24/06/2022 - 10:44

انتخابات مقبلة... ماذا ستقول الأحزاب العربيّة لجماهيرها؟ 

مَن لم يستطع إحراج منصور عباس في ظلّ اقتحام حكومته المسجد الأقصى وسحلها للمصلّين، لن يستطيع محاصرته في حملة انتخابية يرى فيها الناخب قُرب منصور منه أكثر من منافسيه

انتخابات مقبلة... ماذا ستقول الأحزاب العربيّة لجماهيرها؟ 

(Getty Images)

تذهب حكومة بينيت - لبيد في الأيام المقبلة، باتّجاه حلّ الكنيست، والتوجّه إلى انتخابات برلمانية مبكرة. وذلك في مبادرة استباقية منهما للخروج لانتخابات، قبل أن يوصلهما ترهُّل ائتلافهما إلى ذلك، على قاعدة؛ "أن تموت واقفا خيرٌ من أن تحيا على ركبتيك".

سيظلّ المشهد السياسي في الساحة الإسرائيلية يدور في فلك التجاذُب بين معسكرين، كما هو عليه في السنوات الأخيرة -طبعا دون أن يمنع ذلك من حِدّة التنافُس بين الأحزاب اليهودية داخل كل معسكر على تحصيل مقاعد برلمانية أكثر- ولن يستجدّ في هذا المشهد ما يستحقّ الانتباه، لطالما يشتغل هذا الاستقطاب وفق أجندة صهيونية الدولة، وتحت سقف شروطها.

كما أن تجربة حكومة الائتلاف الحاليّ باعتبارها حكومة ما يُسمّى بـ"وسط - يسار" وفيها حزب عربي - إسلامي (الموحدة)، وبديلة لحكم نتنياهو بعد الإطاحة بهذا الأخير، أثبتت بما لا يحتاج إلى إثبات، بأن السياسات الممنهجة ضدّ مجتمعنا العربي في الداخل وعموم أبناء شعبنا الفلسطيني، كانت أكثر صهيونية مما كانت عليه في ظلّ أي حكومة أخرى سابقة، وهذا ما نعود اليوم لنذكّر به، بأن المسألة ليست متصلة بهذه الحكومة أو تلك، إنما "المنظومة" هي الضابط لإيقاع كل حكومة كانت أو ستأتي، في ظل صهيونية الدولة العبرية.

أما عن الأحزاب العربية - البرلمانية بشقيها المتمثلان بالقائمة المشتركة والقائمة الموحدة، والجديد لناحيتهما، بأننا ولأول مرة، أمام وجود حزب عربي في الائتلاف الحكومي أي القائمة الموحدة (الحركة الإسلامية الجنوبية). ومع علمنا، بأن الأحزاب العربية لم تكن لترحِّب بانتخابات قريبة قادمة، وذلك تفاديا منها لمواجهة قواعدها الحزبية قبل جماهيرها في مجتمعنا العربيّ. إلا أن الانتخابات مقبلة بعد بضعة شهور، فماذا ستقول الأحزاب العربيّة لجماهيرها؟

نحن ماضون في طريقنا

هذا ما صرّح به منصور عباس، رئيس القائمة الموحدة وعضو الائتلاف في حكومة بينيت - لبيد، في حوارٍ صحافي أُجري معه مساء الثلاثاء الماضي. وبصرف النظر عن صِحة ما جاء على لسان عباس في حواره، عن إنجازات ادعى بأن القائمة الموحدة استطاعت تحصيلها واستحقاقها لمجتمعنا العربي في ظلّ وجودها داخل الائتلاف الحكومي، ومنها تمديد الخطة الخمسيّة الكبرى، وتفعيل خطة مكافحة الجريمة والعنف، والتقدّم بالمخطط الخاص بأهلنا في النقب، والمتعلّق بالاعتراف بخمس قرى من غير المعترف بها فيه، إضافة إلى قانون الكهرباء وغيره؛ إلا أن عباس، يسلّط في خطابه الكشّاف على ما لم يُنجز فعلا بعد مما ادعى إنجازه، بينما يتهرّب من كل تصريحاته ومواقفه التي صرّحها ووقفها في وجوده وقائمته في السلطة التنفيذية على مدار أكثر من عام.

ومع أن ما ادعى منصور عباس إنجازه، لا يَديْن له ولا قدمين على الأرض بعد! لا بل إن تحقيقه ممكن، ودون أن يُشترط بأن يصبح العرب جزءا من ائتلاف في حكومة صهيونية لدولة ترى بمجرد وجود العرب فيها، نقيضا لها؛ يُصرّ منصور عباس وقائمته، على المضي قُدُما وبلا رجعة، في تمكين نهجه الذي يُسمّيه "الشراكة والتأثير"، بينما في حقيقته هو دمج وأسرَلة وتغيير لوجه ووُجهة العرب في الداخل، دون أن تتغيّر إسرائيل قيد أنملة، إلّا إلى نحو مزيدٍ من الصهينة وتهويد لهوية الدولة ومؤسساتها.

