30/06/2022 - 15:36

بلداتنا... من شوارع بلا أسماء إلى تسميات عرجاء

يحفل تاريخنا العربي - الإسلامي بمراحله المختلفة بما في ذلك التاريخ الفلسطيني - العربي القريب، بمئات وربما آلاف الرموز والأعلام التي تستحق أن تزين أسماء شوارع وميادين قرانا ومدننا الحزينة لتمسح عنها بعض الكآبة وتنفح فيها روح الثقة والكبرياء وبعض

بلداتنا... من شوارع بلا أسماء إلى تسميات عرجاء

من قرية جت المثلث (أرشيفية)

يحفل تاريخنا العربي - الإسلامي بمراحله المختلفة بما في ذلك التاريخ الفلسطيني - العربي القريب، بمئات وربما آلاف الرموز والأعلام التي تستحق أن تزين أسماء شوارع وميادين قرانا ومدننا الحزينة لتمسح عنها بعض الكآبة وتنفح فيها روح الثقة والكبرياء وبعض الكرامة الوطنية، في ظل واقع سياسي استعماري يسعى لمحو التاريخ والجغرافية وإعادة بنائهما وفق الرواية الصهيونية التوراتية.

فابن خلدون وابن سينا وابن رشد أنتجوا علومهم وفلسفتهم من رحم هذه الأرض وبلغتها، والمتنبي والمعري والبحتري نشروا شعرهم فوقها، كما تمرغت سيوف ودماء أبو عبيدة الجراح وخالد بن الوليد وصلاح الدين بترابها، مثلما استشهد المختار والقسام وعبد القادر الحسيني وياسر عرفات دونها، وكتبها غسان كنفاني ومحمود درويش وناجي العلي رواية وقصيدة ولوحة.

هؤلاء وغيرهم هم من يجب تزين أسماءهم شوارع وميادين قرانا ومدننا العامرة، بصفتها الحيز "ألأوتونومي" المتبقي لنا، بعد أن تم استبدال الأسماء العربية والفلسطينية في شوارع وميادين يافا وحيفا وعكا واللد والرملة وطبرية بـ جبوتينسكي وهرتسل وبن غوريون وتشرنيخوفسكي.

لقد عشنا الفترة التي كانت تسمى خلالها مدارسنا بأحرف الأبجدية، "أ"، "ب"، "جـ"، بينما كانت المدارس اليهودية تتسابق في إطلاق أسماء قادة "الهاغاناه" و"الإيتسل" و"الليحي" على نفسها، ورددنا مع محمود درويش قوله "أنا من قرية عزلاء منسية شوارعها بلا أسماء"، وكانت قرانا حينها صغيرة، بعضها بلا شوارع أيضا، لكنها كبرت وفقدت "قرويتها" دون أن تتحول إلى مدن، رغم أن بعضها يسمى كذلك، وبعد أن أصبح" الويز" يقودك إلى كل نقطة في البلاد إذا غذّيته باسم المكان، فقد تحولت الأسماء إلى حاجة تقتضيها هذه التكنلوجيا.

وقد وقعت مجالسنا وبلدياتنا بين مسؤوليتها في توفير هذه الحاجة وتسمية الشوارع والميادين وبين "الحرج" من السلطة، ممثلة بوزارة الداخلية، التي يسعون إلى عدم إغضابها أو "جرح مشاعرها" لكي تبقى الميزانيات الشحيحة تجري في مواسير "التنقيط" أو هكذا يظنون، وهم يستنكفون عن المواجهة في مرحلة ولى فيها عهد "استلال حقوقنا من بين أنياب مغتصبيها" الذي أرساه توفيق زياد عندما تولى رئاسة بلدية الناصرة عام 1975، فقد سقط شعار الجبهة "كرامة وخدمات"، ولحق به شعار التجمع "كبرياء وانتماء" تحت أقدام "نهج التأثير" والانبطاح تحت أقدام السلطة الذي شقته المشتركة وانحدر به منصور عباس إلى حضيض لا يوصف.

هذه المجالس والبلديات، أو غالبيتها، عوضا عن القيام باختيار "لجنة أسماء" ذات صفة مهنية وتمثيلية لاختيار أسماء عصرية للشوارع والميادين وفق معايير تأخذ بعين الاعتبار تاريخنا وثقافتنا وإرثنا الحضاري العربي - الإسلامي وانتمائنا الوطني والقومي، وتخرج نهاية بأسماء تجمع أعلام من شعراء وأدباء وعلماء وسياسيين أسهموا في صنع تاريخنا وحاضرنا وتعكس الوجه الناصع لشعبنا وأمتنا، اختارت الهروب من الموضوع إما إلى الأرقام وإما إلى التسميات العشوائية.

رؤساء المجالس أو غالبيتهم يدركون أنهم لن يستطيعوا الوقوف أمام استحقاقات لجنة أسماء مهنية وتمثيلية، لأنهم لن يستطيعوا معارضة اختيار أسماء مثل عبد الناصر وياسر عرفات وغسان كنفاني من جهة ولن يستطيعوا، أو لن يكونوا معنيين بالدفاع عنها أمام وزارة الداخلية وإقرارها من جهة ثانية، وكلنا يذكر قضية تسمية شارع ياسر عرفات في جت المثلث، حيث رضخ المجلس المحلي لأمر وزير الداخلية، في حينه، أرييه درعي، بإزالة اللافتة التي تحمل اسم الشارع، في أعقاب تحريض حركة "إم ترتسو" اليمينية المتطرفة.

لقد كتب أحد الأصدقاء من قرية في الشمال اكتسبت صفة مدينة مؤخرا، على صفحته في "فيسبوك" محتجا: "شو أسامي الشوارع هاي سولين وروان فش أسامي محترمة تتسمى فيها الشوارع"، وفي قرية أخرى انتقد صديق آخر أسماء شوارع تحمل اسم "أزمير" و"أنقرة"، وعقب عليه صديق آخر، بأن في قريته دوار وشارع ومسجد تسمى جميعها "محمد الفاتح".

أما في القرية التي أسكن فيها، فقد تم تسمية الكثير من الشوارع على اسم الشخص الذي يقع بيته على رأس الشارع، وبالمقابل جرى استنساخ خارطة الأسماء القديمة المستوحاة من "التكوين البدائي للقرية"، عندما كانت المواقع تسمى على اسم عين ماء أو شجرة صفصاف يستظل بها الناس أو فرس جامح، إنها فكرة جميلة لو اقتصرت على بضعة شوارع وأسماء تبقي الماضي حاضرا في الذاكرة، لا أن تُعيد البلدة إلى "ما قبل الحداثة"، والطريف أن شاعر العرب "المتنبي" بـ"جلالة قدره" وجد نصيبه في شارع بعرض مترين وطوله ستة أمتار حمل اسمه.

التعليقات