23/01/2021 - 16:37

ملاحظات نقدية سريعة بخصوص الانتخابات

إن أيّ انتخابات تمثيلية قبل التحرير والدولة، مع عدم توفر شرط حرية الاختيار، كون ذلك يتناقض مع الرضوخ لنظام احتلال وأبرتهايد واستعمار استيطاني، هي قفزة خطيرة في الهواء.

ملاحظات نقدية سريعة بخصوص الانتخابات

برزت في الآونة الأخيرة قضية انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني متبوعة بانتخابات لرئاسة السلطة الوطنية ثم المجلس الوطني (إن أمكن ذلك)، وبعيدًا عن الاستفتاءات والتوقعات، الواقعية منها - والتي ترتكز إلى نتائج انتخابات الدورتين السابقتين 1996 و2006 - والرغبوية - التي تعتمد أساسًا على حالة من فقدان الأمل وهيمنة الوعي الزائف الذي تم توظيفه في العقود الأخيرة بطريقة أحيانًا قمعية وأخرى بروباغندية.

ما يهمّنا، في هذا السياق، هو الواقع الموضوعي المعاش سياسيًا واجتماعيًا، وبالتالي عدم تجنب طرح الأسئلة الصعبة والضرورية التي يهملها النظام السياسي المهيمن: ما الجدوى من انتخابات تحت حراب الاحتلال ومنظومة القمع الاستعماري المركب؟ من المستفيد منها في سياق النضال الفلسطيني في سبيل التحرير والعودة؟ كيف تقربنا انتخابات المجلس التشريعي من حقوقنا الأساسية المكفولة في إطار الشرعية الدولية؟ ما مدى اختلافها عن سابقتيها (1996 و2006)؟ وهل هناك أي إمكانية لنتائج مختلفة تأتي ببديل للسلطتين الحاكمتين؟ وكيف يمكن ضمان قبولهما بالنتائج إن لم تـأت الرياح بما تشتهي السفن؟ ولماذا الإصرار على عدم تزامن انتخابات التشريعي والوطني؟ وكيف وصلنا إلى حالة وضع العربة أمام الحصان من خلال قبول الجميع بانتخابات قبل إنهاء الانقسام الأفقي والعمودي بين شطري المناطق المحتلة عام 1967 وأصبحت تشكل القاعدة التي يرتكز إليها مشروع الاستقلال المعبر عن مصالح طبقية مهيمنة منذ عقود؟

ومع تصنيم فكرة الاستقلال وصولًا لجعله "فِتِش" يتم الرجوع إليه في كل تصريحٍ سياسي، فيتم الترويج لفكرة أن "العملية الانتخابية (هي) المدخل الوحيد لإنهاء الانقسام"، ما يتطلب وقفة نقدية حول هذه الصوابية السياسية الجديدة ودورها في الترويج لوهم حرية الاختيار الديمقراطي في ظل احتلال إقصائي.

لا شكّ أن تجميل الضغوط والقسرية التي يتم توظيفها للقبول بمبدأ انتخابات تحت حراب الاحتلال، أو حتى للمشاركة في انتخابات برلمان منظومة الأبرتهايد بهدف تجميلها والترويج لذلك على أساس أنه "أداة كفاحية"، يتطلّب مراجعة نقدية جادة لا تمتلك أدواتها القوى السياسية الموجودة على الساحة. كما أنّ الادّعاء أن معارضة النظام السياسي المهيمن تأتي من خلال العمل من داخله أصبح ممجوجًا ومستهلكًا وانتهازيًا وحتى مدمرًا.

فالنضال من أجل تحقيق الحرية والعودة وتقرير المصير لكل مكونات الشعب الفلسطيني في الداخل والشتات هو التجسيد العملي لوحدة وطنية شاملة على الأرض، وحدة لا تنحصر في فصيلين أو في خطاب ما يسمى "بشطري الوطن".

إن أيّ انتخابات تمثيلية قبل التحرير والدولة، مع عدم توفر شرط حرية الاختيار، كون ذلك يتناقض مع الرضوخ لنظام احتلال وأبرتهايد واستعمار استيطاني، هي قفزة خطيرة في الهواء.

ولا شك أن حالة اللامبالاة السائدة في الشارع، في ما يخص موضوعي حوارات الوحدة الوطنية والانتخابات تعني أن هناك مساحة لتصورات مختلفة للمستقبل، بعيدة عمّا ثبت فشله على مدى العقود السابقة. تصوّرات تتحدّى "المسلمات" التي ساهمت، بقدر ما، في تدجين العقل الفلسطيني. فبروز حركة المقاطعة "بي دي أس" وتراكم إنجازاتها، بعيدًا عن النظام السياسي المهيمن وصراع الإخوة الأعداء، وصولًا إلى لحظتنا الجنوب أفريقية، وبدء تبلور طروحات سياسية تتخطى حل الدولتين العنصري و"فِتِش" الدولة المستقلة على شاكلة ما أسماه المفكر والقائد الأفريقي أميلكار كابرال "استقلال العلم"، أي الاستقلال الشكلي خالي المضمون التحرري، كل ذلك يدعو للأمل في إمكانية خلق بدائل تحررية. ومن المعروف أنّ مفهوم "الاستقلال" المهيمن على الخطاب الكفاحي الفلسطيني لا يعبّر، في السياق الفلسطيني الشامل، عن مصالح كل مكونات الشعب في مناطق الـ67 والـ48 والشتات. وبالتالي، يصبح توجه سكان الضفة وغزة إلى صناديق الاقتراع غير معبّر عن التطلعات التحررية للشعب الفلسطيني، والتي بالضرورة تشمل حق عودة اللاجئين وإنهاء منظومة التفرقة العنصرية والاستعمار الاستيطاني بالكامل كضرورة موضوعية ومقدمة لممارسة حرية اختيار ممثليه.

وهنا يبرز السؤال الضروري عن ترجمة حق تقرير المصير المكفول في إطار الشرعية الدولية وتوافق ذلك مع "هوجة" الانتخابات، بل مع مشروع الاستقلال برمّته! هل يشكل توجه ما يعادل ثلث الشعب الفلسطيني في مناطق الـ67 لصناديق الاقتراع، و1.6 مليون فلسطيني آخر لانتخابات الكنيست لاختيار ممثلين لا يختلفون عن ممثلي الأقليات الهندية والملونة في برلمان التريكاميرال العنصري في جنوب أفريقيا، خطوة متقدمة نحو تطبيق حق تقرير المصير لكل مكونات الشعب الفلسطيني؟ وبالتالي، هل يمكن تجزئة تقرير المصير ورشوة مكون على حساب مكون آخر؟

في المحصلة النهائية، ما القضية الفلسطينية إن لم تكن قضية اللاجئين وحقهم في العودة إلى القرى والمدن التي طُهّروا منها عرقيًا؟ بمعنى آخر إذا لم تكن قضية نضال ضد استعمار استيطاني ومنظومة أبرتهايد تتحكم في أدق تفاصيل حياة المكونين اللذين يرضخان لسيطرتها بين نهر الأردن والبحر المتوسط، وكل ما عليها فعله هو تجميل هذا الحكم الاستعماري من خلال السماح لجزء من الشعب الأصلاني "بحرية" اختيار ممثليه!

التعليقات