إذا كنّا لا نعتبر ما ادعى عباس إنجازه إنجازا، فإنّ الرجل يعتبر مجرّد اقتحامه حلبة الائتلاف الحكومي في دولة صهيونية إنجازا بذاته، لا بل تاريخيا كما يقول، ويمكنه اقتراحه على الناس في الانتخابات القادمة، وتمريره بوصفه فعلا "جريئا وواقعيا"، خصوصا في ظلّ وجود شريحة واسعة حاضنة وداعمة لهذا النهج داخل مجتمعنا العربي، في مقابل انحسار المدّ الوطنيّ فيه، وتراجُع الحركة الوطنية معه، وانشغال الناس بقضايا مدنية واجتماعية مُلِحّة ومُربِكة، ممّا يُسهّل على هذا النهج شَدّهم نحو الطُرق المختصرة. هذا وفضلا عن أثر خطاب الفرز الهوياتي، ومناخ الاصطفاف الاجتماعي الذي أثبت بأنه يخدم القائمة الموحدة أكثر مما ينفع منافسيها في المشتركة.

كل ذلك، قد يجعل منصور عباس، "رجلُ المرحلة" فعلا. وغير ذلك، يظلّ الفارق بينه وبين خصومه، هو في أنّ الرجل يعرف ماذا يريد! فماذا عن أهلنا في المشتركة؟

الأخ غير الشقيق

كانت القائمة المشتركة بمركباتها الثلاثة بعد انشقاف القائمة الموحدة عنها، هي من رفعت في الانتخابات الأخيرة شعار "دحْر نتنياهو". طرحت المشتركة هذا الشعار، بينما نفّذته القائمة الموحدة، فالإطاحة بنتنياهو تعني حكومة بينيت - لبيد. ومنصور عباس مُحقّ حينما قال في حواره الأخير: "إذا تخلّصنا من نتنياهو فلن يأتي محمد اشتية لتشكيل حكومة إسرائيل". إنما بديل نتنياهو ما كان ليكون غير هؤلاء الذين ائتلفت الموحدة معهم إلى اليوم.

كي لا نعود لتكرار ما قلناه سابقا عن مسارٍ بدأته المشتركة وعلى رأسها الجبهة بقيادة أيمن عودة، متصل بالتوصية على رؤساء حكومة، وخطاب التأثير وقلع نتنياهو ويمينه من الحكم، وكل هذا المَتاع الخطابي، الذي وصل بنا إلى ما نحن عليه اليوم برعاية منصور عباس؛ إلا أن المُستجد هو المسمار الذي تمكن منصور والموحدة من شَكِّه في هذه المساحة الجديدة والخطيرة من شكل السياسي وتاريخه لدى عرب الداخل.

كما لو أنه مسمار قد شُكَّ في نقطة يصعب العودة منها، ما يقول إننا لسنا أمام وضعية عُدول القائمة الموحدة وعودتها إلى حيث موضع المشتركة، إنما الأرجح؛ لحاق بعض مركبات المشتركة بنهج الموحدة مستقبلا.

ليس للقائمة المشتركة -ونحن نرجِّح بقاءها على حالها في الانتخابات القادمة بثلاثة مركباتها- من خطاب تقترحه على جماهيرها هذه المرة، غير ذلك المتعلق بـ"الحقوق واستحقاقها بكرامة" في إشارة أكثر ذات علاقة هذه المرة من أي انتخابات سابقة إلى تورُّط القائمة الموحدة وقيادتها في نهج الاندماج والأسرَلة، تحت طائل "حقوقنا وقضايانا الحارقة".

ومع ذلك، لا نظنّ أن المشتركة برفعها شعار "الحقوق بكرامة"، يمكنها محاصرة الموحدة ونهجها! لأنه وببساطة، لا يمكن مواجهة منصور عباس بأيمن عودة! لا بل، وبتعبير أحد الأصدقاء، لا يمكن مواجهة نهج الموحدة وقادتها من داخل الكنيست أساسا. كما أنه لا مجال سياسيًّا لدينا خارج الكنيست ولا إرادة لذلك، لنلجم به ما يحدث في داخله.

مَن لم يستطع إحراج منصور عباس في ظلّ اقتحام حكومته المسجد الأقصى وسحلها للمصلّين، لن يستطيع محاصرته في حملة انتخابية يرى فيها الناخب قُرب منصور منه أكثر من منافسيه. لذا، إن خطاب "حقوق بكرامة" لن يكون فاعلا في لجم حالة الأسرلة والاندماج، ما لم يُطرح بوصفه برنامجا يمكن تفعيله خارج قبة الكنيست، أكثر مما هو ممكن تحتها. أما إذا كان سيُطرح لمجرد المناكفة وكسب الأصوات، فإن المشتركة ستظل في نهجها؛ الأخ غير الشقيق للموحدة.

اقرأ/ي أيضًا | رمضان بشروط إسرائيل

التعليقات