07/07/2022 - 16:43

لماذا حوّلتم "الرصاصة" من دليل إثبات إلى دليل براءة؟

تَتَابُع هذه السقطات لا يشير إلى نهج فقط، بل إنه يفضح عدم جديّة السلطة في تبنّي إستراتيجية العمل ضد إسرائيل، وإحراجها أمام المؤسسات الدولية الذي تتغنى به.

لماذا حوّلتم

(geety images)

في المرة السابقة أيضا، عندما جرى إجهاض "تقرير غولدستون"، ارتفعت أصوات النقد والاحتجاج ضد السلطة الفلسطينية وكانت دائرتها، واستحضر العديد من الصحافيين أحداثا سابقة شبيهة، ارتكبت فيها السلطة الخطأ نفسه، المتمثّل بالتفريط بالدليل الدامغ الذي يجرّم إسرائيل قانونيًّا، ويضعها في قفص العدالة العالمية، وفي كل تلك المرات، كانت ضغوط ووعود أميركا الكاذبة التي ما انفكّت القيادة الفلسطينية والعربية تصدّقها، منذ أن ورثت الدور الاستعماريّ من بريطانيا في المنطقة العربية، وأضحت حاضنة لربيبتها إسرائيل فيها.

ومعروف أن أسلوب الكذب والتضليل ليس صفة أميركية خالصة، بل هو جزء من الموروث الاستعماري الذي اكتوى الفلسطينيون بنتائجه الكارثية، منذ أن ارتكنوا إلى حسن نوايا بريطانيا، التي نقلها إليهم أشقاؤهم العرب، وبضمانتهم، وكانت سببا في وقف ثورة فلسطين الكبرى 1936-1939، وإجهاض معركة الاستقلال الفلسطينيّ، ما كان سببا رئيسيا في نكبة 1948.

هي الأساليب والآليات ذاتها، لم تتبدل بتبدُّل الدولة الاستعمارية، فأميركا واصلت استعمال أساليب الترهيب والترغيب نفسها، وضغطت مباشرة أو عن طريق استعمال آلياتها العربية على القيادة الفلسطينية، والأخيرة توافق مضطرة أو غير مضطرة، وهي تتمسك بقشّة خلاص الوعود الأميركية، على أمل أن تصدق هذه المرة، ثم تخيب آمالها وآمال شعبها بها، مرة بعد أخرى.

وفي سياق الإدانة الدولية وتجريم إسرائيل قانونيًّا بارتكاب جرائم حرب، والتي هي -للتذكير- إستراتيجية من إستراتيجيات السلطة، عملت عليها منذ أن أفلتت من أيديها أساليب النضال الأخرى، وعلى رأسها الكفاح المسلّح -الذي اعتُمد في السابق من قِبل التنظيم المتفرّد في السلطة الفلسطينية؛ "فتح" كخيار وحيد لتحرير فلسطين- إستراتيجية عملت عليها لتجريم إسرائيل، وفي السياق تقدّمت مؤخرا، مضطرة أو غير مضطرة بشكاوى ضد إسرائيل في المحكمة الدولية.

ولم يكن تسليم الرصاصة التي اخترقت رأس الشهيدة شيرين أبو عاقلة للإدارة الأميركية عشية زيارة بايدن لإسرائيل، والحديث المعلن عن نيّته إغلاق هذا الملف قبل الزيارة، والنتيجة البائسة التي حققتها السلطة من وراء هذه الخطوة بإصدار صكّ تبرئة أميركي لإسرائيل؛ لم يكن هو الفشل الأوّل على هذا الطريق، كما أسلفنا، فقد وافقت السلطة الفلسطينية في الثالث عشر من حزيران/ يونيو 1999 على تأجيل مؤتمر جنيف حول الانتهاكات الإسرائيلية للأراضي الفلسطينية المحتلة، وذلك بعد تعرّضها لضغوط من الولايات المتحدة الأميركية، بحجّة منح رئيس الحكومة الإسرائيلية، إيهود باراك، المنتخَب حديثا آنذاك، فرصة للتقدُّم في عملية السلام.

وفي التاسع من تموز/ يوليو عام 2004، أصدرت محكمة العدل الدولية في لاهاي، رأيا استشاريًّا يعتبر بناء جدار الفصل العنصريّ، عملا غير قانونيّ، ويطالب إسرائيل بوقف عمليات البناء، وبتعويض الفلسطينيين الذين تضرروا منه، بما في ذلك سكان القدس الشرقية، باعتبار أراضيهم هي أراض محتلة، لكن السلطة الفلسطينية لم تقم بأي جهد لرفع هذا القرار للجمعية العامة للأمم المتحدة، لإعطائه طابعا قانونيا أكثر إلزامية، الأمر الذي أدّى إلى إهمال هذا القرار الهامّ ودخوله حيّز النسيان.

وفي آب/ أغسطس من العام 2007، وقفت السلطة الفلسطينية في وجه مشروع قرار قطري – إندونيسي قُدِّم لمجلس الأمن، طالب برفع الحصار عن قطاع غزة، وبتسهيل مرور الناس والبضائع عبر معبر رفح، ونقل عن مصادر مرموقة أن المندوب الفلسطيني قام بالمرور على كافّة ممثلي الدول الأعضاء، لحثّهم على رفض مشروع القرار.

وفي ما يتعلّق بتقرير غولدستون، فقد طلبت السلطة الفلسطينية في تشرين الأول/ أكتوبر 2009، بعد ضغوط أميركية مورست عليها، من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف، سحْب القرار المتعلق بتبنّي تقرير غولدستون بشأن جرائم الحرب التي ارتكبتها إسرائيل في قطاع غزة، وذلك وسط ترحيب إسرائيلي، واستنكار فصائلي وشعبي فلسطيني.

وكان تقرير لجنة تقصي الحقائق المشكَّلة من قِبل مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، برئاسة القاضي ريتشارد غولدستون، قد تضمّن اتهامات خطيرة لإسرائيل بانتهاك القانون الدولي، وبتنفيذ مجموعة كبيرة من الأعمال التي ترقى إلى جرائم حرب، وبارتكاب بعض الممارسات التي تمثّل جرائم ضد الإنسانية، أثناء الحرب العدوانية على قطاع غزة، إضافة إلى ممارسة سياسة العقاب الجماعيّ، من خلال الحصار الخانق الذي تمارسه بحقّ الشعب الفلسطيني في القطاع.

تَتَابُع هذه السقطات لا يشير إلى نهج فقط، بل إنه يفضح عدم جديّة السلطة في تبنّي إستراتيجية العمل ضد إسرائيل، وإحراجها أمام المؤسسات الدولية الذي تتغنى به، وتعتبره بديلا ناجعا عن المقاومة المسلّحة، فتواطؤها ورضوخها للإرادة الأميركية، ينقِذ إسرائيل كلّما التفّ الحبل، أو اقتربت المقصلة من عنقها، وذلك مقابل وعود كاذبة، أو فتات من "الصدَقات" الإسرائيليّة الأميركيّة.

والآن، بعد تسليم الرصاصة وتبرئة القَتَلة، يستطيع بايدن تنفيذ زيارته لإسرائيل التي تستهدف تعزيز تحالفها مع السعودية، وفتح أجوائها أمام طيرانها، بدون الحرَج الذي يُحدِثه قتل الجيش الإسرائيلي لمواطنة أميركية، وأن يحجّ في طريقه إلى بيت لحم، ثمّ يجتمع بالمناسبة مع الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، تعويضا له عن التسهيلات التي قدّمها لإنجاح الزيارة، قبل أن يغادر إلى أرض الحجاز.

التعليقات