتها الرمزية التي تحيل إلى فكرة إسرائيل. وحمل رامون بالأساس مجموعة أغراض تجعل الهولوكوست الممثل الرئيسي في أول رحلة فضاءٍ يقوم بها رائد إسرائيلي في ضيافة أميركا. ويكمن هذا التمثيل عنصر تلويح بغائية الأسطورة المرتبطة بهذا الموضوع، بما يسعف في الخلوص إلى تفسيراتٍ مُشتهاة. من هذه التفسيرات أن الهولوكوست أدى دورا تحفيزيا في شحن الاستيطان اليهودي ـ الصهيوني في فلسطين بمزيدٍ من الهجرات الجماعية. ولذا، مثلت دلالته المباشرة عضدا وعونا على إشاعة فكرة الدولة اليهودية أكثر فأكثر، وعلى كسب ودّ وتأييد الرأي العام العالمي للحركة الصهيونية. كما أن التمحور حول الهولوكوست يخدم غاية التعمية على الغايات الخبيثة لبرنامج الفضاء الإسرائيلي.

ليس هنا المجال للتبحّر في التفاصيل الواسعة بشأن العروة الوثقى التي انضفرت بين إسرائيل والهولوكوست، وحول تسلسلها المريب إلى حدّ برمجة رواية إسرائيلية معتمدة مؤدلجة. ولكن لا بد من الإشارة إلى أن جهود برمجة تلك الرواية تراوحت بين منطلقين، يكمل أحدهما الآخر: الأول، منطلق الحصرية الذي اجتهد لناحية استنباط "خصوصية الإبادة" المتعلقة باليهود فقط. ومن ذلك القول المكرر إن الدافع الرئيسي لحملات الإبادة، على ما فيها من حصرية، هو أن اليهود في الدياسبورا، وتذكير العالم بضرورة مساعدة الدولة اليهودية التي يتهدّدها الخطر الدائم، تعويضا عما لحق باليهود من فظائع وآثام، وتعزيز الفكرة القائلة إن الدعاية المعادية للصهيونية معادية للسامية، وبالتالي، تستوجب محاربتها دعم دولة الاحتلال.

الثاني، منطلق صرف الأنظار عن مواقف تبنتها قيادة الييشوف الصهيونية حيال الهولوكوست في زمن حدوثه، وجاءت واشية بالاستنكاف عن تقديم المساعدات الممكنة لإنقاذ اليهود حدّ التواطؤ، وكذلك بنزعات الاستعلاء والنبذ إزاء ضحاياه، وإزاء الناجين بجلودهم منه سواء بسواء.

(العربي الجديد)

اقرأ/ي أيضًا | البستنة إسرائيليا

التعليقات