30/09/2006 - 15:04

عن حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية / عبد الإله بلقزيز

عن حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية / عبد الإله بلقزيز
قرار تشكيل حكومة وحدة وطنية في المناطق الفلسطينية قرار مؤجل منذ نهاية يونيو/ حزيران 2006، أي منذ جرى التوصل إلى “اتفاق وطني” بعد حوار صعب على “وثيقة الأسرى”. أسباب التأجيل معروفة: أسر الجندي الصهيوني والرد العسكري “الاسرائيلي” الشامل على غزة، ثم اندلاع الحرب “الاسرائيلية” على لبنان. اليوم يتأجل من جديد بذريعة اقدام قادة “حماس” على الادلاء بتصريحات “أحرجت” محمود عباس عربياً ودولياً من قبيل رفض “المبادرة العربية”، ورفض الاعتراف ب “إسرائيل”، ورفض الاعتراف بالاتفاقات الموقعة.

من النافل القول إن قرار أبي مازن تجميد المفاوضات حول تشكيل حكومة الوحدة الوطنية ليس ذا صلة باحتجاج منه على مثل تلك التصريحات، وليس حتى بهدف الايحاء للأمريكيين وهو في زيارة لنيويورك بحرصه على احترام ما لا ترغب “حماس” في احترامه من التزامات للسلطة، لأن من أبده الأمور ألا ينتظر الرئيس الفلسطيني تغييرات دراماتيكية سريعة في مواقف “حماس” من “اسرائيل” أو من التفاوض معها، ولأنه يعرف ان وثيقة “الوفاق الوطني” التي ستقوم الحكومة الائتلافية على قاعدة برنامجها لا تلزم “حماس” بالاعتراف ب “إسرائيل”، ثم لأن الوثيقة اياها تكل أمر التفاوض إلى منظمة التحرير التي لا توجد بها “حماس” لا إلى الحكومة والسلطة، أي إلى الرئيس وحزبه لا إلى رئيس الوزراء وحركته.

ماذا تغير اذن حتى صدر قرار تجميد المفاوضات على تأليف الحكومة على نحو يوحي بصرف النظر عن فكرة الحكومة الائتلافية ذاتها؟

إذا أحسنا الظن كثيراً بالرئيس الفلسطيني وفريق عمله، نرد ذلك التغيير إلى محاولة ممارسة ضغط على “حماس” منذ الآن يضعها بين خيارين: تشكيل حكومة بشروط الرئيس و”فتح” بما في ذلك حصة كل فريق من الحقائب الوزارية ونوع الحقائب، أو عدم تشكيل حكومة ائتلافية.

وفي هذه الحال، يكون استمرار “حكومة حماس” الحالية مكلفاً: سواء بسبب الخنق المالي الذي تتعرض له منذ قيامها، أو بسبب الضغط الشعبي الهائل عليها والناجم عن ذلك الخنق المالي، أو بسبب مخاطر فقدان الغالبية النيابية بالاعتقالات. وليس من شك في أن الفرصة مناسبة جداً لممارسة مثل ذلك الضغط الرئاسي أو الفتحاوي على “حماس” وهي تجد نفسها أمام مأزق حكومي جدي.

إن لم نحسن الظن، نقول إن الهدف من قرار التجميد هو التراجع عن خيار حكومة الوحدة الوطنية، وترك أوضاع الحكومة الحالية تستفحل إلى حيث تسقط شعبياً أو تشريعياً. وفي هذه الحال، سيكون قرار التجميد قد أدى احدى وظيفتين أو هما معاً: “تصحيح” قرار رئاسي وفتحاوي بالدخول في شراكة حكومية مع “حماس” لن تكون نتيجتها سوى انقاذ هذه الأخيرة من ورطتها، أو الايحاء بأن الرئيس و”فتح” كانا جادين في اخراج الوضع الحكومي والسياسي من أزمته بتشكيل حكومة وحدة وطنية تفك الحصار الدولي المضروب على الفلسطينيين، لكن “حماس” لم تتصرف على النحو الذي ينجح هذا الخيار، وهي طريقة غير ودية لرفع العتب.

