29/12/2006 - 10:48

دور العرب في الصراع بين إيران وأميركا؟ / عصام نعمان*

دور العرب في الصراع بين إيران وأميركا؟ / عصام نعمان*
أميركا ليست حائرة. صحيح أن أمامها خيارات عدة تستوجب قرارات فذة، لكنها تعرف ماذا تريد، وقد حددت وجهة سيرها. إنها ضد العرب وإيران في آن معاً، ذلك لأنهما جزءان وازنان من كيان كوني أضحت، موضوعياً، في حربٍ معه منذ 11 أيلول 2001. إنه «الإسلام الراديكالي» كما يسميه جورج دبليو بوش حيناً أو «الإسلام الفاشي» كما يسميه حيناً آخر. لذا التعديل الذي سيدخله الرئيس الأميركي على استراتيجيته النافذة لا يتناول طبيعة العدو بل نهج مقاربته ومحاربته في المستقبل المنظور.

في الساحة العراقية يكمن قرار بوش الأكثر دقة وحساسية، إذ فيها ينشط جناحا الإسلام الأثقل وزناً. إن أيّ قرار أميركي يمس أحدهما سوف يمس الآخر، سلباً أو إيجاباً، وستكون له مفاعيل محلية وإقليمية. وتزداد حساسية القرار الأميركي المنتظر وأهميته لكونه يتصل بهدف بالغ الدلالة هو كيف تخرج الولايات المتحدة من العراق.

يبدو أن إدارة بوش حددت طريقة الخروج. إنها الطريقة التي تسهم بفعالية في خدمة قرار استراتيجي قيد التنفيذ هو شقّ الإسلام السياسي إلى إسلام سنّي وآخر شيعي، كما هي الحال على الصعيد المذهبي، وتأجيج الصراع بينهما.

والمؤسف ان في كلا «الإسلامين» قياداتٍ وقوى تستسيغ هذا الصراع وتمارسه بفعالية. في هذا السياق يمكن تلمّس معالم الاستراتيجيا الأميركية الجاري تعديلها على النحو الآتي:

في الساحة العراقية، لا جدوى من اختيار التحالف مع أحد الفريقين السني أو الشيعي. ذلك ان اختيار الفريق الشيعي يقوّي إيران ويُغضب السعودية وقد يثير حساسية تركيا التي يقلقها التحالف الضمني بين الفريقين الشيعي والكردي. لذا تتجه إدارة بوش، على ما يبدو، إلى تكوين فئة حاكمة مختلطة من الفريقين الشيعي والسنّي على ان تكون لأهل الشيعة فيها غلبة محدودة إنما مقرونة بحدّ أدنى فعّال من الاستقلالية عن إيران. هذا يستوجب زيادة عديد القوات الأميركية في العراق بقوة لا تقل عن عشرين ألف جندي وذلك في إطار خطة تهدف إلى تحقيق أهداف ثلاثة:

تسريع تدريب القوات العراقية لتتسلم المهمات الأمنية من القوات الأميركية في مدى سنة، دعم القوات العراقية المتوافرة لقطع دابر الميليشيات المذهبية التي تعيث في بغداد فساداً وتتسبب في فرز مذهبي فاجر، وتمكين القوات الأميركية من الانسحاب إلى قواعد جاهزة بعيدة عن المدن فلا تبقى، كما هي الحال الآن، رهينةً في متناول إيران.

في مواجهة إيران، تعتمد إدارة بوش استراتيجيا متكاملة غايتها الأساس منع تجذّر إيران كقوة إقليمية مركزية وذلك في إطار خطة لاحتوائها وتفكيكها تنطوي على تدابير خمسة: التشدد في تطبيق العقوبات التي أقرها مجلس الأمن الدولي أخيراً، مباشرة عملية إثارة واسعة للأقليات الإثنية ضد السلطة المركزية في طهران ذات الصبغة الفارسية الغالبة، تشجيع السعودية، القلقة من تنامي قدرات إيران ونفوذها الإقليمي، على زيادة إنتاجها من النفط في شكلٍ يؤدي إلى هبوط حادّ في أسعاره، وبالتالي إلى هبوط عائدات إيران من إنتاجه ما يحدّ من قدرتها على الوفاء بالتزاماتها عموماً وتجاه حلفائها الإقليميين (سوريا ومنظمات المقاومة) خصوصاً، توريطها في اضطرابات حدودية مع أذربيجان وأفغانستان وربما مع تركيا أيضاً بغية استنزافها، وفي حال عدم امتثالها إلى قرار مجلس الأمن بوقف تخصيب اليورانيوم، القيام بقصفها لمدة 36 ساعة متواصلة بالطائرات والصواريخ بغية تدمير قاعدتها الصناعية وما يتيسّر من منشآتها النووية ما يؤدي إلى إعادتها إلى الوراء، حسب خطة نائب الرئيس ديك تشيني، عقداً أو عقدين.

