12/03/2020 - 15:10

القاعدة والاستثناء في التعامل مع حكومات إسرائيل

إذا كان رابين مستعدا في حينه، للاستناد على صوت توفيق زياد للتفاوض مع ياسر عرفات، فإن غانتس ما زال غير مستعد للاستناد على صوت إمطانس شحادة بغية التفاوض مع أبو مازن وغير راغب للتفاوض مع أبو مازن

القاعدة والاستثناء في التعامل مع حكومات إسرائيل

بغض النظر عن الحيثيات والإشكاليات التاريخية لمشاركة العرب في الداخل الفلسطيني في الانتخابات العامة الإسرائيلية تصويتا وترشيحا منذ الكنيست الأولى عام 1949، فإن هذه الممارسة رسخت على امتداد تلك الفترة الطويلة قاعدة أساسية في التعامل مع الدولة، تقوم نظريا على التمييز بين الصهيونية واليهود وبينها وبين الإسرائيلية.

وتعتمد عمليا على التمييز بين المشاركة في الكنيست باعتبارها "برلمانا ديمقراطيا" بالحدود الدنيا، بما يعنيه ذلك من إعطاء منصة لمعارضة سياسة الدولة الداخلية والخارجية ويمكن من خلاله التعبير عن مطالبنا وطموحاتنا وتوجهاتنا السياسية بحدودها الدنيا أيضا، وبين الحكومة باعتبارها الأداة التنفيذية لسياسة الدولة التي تقوم على الاحتلال والتوسع والاستيطان والقهر.

وإذا كان هذا الموقف قد ظل هو المهيمن في ساحة الداخل الفلسطيني، حيث التحقت به أجزاء واسعة من القوى الوطنية والإسلامية التي نشأت لاحقا وانقسمت على خلفيته، فإنه ظل يحافظ على التمييز القاطع بين الحكومة الإسرائيلية أو توالي تلك الحكومات بأحزابها المختلفة، وغيرها من دوائر المؤسسة الصهيونية وبين المشاركة في انتخابات الكنيست تحديدا، والتي جرى التمييز بينها وبين الكنيست ذاتها، باعتبارها أسلوب عمل ونضال يجوز ويتوجب استعماله في صراعنا من أجل البقاء والتطور في وطننا.

وإن كان مؤسس دولة إسرائيل ورئيس حكومتها الأول دافيد بن غوريون، قد أراد حكومة بدون "حيروت" وبدون "ماكي" فإن الشعور لدى الحزب الشيوعي الإسرائيلي، الذي ضم في حينه، عضو الكنيست العربي توفيق طوبي، كان متبادلا ليس لأنه ضم عضو كنيست عربيا فقط، بل في كونه حزبا غير صهيوني أو معاديا للصهيونية تبنى مسألة الدفاع عن العرب الفلسطينيين الباقين في مساحة الوطن التي أقيمت عليها دولة إسرائيل بعد النكبة، وتحول إلى ناطق رسمي ووحيد باسمهم لفترة طويلة، وظل يرفض ويهاجم سياسات حكومات إسرائيل المتعاقبة ومؤسستها الصهيونية بسبب موقفها من قضيتي السلام والمساواة أساسا.

هذه القاعدة كسرت لمرة واحدة في عهد حكومة رابين، التي تشكلت في 13 تموز/ يوليو 1992 وجرى حلها في 22 تشرين الثاني/ نوفمبر 1995 بعد مقتل رئيسها يتسحاق رابين، ودعمت من الأحزاب العربية، الجبهة بقيادة توفيق زياد (3 أعضاء) والحزب العربي الديمقراطي بقيادة عبد الوهاب دراوشة (عضوان).

وكانت أصوات أعضاء الكنيست العرب الخمسة قد رجحت في حينه كفة معسكر "اليسار" (العمل وميرتس التي بلغت 56 عضوا) إلى 61 عضو كنيست، وتشكيل جسم مانع حال دون قدرة اليمين على تشكيل الحكومة، وجلب حركة "شاس" التي كانت تمتلك 6 أعضاء كنيست وتشكيل حكومة تستند إلى 67 عضو كنيست، اعتمدت بعد انسحاب "شاس" بسبب خلافات مع ميرتس حول قضايا الدين والدولة، بشكل كامل على أصوات أعضاء الكنيست العرب.

وإذا كان مقتل رابين هو دليل على عمق الاستقطاب السياسي الذي كان قائما في المجتمع الإسرائيلي وتمحوره حول القضية الفلسطينية، فإن الانتخابات التي أفرزت تلك الحكومة دارت حول قضية المفاوضات والسلام مع الشعب الفلسطيني، فيما كان برنامج حزب العمل شديد الوضوح في مسألة دفع عملية السلام، الأمر الذي ترجم لاحقا بمفاوضات أوسلو واتفاق أوسلو والاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية وإقامة السلطة الفلسطينية.

ومع عدم رغبتنا في تضخيم "إنجاز أوسلو"، الذي اعتبر في حينه تحولا جذريا في الموقف الإسرائيلي التاريخي دفع صاحبه حياته ثمنا لهذا التحول، فإن الأحزاب العربية التي كسرت تلك القاعدة الثابتة، اعتبرته بمثابة جنوح من قبل تلك الحكومة نحو السلام مع الفلسطينيين والعرب، ترافق مع تحول مواز في قضية المساواة وتمثلت بمساواة العرب بمخصصات الأطفال وضخ ميزانيات للمجتمع العربي وتغيير سلم الأولويات الاجتماعي الاقتصادي تمثل بتجميد ميزانيات الاستيطان وزيادة ميزانيات التعليم والتشغيل والصحة والرفاه.

ومقارنة بسيطة مع واقع اليوم، نرى أن الانتخابات الأخيرة سادتها حالة إجماع إسرائيلي من الحائط إلى الحائط، على "صفقة القرن" وضم القدس والجولان والأغوار وإجراء ترانسفير للمثلث وتأييد جارف لـ"قانون القومية" وقانون كامينتس لهدم البيوت العربية، وتمحورت حول قضية إسقاط أو عدم إسقاط نتنياهو بسبب ملفات الفساد.

وبينما كان معسكر اليسار الذي سمى في حينه كذلك دون أن يخجل من نفسه، يشكل في حينه 56 عضو كنيست، فإن معسكر "الوسط" الذي يقوده غانتس اليوم يبلغ 40 عضو كنيست فقط، ولا يصل مع أعضاء المشتركة الـ 15 إلى 61 عضو كنيست بدون ليبرمان.

وإذا كان رابين مستعدا في حينه، للاستناد على صوت توفيق زياد للتفاوض مع ياسر عرفات، فإن غانتس ما زال غير مستعد للاستناد على صوت إمطانس شحادة بغية التفاوض مع أبو مازن وغير راغب بالتفاوض مع أبو مازن، وهو يريد الاستناد على أصوات أيمن عودة وأحمد طيبي ومنصور عباس للوصول إلى حكومة وحدة وطنية مع الليكود بدون نتنياهو.

التعليقات