ومما يعزز الشعور بالخشية من أن يكون هذا الهدف هو الذي يقوم وراء قرار تجميد المفاوضات بين الرئاستين أن معلومات عديدة شاعت حول ضغوط أمريكية كثيفة على محمود عباس للانسحاب من “الاتفاق” مع “حماس”. وقيل في سياق هذه المعلومات إن جيكوب والس، القنصل العام الأمريكي، أبلغ الرئيس الفلسطيني رسالة أمريكية تدعوه إلى الغاء اتفاق تشكيل حكومة الوحدة الوطنية أو تعديله بما يستجيب للشروط الأمريكية ولشروط اللجنة الرباعية: الاعتراف بـ “اسرائيل”، الاعتراف بالاتفاقات الموقعة.. الخ.

وليس ثمة ما يبدد مثل هذا الظن اليوم، خصوصاً إذا ما تذكرنا ان احتجاجات فريق الرئيس عباس على تصريحات مسؤولي “حماس” انما كانت بالتحديد على التصريحات التي ورد فيها أن الحركة لن تعترف ب “إسرائيل” أو بالاتفاقات الموقعة معها فلسطينيا. وإذا كان بعض من أطر “فتح” قد تحاشى الاعلان عن خلافه مع “حماس” أو عن تجميد المفاوضات معها بسبب موقفها من “اسرائيل”، مشدداً على أن الخلاف معها خلاف حول موقفها السلبي من الشرعية العربية ومن “المبادرة العربية” التي أقرت في قمة بيروت 2002 وذلك حال نبيل عمرو ونبيل أبو ردينة وأحمد عبد الرحمن وصائب عريقات فإن البعض الآخر من مسؤولي “فتح” لم يكن يجد حرجاً في الافصاح عن السبب الفعلي في الخلاف (موقف “حماس” من الاتفاقات المبرمة مع الكيان الصهيوني)، وذلك ما فعله بوضوح لا مزيد عليه عزام الأحمد: الناطق باسم كتلة “فتح” في المجلس التشريعي.

ولكن، بمقدار ما ثمة ما يدعو إلى الأسف لهذا النحو من الردود الفتحاوية على حركة “حماس” وعلى حقها في ابداء مواقفها من الكيان الصهيوني والاتفاقات المذلة المبرمة معه، بمقدار ما يتملك المرء استغراب من استغراب “حماس” لضغوط “فتح” والرئيس محمود عباس عليها في هذا الموضوع بالذات، إذ ماذا تنتظر “حماس” غير مثل هذا النوع من الضغوط عليها بعد أن تحولت من حركة إلى سلطة (حكومة)، وأية سلطة؟ تلك المحكومة باتفاق غير شرعي ولا منصف يقضي بارتهان القرار السياسي الفلسطيني للشروط المجحفة التي فرضها “اتفاق أوسلو” سيىء الذكر.

ما كان أغنى حركة “حماس” عن مثل هذه الضغوط والابتزازات لو لم تضع نفسها في ورطة إدارة مؤسسة من مؤسسات “أوسلو” هي حكومة الحكم الذاتي الفلسطيني: الورطة عينها التي وضعت فيها حركة “فتح” نفسها منذ العام 1993 فانتهت بها الى هزيمة سياسية مروعة في انتخابات الخامس والعشرين من يناير/ كانون الثاني من عام 2006.

هذه واحدة. الثانية نصيحة صادقة إلى الإخوة في حركة “حماس” أن يتشبهوا بمسلكية “حزب الله”: قليلاً من الكلام (ومن فيض تصريحات أكثر من ناطق رسمي!)، كثيراً من الفعل.

التعليقات