25/05/2020 - 19:48

محكمة نتنياهو: ماذا يفكر الطغاة العرب؟

جلس رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، أمس الأحد على مقعد المتهمين بالفساد أمام القضاء. وكان نتانياهو عمل بلا كلل وشن هجوما متلاحقا ومنفلتًا على كل مؤسسات إنفاذ القانون، ابتداء من الشرطة إلى النيابة العامة والمستشار القضائي للحكومة وصولا إلى قضاة

محكمة نتنياهو: ماذا يفكر الطغاة العرب؟

عوض عبد الفتاح

جلس رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، أمس الأحد على مقعد المتهمين بالفساد أمام القضاء. وكان نتنياهو عمل بلا كلل وشن هجوما متلاحقا ومنفلتًا على كل مؤسسات إنفاذ القانون، ابتداء من الشرطة إلى النيابة العامة والمستشار القضائي للحكومة وصولا إلى قضاة المحكمة، للحيلولة دون إصدار لائحة اتهام ضده.

ونجزم بالقول إن الذين يندبون وضعية نتنياهو، ليس فقط أنصاره في إسرائيل، أو حلفاؤه من الإمبرياليين واليمينيين الشعبويين، بل أيضا حكام عرب ينسجون معه علاقات وأبرزهم حاكم الإمارات محمد بن زايد، وحاكم السعودية محمد بن سلمان، والطاغية عبد الفتاح السيسي.

فهُم، وغيرهم أيضًا، يشتركون معه في العداء للشعب الفلسطيني، ويكرهون تمرده على الظلم، ويشتركون معه في عدوانهم على الثورات والشعوب العربية التي تهدد عروشهم. فمن خلال توثيق العلاقة مع نتنياهو (ودولته) يشترون استمرار حماية الإمبراطورية الأميركية لعروشهم الرابضة على جماجم الشعوب.

ليست المرة الأولى التي يُحاكم في إسرائيل رئيس حكومة ووزراء على تهم فساد. فقد سبق وأن دخل السجن رئيس الحكومة السابق، إيهود أولمرت، وعدد لا يستهان به من المسؤولين بمن فيهم وزراء.

وهذا ليس مفاجئًا أو حدثًا شاذًا في تاريخ إسرائيل، فالأمر الشاذ في نظر معارضيه، الذين يشاركونه المنبع الأيديولوجي العنصري التوسعي نفسه، هو نزعة نتنياهو في احتقار دولة المؤسسات، وسعيه إلى إضعافها لتخدم تمسكه في الحكم.

إن الديمقراطية الليبرالية التي اعتمدتها إسرائيل منذ نشأتها، شكلت مصدر قوة للداخل والخارج، أي في توطيد علاقتها مع الغرب الاستعماري، وإضفاء شرعية أخلاقية ومظهرٍ حضاريٍ عليها، مكنتها من مواصلة ارتكاب جرائمها تحت غطاء "ديمقراطيتها"، ومن الإفلات من العقاب. في حين اعتبر الطغاة العرب والردّاحون الديمقراطية ودولة المؤسسات "رفاهية تعيق تحرير فلسطين ومقاومة الاستعمار".

واعتقد أن الكثير من الفلسطينيين والعرب يشعرون بالحسرة إزاء محاكمة أعلى مسؤول في نظام الأبرتهايد الاستعماري، على خلفية تهم فساد لسببين:

الأول ويتعلق بالصراع؛ وهو أنه في حالة وجود عدالة فإن هذا المسؤول، وباعتباره يُمثل كيانًا عنصريًا وإجراميًا يقوم على نزعة توسعية شديدة الجشع، من المفروض أن يمثل أمام محكمة دولية، ليحاكم على جرائم الحرب والاحتلال والاستيطان، وهي جرائم مستمرة، وليس على مخالفات فساد.

السبب الثاني؛ هو أن الإنسان العربي لم ير في حياته مسؤولا عربيا رفيع المستوى، ولا حتى أقل من ذلك، يمثل أمام المحكمة بسبب جرائم فساد أو جرائم يندى لها الجبين ضد شعبه. إن حجم الفساد والاستحواذ على المال العام الذي يمارسه الحكام العرب هو بحجم الجبال.

