29/12/2006 - 09:27

كل تسوية وحروبها../ حسن البطل

كل تسوية وحروبها../ حسن البطل
بماذا تذكركم أسماء سياسية غابرة، مثل: سيسكو، روجرز ويارنغ؟ وبماذا تذكركم مشاريع عالمية للقفز عن الحروب إلى واقع السلام، عبر التعاون الإقليمي، مثل: مشروع جونستون لتنظيم اقتسام نهر الأردن وروافده.

سأذكركم أن الأسماء السياسية الثلاثة أعلاه، الأميركيان سيسكو وروجرز، ووسيط الأمم المتحدة يارنغ، جاؤوا إلى المنطقة، بعد حرب حزيران 1967 لإرساء تسويات تمهد للسلام، ولكن أفكارهم ومقترحاتهم تسببت في بدء مرحلة الحروب العربية - الفلسطينية، وإخراج الثورة الفلسطينية من ساحتها الأردنية. رفضت فصائل الثورة تفسيرات هؤلاء الوسطاء للقرار الدولي 242 ودفعت الثمن.

.. ثم دفع الفلسطينيون ثمناً أبهظ في لبنان، لأنهم عارضوا المقدمات الأولى للتسويات السياسية بعد حرب أكتوبر 1973، التي بدأت بفصل القوات المتشابكة في سيناء، ثم إرساء منطقة فصل جغرافية.

لكن، بعد أول حرب حقيقية فلسطينية - اسرائيلية في لبنان العام 1982، بدأت مرحلة تدفيع الفلسطينيين ثمناً سياسياً، وهي عملية استغرقت عشر سنوات، وأفضت إلى منعطف أوسلو. قبل ذلك المنعطف، اضطرت اسرائيل إلى دفع أول ثمن سياسي للفلسطينيين، نتيجة فشلها في الانتفاضة الأولى.

ست سنوات أخرى من اندلاع الانتفاضة الثانية، تشكل تمهيداً قاسياً آخر لتسوية أبعد مدى، وسنتذكر أن الأميركيين ميشيل وتانيت مهّدا لأول تسوية تاريخية للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، أو أول مشروع دولي عرف بخارطة الطريق.
هل ستقودنا الخطوات التنفيذية الأولى لخطة الخارطة إلى أن نخلع ندب الاقتتال الفلسطيني ونرتدي دروع الحرب الأهلية؟.. وبذلك يدفع الفلسطينيون، مرة أخرى، ثمن الحروب ثم ثمن التسويات اللاحقة للحروب؟.. وهذه المرة حربهم وحدهم، وتسويات سلامهم وحدهم مع اسرائيل، بعدما دفعوا، شأنهم شأن إخوانهم اللبنانيين، أثمان حروب الآخرين وتسوياتهم.. ثم عليهم أن يدفعوا، شأنهم شأن إخوانهم اللبنانيين، أثمان حروبهم وتسوياتهم الخاصة.

الفارق، أو المستجد، هو سلام لبنان وسلام فلسطين صارا مركزيين، بعدما كانت حروب اللبنانيين والفلسطينيين نتيجة البحث عن سلام مركزي اسرائيلي - عربي.

إلى ذلك الفارق، هناك عنصر شبه مستجد، وهو صعود الإسلام السياسي المقاتل في لبنان وفلسطين، وارتباطه بمشاريع أبعد مدى من حلقة الصراع العربي - الإسرائيلي، إلى حلقة الصراع الإقليمي والعالمي الإسلامي. وكما اختلفت الفصائل الفلسطينية واللبنانية في استنادها إلى مواقع ونظم عربية، كذا تختلف في استنادها إلى مواقع ودول إقليمية وحركات إسلامية عالمية.

في هذه الأثناء، أي منذ مشاريع التسوية بعد حرب حزيران 1967 إلى مشاريع السلام بعد حروب التحرير والانتفاضة في لبنان وفلسطين، صارت دولة لبنان الاستقلالية حقيقة إقليمية ودولية ولبنانية مسلّماً بها، وكذا صار مشروع دولة فلسطين أمراً مسلّماً به إقليمياً ودولياً. هذا أول نهاية المشروعين الكبيرين الإقليميين لسورية وإسرائيل، اللتين اضطرتا للتراجع عن طموحهما الإقليمي في لبنان وفلسطين.. ولتبدأ قوة إقليمية إسلامية طموحاتها، وللتأثير، دون أدنى مصادقة، في شروط السلامين الأهليين: الفلسطيني واللبناني، كما فعلت النظم الإقليمية القومية سابقاً، التي تنازعت في استقطاب القوى الداخلية في هذين البلدين العربيين الصغيرين، المحاربين والديمقراطيين.

هل سيكون العام المقبل عام السلام الأهلي اللبناني، أم عام السلام الفلسطيني - الإسرائيلي.. أم عام السلام السوري - الإسرائيلي؟
يبدو أن السلام الأهلي اللبناني صار رهناً بلبننة "حزب الله" الإسلامي، والسلام الفلسطيني - الإسرائيلي صار رهناً بفلسطنة حركة المقاومة الإسلامية "حماس". ومع أن قوة حزب الله تفوق قوة "حماس" وقوة الفلسطينيين عسكرياً، غير أن هناك مبرراً تاماً لإجماع القوى والأطراف المعنية على مركزية السلام في فلسطين.

كان العام المنصرم الفلسطيني عاماً مزدوجاً حقاً. كان عام الديمقراطية الفلسطينية وعام "حماس" معاً، وأما أن يصير العام المقبل عام الوفاق الأهلي (أو عام الحرب الأهلية) وعام السلام معاً، فإنه يتعلق بحل هذه الفوارق اللفظية بين الهدنة المطولة والسلام المرحلي، وبين السلام المرحلي والسلام النهائي.. هذا إذا كانت درجات السلّم منطقية ومتينة، أو تسلقت "حماس" بسرعة كبيرة درجات السلّم التي صعدتها م.ت.ف ببطء منذ حروب مشاريع سيسكو وروجرز، إلى حروب مشاريع كيسنجر، إلى مشاريع أوسلو وخارطة الطريق.

برنامج "حماس" السياسي المرحلي هو ذاته برنامج م.ت.ف السياسي.. لولا موقع الهدنة من السلام، وموقع السلام من الاعتراف المتبادل.


"الأيام"

التعليقات