26/09/2018 - 10:07

كذبة أولمرت

اشتمل اللقاء الذي عقده رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق، إيهود أولمرت، مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في باريس، الأسبوع الفائت، على عدة تفاصيل تستحق التوقف مليًّا عندها. 

كذبة أولمرت

اشتمل اللقاء الذي عقده رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق، إيهود أولمرت، مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في باريس، الأسبوع الفائت، على عدة تفاصيل تستحق التوقف مليًّا عندها. 

ويمكن ألا يكون أكثرها لفتًا للنظر تأكيد أولمرت أنه "كان سيحقّق السلام مع الفلسطينيين منذ وقت طويل، لولا أن ولايته انقطعت بسبب الاتهامات الجنائية ضده"، والتي أدت لاحقًا إلى إدانته بتهمة تلقي رشى، وصدور حكم بالسجن الفعلي عليه 18 شهرًا، بيد أن هذا التأكيد كان واحدة من الإشارات إلى كذب صاحبه الذي لا ينطلي على أحد. 

وبالعودة إلى ولاية أولمرت (2006- 2009)، ليس مجازفة القول إن لقاء أنابوليس الدوليّ، المنعقد في الولايات المتحدة يوم 27 نوفمبر/ تشرين الثاني 2007، أدار، في الظاهر، محرّك مفاوضات شاملة، وربما في أكثر تفصيلاتها دقة، بشأن التسوية الدائمة للصراع الإسرائيلي- الفلسطيني، والتي، منذ ذاك اللقاء فصاعدًا، باتت تجري عبر طواقم تفاوض متعدّدة، تعمل بالتوازي مع تطبيق خطة "خريطة الطريق". 

وبالعودة إلى ما كُتب ونُشر في إسرائيل، في حينه بهذا الصدد، في الوسع إجمال المعيقات الأساسية التي تعترض طريق تسوية كهذه، في ما يلي: 

أولًا، من شأن أي "تقدّم سياسي مُهم" أن يفجر أزمة سياسية في إسرائيل قد تطيح الائتلاف الحاكم الذي يترأسه أولمرت وحزبه كاديما، والذي بات ائتلافًا على كفّ عفريت بعد انسحاب حزب إسرائيل بيتنا منه؛ 

ثانيًا، تراجع مكانة السلطة الوطنية الفلسطينية، خصوصا إثر الانقسام السياسي والجغرافي. وهو تراجع يبرّر، في قراءة الإسرائيليين، عدم الإقدام على أي خطوات ذات دلالات غير مألوفة، علاوة على الاعتقاد الراسخ بأن احتمالات التوصل إلى اتفاق على بنود التسوية ضئيلة للغاية؛

ثالثًا، انعدام أي اتفاق بشأن معظم القضايا الجوهرية لملف التسوية الدائمة. وبموجب "تقدير موقف"، أصدره معهد ريئوت الإسرائيلي للتخطيط السياسي (مقرّب من وزيرة الخارجية الإسرائيلية آنذاك تسيبي ليفني) بالتزامن مع انطلاق المفاوضات، فإنه فضلًا عن القضايا الجوهرية الكبرى (الحدود والقدس واللاجئون) لم يجر بعد التبحّر في تفصيلات قضايا تستوجب، في رأي هذا المعهد، مفاوضاتٍ مضنيةً وقرارات تاريخية، مثل التي تتعلق بالمجال الجوي، وتقاسم مصادر المياه، والاتفاقات الاقتصادية، وما شابه ذلك. 

ومن دون التقليل من أهمية هذه المعيقات وخطورتها، تم النظر إلى المعيق الأول بأنه الأكثر قدرة على كبح جماح التعويل على حراكٍ، قد يتراءى أنه مترتب على نتائج لقاء أنابوليس، فلقد هدّد حزب شاس، الديني المتشدّد، بالانسحاب من الحكومة الإسرائيلية في حال جرى التفاوض بين الجانبين بشأن قضية القدس. وجاء التهديد بعدما قرّر "مجلس حكماء التوراة"، الهيئة العليا والمرجعية السياسية لهذا الحزب الديني، في أوائل فبراير/ شباط 2008، أنه في حال بدأ طاقما المفاوضات على قضايا الحل الدائم مناقشة قضية القدس، على "شاس" الانسحاب من الحكومة فورًا. 

وجاء قرار المجلس المذكور بعد انسحاب حزب إسرائيل بيتنا، برئاسة أفيغدور ليبرمان من الحكومة، في يناير/ كانون الثاني 2008، بسبب وجود مفاوضات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية على قضايا الحل الدائم. وكان انسحاب "شاس" من حكومة أولمرت سيؤدي إلى سقوطها، لأنها، في هذه الحالة، تصبح فاقدة الأكثرية البرلمانية. بناء على ذلك، رأت القوى السياسية الإسرائيلية، بما في ذلك المحسوبة على "معسكر السلام"، أن أولمرت "محدود جدًا في خياراته التفاوضية"، لأسباب عديدة، ليس أبسطها طبيعة ائتلافه الحكومي. 

غداة لقاء أنابوليس المذكور، أشاد رئيس حزب ميرتس، عضو الكنيست يوسي بيلين، بالخطاب الذي ألقاه أولمرت خلاله، غير أنه، في الوقت عينه، دعا إلى تغيير مبنى الائتلاف الحكوميّ. ومما قاله بيلين: "إذا كان أولمرت صادقًا بالفعل في كل ما قاله، فمن الواضح أن الائتلاف الذي يقف على رأسه بعيد عن ذلك كله، وسيكون مثل حجر الرحى على عنقه، لدى حدوث أي تقدّم نحو السلام!".

(العربي الجديد)

 

التعليقات