أما جرائم القمع والقهر فحدث ولا حرج. وحتى عندما تحررت الشعوب العربية من الخوف، ونجحت في المرحلة الأولى في الإطاحة ببعض الطغاة، أعادت الدولة العميقة إلى الحكم حكامًا أشد إجرامًا وطغيانًا وأكثر فجورًا.

وأعاد هؤلاء الحكام وبطانتهم تعزيز تبعية القضاء والمؤسسات لهم، وأخضعوها لأهوائهم، بل هناك من لا يزال يردح لطغاة دمروا بلادهم وشردوا شعوبهم، دون إثارة أو قبول مسألة المحاسبة.

لا نجد بين الحكام العرب حتى مستبدًا مستنيرًا، حقق نهضة صناعية وتعليمية أو علمية حقيقية. وقد تكون المرحلة الأولى لحكم الثائر القومي جمال عبد الناصر، الوحيدة تقريبا، التي ينطبق عليها الاستبداد المستنير.

وبطبيعة الحال، لم يعد مقبولًا في عصر اليوم، عصر الثورات العربية، حتى هذا النموذج (نموذج بناء الدولة تحديدًا، وليس تحديه للاستعمار)، خصوصًا وأنه انتهى إلى ما انتهى إليه في زمن السادات ومبارك.

وفي النظر إلى حالة نتنياهو، فإن ما يستحق الانتباه إلى أن هذا المستعمر، رغم أنه حقق إنجازات هائلة للمستعمَرة على مستويات عدة؛ الاقتصادي والعلمي، والأخطر توسع وتوطيد علاقاته مع الدول الكبرى، التي لا تتوقف عند الإمبراطورية الأميركية، بل تمتد إلى روسيا والصين والهند وغيرها؛ فإنه يقف أمام المحكمة مثل أي مواطن عادي. صحيح أن سياساته التوسعية ومأسسة الاستعمار ودسترته أو قوننته، ستولد نتائج غير متوقعة وتحديات حقيقية أمام نظامه الاستعماري العنصري، يكون مصدرها الوجود الفلسطيني الباقي وحركة تحرره الجديدة القادمة، لكنها بمنظور غالبية المجتمع الصهيوني هي إنجازات تاريخية وغير مسبوقة.

لن تُحدث محاكمة نتنياهو أو حتى إدانته، تغيرًا حقيقيًا في وجهة المشروع الصهيوني، فالانزياح نحو اليمين المتطرف والفاشية ومزيد من التوحش، حاصل على مستوى المجتمع ونخبه. ولكن هل التأزم الداخلي المتمثل في اتساع الشروخ الاجتماعية، سيصب بالضرورة في مصلحة المستعمَرين، أي السكان الأصليين وحركتهم التحررية، وبالتالي اعتماد الانتظار لمزيد من التأزم؟ ليس بالضرورة، لأنه في ظروف التغطية الدولية المستمرة لهذا المستعمر وفظائعه، وفي غياب وحدة وطنية، ومقاومة شعبية منظمة شاملة، ستظل شراهته للتوسع والقتل، مفتوحة.

ما يمكن الإفادة منه، من الحالة الإسرائيلية والتجربة الفلسطينية التحررية والعالمية، هو إعادة التأكيد على أهمية توفير مصادر القوة للشعب الفلسطيني وللأمة العربية، وأولها قيمه التحررية ووحدته وتحرير الإنسان وتحقيق المساواة أمام القانون والعدالة الاجتماعية.

كثيرون في زمن الثورة الأول، توقعوا أن تكون التجربة الفلسطينية نموذجًا في الحكم والديمقراطية والشفافية، وإذا بالطبقة التي قادت الحركة الوطنية منذ أواخر الستينيّات، تعيد إنتاج الأنظمة العربية بصورة محزنة.

إننا أمام لحظة تاريخية وخطيرة، تستدعي القطع نهائيًا مع نهج الفشل والتخريب والفساد، وإنشاء نموذج تحرري عصري، قادر على المقاومة والبناء. هذا هو الامتحان الحقيقي، بل الشرط الأساسي، الذي يجعل قرارات سلطة رام الله الأخيرة ذات جدوى ومصداقية.

اقرأ/ي أيضًا | ملهاة الضم

التعليقات