20/05/2021 - 20:20

جماهيرنا أسقطت نهج الأسرلة والتأثير وأعادت الاعتبار للقضية الوطنية

إذا أردنا تلخيص العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، أو الذي يرفض أن يتوقف دون الحصول على "صورة انتصار"، لا نجد أبلغ مما قاله كاتب إسرائيلي متهكما من "أن الجيش الإسرائيلي الصغير انتصر مرة أخرى على جيش حماس العظيم".

جماهيرنا أسقطت نهج الأسرلة والتأثير وأعادت الاعتبار للقضية الوطنية

من تشييع جثمان الشهيد محمد كيوان - أم الفحم (أ. ب.)

إذا أردنا تلخيص العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، أو الذي يرفض أن يتوقف دون الحصول على "صورة انتصار"، لا نجد أبلغ مما قاله كاتب إسرائيلي متهكما من "أن الجيش الإسرائيلي الصغير انتصر مرة أخرى على جيش حماس العظيم".

وقد عبر عن هذه المعادلة أحد المحللين الإسرائيليين، متسائلا، على ماذا المفاخرة فالحديث لا يدور عن معركة بطولية أمام عدو متساوي القوى يمتلك سلاح جو وبطاريات صواريخ مضادة للطائرات، حماس لا تمتلك ذلك كما أنها لا تحصل على 3.5 مليار دولار للتسلح العسكري الأكثر تقدما، فهي لا تستطيع فعل شيئا أمام طيراننا، فبماذا نتفاخر؟ على من فزنا؟ على أي جيش انتصرنا؟

وقد استدرك المحلل العسكري المذكور قائلا، إنه من غير الواضح أيضا أن حماس قد خسرت في المعركة رغم تكرار المزاعم التي تتحدث عن استهداف مخازن الصواريخ والمشاغل وكبار القادة والابراج، وهو كلام سمعناه، في عملية "الجرف الصامد" في الـ2014 أيضا.

والحقيقة أن ما يميز العدوان على غزة، هذه المرة، أنه حلقة في المواجهة الشاملة الجارية بين إسرائيل والشعب الفلسطيني بين البحر والنهر، التي انطلقت شراراتها من القدس وامتدت للداخل الفلسطيني ومدنه الساحلية في يافا وعكا واللد والرملة، والتي تحولت إلى ساحات مواجهة بين السكان الفلسطينيين والمستوطنين اليهود المدعومين من قوات الشرطة وحرس الحدود، قبل أن تنتقل إلى قطاع غزة ومن ثم الضفة الغربية أيضا.

وإضافة إلى الحالة النوعية التي خلقتها المقاومة الفلسطينية في غزة أثناء المواجهة العسكرية الأخيرة، من حيث مدى وكثافة القوة الصاروخية التي غطت مدن الجنوب والمركز الإسرائيلي وشلت حركتها، وهي حالة لا شك أنها تنذر بتهديد إستراتيجي بالمدى البعيد، خاصة وأن القوة العسكرية الإسرائيلية، شديدة التدمير، وقفت عاجزة أمام هذه الصواريخ التي اخترقت عمقها بالمئات، مستعيضة عن فشلها في منع وردع هذه القذائف بإحداث الدمار في العمارات والأبراج السكنية والبنية التحتية في القطاع. ولنا أن نتخيل، وفق أحد السياسيين الإسرائيليين، أن الحديث يدور عن القوة العسكرية الأضعف في السلسلة التي تشكل حماس وقطاع غزة إحدى حلقاتها فقط.

مرة أخرى أثبتت القدس ببعدها الروحي والوجداني، أنها القادرة على توحيد الشعب الفلسطيني بكافة قطاعاته وتجمعاته، مثلما أثبتت جماهير 48 ليس فقط أنها الحاضنة البديلة للقدس، التي حاولوا عزلها عن محيطها الطبيعي، بل أثبتت أيضا مركزية دورها في المعركة القادمة ومحوريتها في مستقبل المشروع الوطني الفلسطيني، ولعل عودة الصراع على طبيعة مدن الداخل الفلسطيني، يافا وعكا وحيفا واللد والرملة إلى جانب القدس يحمل الكثير من الرمزية.

لقد أسقطت جماهير الداخل بالتحامها مع شعبها الفلسطيني نهج الأسرلة والتاثير الذي بلغ ذروة جديدة مؤخرا، بفصل البعد الوطني عن البعد المدني، وإسقاط القضية الفلسطينية من الأجندة السياسية لأحزابنا، أو غالبيتها، عبر الاستعداد للمشاركة أو الدعم من الخارج لمرشحين لرئاسة الحكومة الإسرائيلية دون حدوث أي تحول يذكر في موقفهم المعادي لحقوق شعبنا الوطنية.

ومن المفارقة أن يصطدم هذا الانزلاق والانهيار الخطير بمعارضة قوى اليمين والمركز الصهيوني الإسرائيلي، التي رفضت شراكة الأحزاب العربية بأي شكل من الاشكال، ومثلما ذهبت أدراج الرياح التوصية على جنرال الحرب بيني غانتس، رغم ما انطوت عليه من تنازل مهين، لاقت مناورات اللهاث وراء نتنياهو ولبيد نفس المصير أيضا.

الهبة الأخيرة لجماهيرنا أثبتت لمن يريد إثباتا أن موقع القضية الفلسطينية منها كموقع الروح في الجسد، ترتبط بها بعلاقة جدلية لا تنفصم عراها، فلا يستقيم المركب المدني دون بعده الوطني الذي يشكل الإطار والهوية والعامود الفقري، وقد جاءت الهبة الأخيرة لتعيد لجماهيرنا الروح الوطنية أمام من أرادوا تحويلها إلى جثة هامدة.

التعليقات