08/08/2020 - 14:59

خطّة صحيّة مهمة تتغافل عنها الحكومة... ودور النواب العرب

وهنا أريد أن أحذر من أن عدم إدراج الخطة الآن سيعني دفنها لسنوات والقبوع في واقعنا البائس على الصعيد الصحي وتكريس الوضع القائم بكل علاته وإشكالاته، وهي مسؤولية تتحملها الدولة والحكومة أولًا ومن ثم قياداتنا السياسية.

خطّة صحيّة مهمة تتغافل عنها الحكومة... ودور النواب العرب

نواب عن المشتركة (عرب 48)

ما هي الخطة المقترحة لتحسين الصحة في المجتمع العربي؟

الخطة متعدّدة المجالات والسنوات لتحسين الوضع الصحي في المجتمع العربي، قامت بتحضيرها وزارة الصحة ووزارة المساواة الاجتماعية وبالتشاور والتنسيق مع العديد من المهنيين العرب (في قطاعات الطب، الصحة الجماهيرية، المهن الطبية المساعدة، التغذية وغيرها) ومع مزوّدي الخدمات الصحية (صناديق المرضى) ومنظمات المجتمع المدني العربية ذات العلاقة.

وبدأ العمل على بلورة هذه الخطة على خلفية عدم وجود أيّ ذكر للخدمات الصحية في الخطة الحكومية 922 لتطوير البلدات العربية، التي أقرتها الحكومة وبدأ العمل بتنفيذها منذ 5 سنوات، رغم المعرفة التامة والمسبقة بالنواقص والحاجات الملحة والمتعاظمة والفجوات القائمة.

كان لي شرف أن أكون إلى جانب العديد من الزملاء المهنيين، وأحد هؤلاء بشكل شخصي ومندوبًا عن جمعية الجليل والمنتدى المدني لتطوير الصحة في الجليل. وبهدف بلورة هذه الخطة، اهتممتُ كمركّز اللجنة القطرية للصحة المنبثقة عن لجنة المتابعة العليا، ومنتدى الصحة النفسية الذي أقيم لهذا الهدف، بإيصال توصياتهم للقائمين على تحضير الخطة وإدراج هذه التوصيات فيها.

تطرح الخطة تدخلات على أربعة مسارات: البنى التحتية الفيزيائية، البنى التحتية البشرية (القوى العاملة)، البحث العلمي والمعلومات، السياسات والقوانين الصحية. ويشمل ذلك إقامة العديد من الخدمات الصحية في البلدات العربية، مراكز جهويّة (مناطقيّة) للتنمية الصحية، نقاط دعم نفسي، غرف طوارئ أولية، دعم السلطات المحلية لتطوير مساحات مطوّرة للصحة كمسارات المشي والملاعب والحدائق، ملاكات للاختصاصات الطبية المطلوبة، برامج تأهيل، تقوية الطواقم العاملة، مسارات تعليم جديدة، منظومات تكنولوجية للمعلومات والإعلام الصحي وغيرها. وفي الوقت ذاته، تتركّز الخطة في المواضيع الخمسة الأكثر إشكالية في المجتمع العربي وفق الأبحاث والتحليلات والمعطيات: السكّري والسمنة، التدخين وأمراض الرئة، الصحة النفسية، صحة الأطفال، صحة النساء. وتطرح خطوات عملية في كل المسارات المذكورة أعلاه في هذه المواضيع، وحدّدت الميزانيات المطلوبة وبالتفصيل، ووصلت بالمجموع حوالي 900 مليون شيكل (جزء منها هو استثمار لمرة واحدة والجزء الآخر هو مستمر عبر السنوات).

من الواضح، وكما يجمع الكثيرون من المهنيين العرب ذات العلاقة، أنّ هذه الخطة غير مسبوقة في المجتمع العربي ومن شأنها، في حال تنفيذها، إحداث تغيير كبير في الخدمات وفي الوضع الصحي للسكان العرب، ما يجعلنا، أيضًا، جاهزين أكثر لأيّة أزمة صحية الآن ومستقبلًا.

ولماذا يصمت النواب العرب حيال عدم إدراجها في ميزانية الدولة؟

منذ عامين ونحن نعمل على دفع الخطة لمصادقة وزارة المالية من ثم الحكومة ضمن قرار حكومي وإدراجها في ميزانية الدولة. وكان لي الشرف بعرض الخطة في وزارة المالية خلال اجتماع شارك فيه أعضاء لجنة الصحة في اللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية العربية وآخرون. غير أنّ جولات الانتخابات المتتالية التي حصلت حالت دون تقدم في المصادقة على الخطة. ومع تشكيل الحكومة الجديدة، تابعنا هذا الموضوع لأهميته رغم واقع كورونا الذي أشغلنا جميعًا. ولكن للأسف، اتضح لنا أن الخطة غير مشمولة في الميزانية المقترحة للمصادقة قريبًا، رغم الوعودات المتتالية. ومنذ أكثر من شهر، نحاول حث المسؤولين، بما فيهم النوّاب العرب، على التدخل، لأن هذه الخطة هي من أهم المواضيع لمجتمعنا وتقدمها يحتاج فقط إلى ضغط وقرار سياسي... لكن للأسف، لا يوجد أي تجاوب وكأن الموضوع لا يخصنا. أشير إلى أنني قمت بنفسي بإرسال رسائل موجهة شخصيًا لكل النواب العرب مع الاستعداد لتوفير كل المعطيات الصحية والمعلومات المفصلة عن الخطة. وللأسف، اثنان منهم فقط قاما بالرد ومن الواضح أنّ الرد أتى من باب رفع العتب ودون أي تعليق!

أزمة كورونا أثبتت أهمية الصحّة، التي في النهاية هي أساس الاقتصاد والمجتمع، وأوضحت مدى حاجات مجتمعنا العربي للبنى التحتية، القوى العاملة المهنية المتخصصة، خدمات الطوارئ والمعلومات إضافة إلى الخطورة المتزايدة لدى السكان العرب للإصابة بهذا الوباء.

أزمة كورونا كانت وما زالت فرصة لإجبار الحكومة والدولة على تبني هذه الخطة الأولى من نوعها، من حيث حجمها، ومضمونها ومنظومة بلورتها.

وهنا أريد أن أحذر من أن عدم إدراج الخطة الآن سيعني دفنها لسنوات والقبوع في واقعنا البائس على الصعيد الصحي وتكريس الوضع القائم بكل علاته وإشكالاته، وهي مسؤولية تتحملها الدولة والحكومة أولًا ومن ثم قياداتنا السياسية وكل من توانى عن العمل والمساهمة في إخراجها إلى حيز التنفيذ.

ولكي لا يحصل ذلك، على النواب العرب الخروج عن صمتهم وعن اللامبالاة غير المفسرة والعمل على وجه السرعة في ما تبقى من الوقت وقبيل إقرار الميزانية. ما هو مطلوب اليوم هو العمل الفوري والسريع، وإيصال ووضع الخطة على أجندة وزير الصحة ومديرها العام (الجديدين) وسلم أولوياتهم ومناقشة مركباتها من حيث التمويل نحو إدراجها في الميزانية. هذا برأيي يستوجب توكيل المهمة لأحد النواب أو طاقم مصغّر من بينهم لقيادة الموضوع، وغني عن القول إننا، كمهنيين ومؤسسات، سنقوم بما يطلب منا لنجاح هذا الجهد.


د. محمد خطيب: جمعية الجليل، مركّز اللجنة القطرية للصحة.

التعليقات