في مواجهة سوريا والمقاومة اللبنانية (حزب الله) تعتزم إدارة بوش الضغط على دمشق وإغراءها في آن معاً للتعاون مع الحكومة العراقية المختلطة التي تكون قد أقامتها، على ان تُعطى في مقابل ذلك دوراً في العراق على غرار الدور الذي أُسند إليها في لبنان، مع وعد بفتح باب المفاوضات بينها وبين إسرائيل بخصوص الجولان المحتل.

هل تنجح استراتيجيا أميركا السالفة الذكر، وما عساها تفعل إيران في مواجهتها؟
ليس ثمة ما يشير إلى ان مخطط أميركا سينجح في العراق، خصوصاً إذا طال أمد تنفيذه. فالقوى السياسية والميليشيات المذهبية الموالية لإيران تبدو وكأن لها اليد العليا في كل ما يجري في بلاد الرافدين، وانها قد قطعت شوطاً كبيراً في تنفيذ مخططها الرامي إلى السيطرة على العراق كدولة فدرالية أو مركزية ضعيفة تكون الغلبة فيها للقوى الشيعية الموالية لها، فيدور العراق في فلكها كما كان لبنان في عهد الوصاية السورية.

غير ان انتصار إيران المرجح يصبح موضع تهديدٍ جدّي إذا ما سرّعت إدارة بوش مخطط إيجاد فئة حاكمة موالية لها بحدود استقلاليتها النسبية عن إيران من جهة، وإذا ما عجّلت بشن ضربتها الاستباقية العدوانية على إيران من جهة أخرى. مع ذلك تبقى مخططات أميركا مشكوكاً في نجاحها لأن إيران قد تنفّذ تهديدها بتدمير صناعة النفط في المنطقة الموالية لأميركا الكائنة بين شواطىء البحر الأحمر وشواطىء بحر قزوين، الأمر الذي يرفع أسعار النفط إلى ما يزيد على 150 دولاراً للبرميل الواحد.

يتحصل من هذه الدراسة الاستقرائية لمستقبل الصراع الأميركي الإيراني في المنطقة ان انزلاق السعودية إلى المشاركة في مخططات الولايات المتحدة ضد إيران وحلفائها الإقليميين قد يكلفها، إلى صناعتها النفطية، نفوذها الإقليمي. وقد يتسبب على المدى المتوسط بتفكيكها. كذلك سوريا قد تعرّض نفسها لخطر انفجار داخلي إذا ما فكّت تحالفها مع إيران جرياً وراء سرابِ دورٍ محدود الفعالية في العراق، فضلاً عن كونه غير مجزٍ تجاه إسرائيل التي لن تفتح معها أية مفاوضات قبل تدمير قدراتها الصاروخية، إنتاجاً وإمكانية استعمال، وفكّ ارتباطها نهائياً بالقضية الفلسطينية وتعطيل ورقة استعمالها نهائياً. غير ان بقاء السعودية ومصر وسوريا في منأى عن مخططات أميركا وحروبها الإقليمية لا يغنيها عن خيار بل قرار الاستغناء عن أمنها المستعار بإقامة منظمة أمن عربية ترتكز على كيان اقتصادي قومي يمدها بأسباب القوة والمنعة والنماء. إذا لم تتخذ هذه الدول الثلاث ومعها الأردن ولبنان لاحقاً، قراراً استراتيجياً بهذا المضمون فإنها تكون قد عرّضت نفسها، إزاء إسرائيل المتجذرة والمتوسعة والمتحولة قوةً نوويةً إقليميةً، لأن تصبح منطقة عازلة buffer state بين إيران وإسرائيل. وفي هذه الحال، تكون قد وضعت نفسها برسم التفكيك والتبديد.

إلى متى ينام العرب على ناصية التاريخ؟

"الأخبار"

التعليقات