06/12/2019 - 13:45

"ملاك السلام" وشيطان الاستيطان

الأوبريت يحمل "تسحيجًا" فجًا، ولا يمت للواقع بصلة ولا بواقع الرئيس أصلاً، الذي يكره السيوف والرصاص والمعارك.

يخيل للمرء المستمع للأوبريت الغنائي الذي بثه تلفزيون فلسطين، أن قائمة الإنجازات لـ"ملاك السلام" لا تنتهي من القائمة الطويلة التي يسردها المنشدين، "يا ملاك السلام يا حارس الحلم الندي، يا صانعً فجر الغد، من خلفك الشعب مضى، حتى الخطى نحو الفضى، من حقنا الفخر بك، يا سيدي.. يا سيدي لنا الفخار بنا سموت، بالفكرة الأسمى علوت، وقد دنا منك المشيب، وما تعبت ولا سلوت، يا سيف أمتنا، الذي نحمله شعبًا مؤمنًا، جرد نجومك في العلى، نأتيك موجًا موقنا، يا سيدي يا سيدي، يا سيد المجد الذي جيلاً فجيلاً يحمل"...  إلى آخر الكلمات المحشوة في مديح الرئيس أبو مازن.

الأوبريت يحمل "تسحيجًا" فجًا، ولا يمت للواقع بصلة ولا بواقع الرئيس أصلاً، الذي يكره السيوف والرصاص والمعارك.

الأوبريت الغنائي "ملاك السلام " الذي يمجد رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس،  وهو من إنتاج تلفزيون فلسطين، الذي قال عنه مدير البرامج خالد سكر، إنه أنتج رغم الضائقة المالية، بمعنى هناك تكلفة ضخمة واضحة للعمل، في وقت تمر فيه السلطة ومؤسساتها بأزمة مالية خانقة على كافة المستويات. توقيت إنتاج الأوبريت يأتي في ظل مطالبات الأسرى المحررين برواتبهم، فضلاً عن بقية الأزمات السياسية التي تعصف بالوضع الفلسطيني.

ليس مقصدنا مناقشة جودة العمل الأوبرالي أو نقده، لكن المستمع يخرج بنتيجة واحدة مفادها أن العمل تسحيجي بامتياز وتطبيل للرئيس أبو مازن، وهو لا يليق بصورة فلسطين ولا بشعب تحت الاحتلال، لم يسمع طيلة سبعة عقود قصائد مماثلة "تمجد" من رسخ مئات آلاف الكتل الاستيطانية، وفي فترته جرى  تهويد 80 في المئة من أرض فلسطين، و نجح الاحتلال خلالها في اغتيال الآلاف من "أعدائه" بطريقة شيطانية. ولم يسمع الفلسطيني قصائد مماثلة لقادة وزعماء في القارة الأوربية على سبيل المثال، كانوا مساهمين في إرساء قوة اقتصادية وعسكرية وتنموية في بلدانهم. المقارنة هنا لا تصح، بين الفعل وعدمه، أو بين ملاك السلام الذي يحاول نزع مخالب شعبه، وبين الشيطان الذي بذر الاستيطان

الرئيس أبو مازن، أكثر الرؤساء الذين تحدثوا عن أنفسهم وعن إيمانه بمسيرته  التي تخالف التسحيج والتطبيل، لا يدعي أنه سيصنع فجرًا ولا كان فخورًا برصاص ولا بحجارة، ولا بسكين ولا بعلى لا بخطى نحو الفضى، هو مؤمن بأن يقبل الإسرائيلي بمفاوضات أية تكن نتائجها، وهي نتائج لمسها الشعب الفلسطيني بعد ربع قرن من إيمان الملاك بها، فأنتجت هذه الكوارث التي يتوسطها الأوبريت الغنائي.

لكن عبقرية التطبيل على الطريقة العربية، بأن تضخ سيلاً من الأوهام والأكاذيب علها تخفي بشاعة الواقع، لن تزيده سوى كارثة جديدة ، عبقرية مجربة من المحيط إلى الخليج، والجديد فيها أنها تبتكر في وقت يبتدع فيها الشارع العربي أدوات انتفاضاته على التسحيج والتطبيل والفساد والعجز وعلى ديكتاتورية الفرد، المصادر لحق الإنسان في الحرية والكرامة. يعتقد سحيجة النضال الفلسطيني، أنهم مختلفون بسوبرمانية الوهم وانتفاخ الذات، وعندما نتحدث عن عبقرية التطبيل فإننا غالبًا ما ننسى أن هذا المصطلح يحتل مكانة مبهمة في مجتمعات تسيطر عليها إما قوى الاحتلال أو سلطات قمعية وفاسدة،  تبحث دومًا عمن يلمع صورتها عندما تقتضي الحاجة، بينما لا نجدها في مجتمعات يسود فيها القانون والعدالة والمواطنة والحرية.

الأزمات العامة، والسلطة الفاسدة تؤثر دومًا على الثقافة والذوق العام تأثيرًا عميقًا، وتقليص دور الفن أو الأدب الذي يعرف بوصفه مناوئًا للاحتلال أو للطغاة على حد سواء، إلى مجرد أدوات تخريب للوعي يتناقض والتقليد الثوري الذي تدعيه حركة تحرر وطني ، ليبقى السؤال ما هو الشكل الذي يقدمه عمل أوبريت غنائي ليساهم في عملية  تغيير ثوري وديمقراطي لمجتمع يواجه احتلال استيطاني استعماري؟ وهل تحليق الملاك نحو سماء بعيدة تجعلنا لا نرى الشيطان أمامنا؟ التسحيج للملاك يوصي بلا ريب، بأنه يمكن اعتباره عملاً من أعمال "المقاومة"، ونشاطًا من نشاط الاستهبال للشعب.

التعليقات