05/02/2007 - 10:15

أميركا خطر زائل وإيران خطر مُقيم!../ هشام البستاني *

أميركا خطر زائل وإيران خطر مُقيم!../ هشام البستاني *
عند النظر الى إيران والدور الإيراني في المنطقة العربية، لا بدّ من الاعتراف أولاً بإشكالية وتعقيد هذه المسألة وتشابكاتها المختلفة: فمن جانب، إيران ليست جمهورية موز، ونظامها ليس نظام دمى أو نظاماً عميلاً للإمبريالية، وهي تملك مشروعاً إقليمياً وتعمل من أجله بكل جدية، وتملك أوراقاً مهمة جداً تستعملها بذكاء في سياق سعيها لتحقيق مشروعها، ومن هذه الأوراق: برنامجها النووي، علاقاتها الوثيقة مع النظام السوري، علاقاتها الوثيقة مع حزب الله في لبنان، علاقاتها الوثيقة مع حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين، علاقاتها التجارية والاقتصادية الوثيقة مع دول مؤثرة دولياً مثل روسيا وألمانيا، وعلاقاتها الوثيقة مع «تحالف الشمال» في أفغانستان، إضافة الى النفط، وأخيراً (وهذه أهم ورقة) دورها في العراق، وعلاقاتها وتأثيرها القويان في الأحزاب والميليشيات والقوى السياسية السائرة في ركاب الاحتلال الأميركي.

ومن جانب آخر، إيران ليست مشروعاً مناهضاً للإمبريالية، أي إنها ليست «فنزويلا» الشرق الأوسط (مع تحفظنا طبعاً على مصطلح «الشرق الأوسط»)، ولا تحمل برنامجاً تحررياً لشعوب المنطقة يقوم على القضاء على الهيمنة والاستغلال، وبسط سيادة الشعوب على أرضها ومواردها، بل مشروعاً ذا طابع قومي طائفي توسّعي براغماتي، لا يجد غضاضة مثلاً في الاستعانة بعدوه الإيديولوجي الأول (الولايات المتحدة) في حرب «احتواء مزدوج» مع العراق (ضحية إيران ــ كونترا جيت)، أو بمساعدته استخبارياً ولوجستياً في العدوان على أفغانستان، وهي تؤدي دوراً بالغ السوء في العراق من خلال تمكين الحكومة ودعمها وتسليم العملية السياسية برمتها للأميركيين، ودعم الأحزاب والميليشيات الطائفية التي كانت مقارها الأساسية في إيران قبل احتلال العراق (مثل المجلس الأعلى للثورة الإسلامية وميليشيا جيش بدر التابعة لها وحزب الدعوة والميليشيا التابعة لها، وغيرها) وتتلقى أسلحتها وعتادها وتدريبها ومعلوماتها الاستخبارية من إيران، وبالتالي هي تدعم بشكل واضح الحرب الطائفية في العراق. ومن جانب ثالث، تبدي إيران في سياق سعيها لتحقيق مشروعها، تصرفات متناقضة إذا ما نظرنا إليها بعين عربية، لكنها متسقة إذا نظرنا إليها في سياقها الإيراني: ففيما تدعم إيران حزب الله الذي خاض معارك شرسة ضد الكيان الصهيوني ومن خلفه الولايات المتحدة وانتصر عليهما مرتين (2000 و2006)، وينادي رئيسها أحمدي نجاد بتدمير «اسرائيل» وإزالتها من الوجود، تساعد إيران الولايات المتحدة في غزو أفغانستان وفي تدمير العراق وتفتيته وتحويله الى ساحة حرب وإبادة طائفية.
مع وجود كل هذه التشابكات والتعقيدات، كيف يكون الموقف العربي من إيران؟

لا بد من الإقرار أولاً بأن هناك غياباً كاملاً لمشروع عربي في المنطقة العربية سواء على المستوى الرسمي (الأنظمة) أو على مستوى التنظيمات الشعبية المختلفة (أحزاب، نقابات، وغيرها). فالأنظمة العربية غير قادرة على التأثير بأي شكل من الأشكال في مجريات الأمور ديبلوماسياً ولا عسكرياً، وهو ما ينطبق على الإطار «التنسيقي» للنظام الرسمي العربي، أي «جامعة الدول العربية».

في منطقتنا العربية هناك ثلاث قوى رئيسية (الولايات المتحدة/إسرائيل، إيران، وتركيا بمسافة أبعد)، ومشروعان (أميركي/صهيوني، وإيراني)، وليس للعرب شيء سوى اسم الجغرافيا التي تتصارع عليها هذه القوى/المشاريع.

في لعبة التاريخ، يستطيع من يملك المشروع ان يوظف الحدث، وليس العكس. ولا يملك صانع الحدث (في ظل غياب مشروعه) ان يوظف حتى الحدث الذي يصنعه (في المدى القريب). ماذا يعني هذا؟ يعني أنه في ظل انعدام لمشروع عربي، فليس هناك مجال غير ان توظف القوى المتصارعة على الجغرافيا العربية (إيران والولايات المتحدة) الأحداث لمصلحة مشاريعهما. هل هذا يعني ان على العرب اختيار الاصطفاف في المعسكر الإيراني أو في المعسكر الأميركي؟

قطعاً لا، ليس هذا هو المحدِّد هنا للخروج من الأزمة. المحدِّد الرئيس هو (كما كان دوماً) تحديد التناقض الرئيسي والتناقض الفرعي، والتناقض الرئيسي هو الأكبر دائماً مع الإمبريالية التي تعمل على مستوى عالمي: إنها ليست سوى الولايات المتحدة وحليفتها الأولى «إسرائيل».

إن العدو الأول للمشروع التحرري العربي حالياً هو الإمبريالية الاميركية والصهيونية، وينبغي ان لا تتوه البوصلة عن هذا العدو، وأية تناقضات أخرى مع مشاريع أخرى تأتي في مرتبة أدنى منها، ومن هنا فإن القول بأن «ايران أشد خطراً من الولايات المتحدة» أو أن «ايران أشد خطراً من اسرائيل» أو أن «الولايات المتحدة هي عدو زائل بينما ايران هي عدو مقيم»، هذه الأقاويل كلها تشخيصات تجانب الصحة بمسافة كبيرة، بل إنها تخدم الإمبريالية الأميركية من حيث:

1 ــ تغليب المعركة مع ايران وتوظيفاتها الطائفية والتفتيتية على المعركة مع الولايات المتحدة والكيان الصهيوني وتوظيفاتها الوحدوية والتحررية والطبقية.
2 ــ إمكانية تحويل الولايات المتحدة أو «اسرائيل» الى «حلفاء مرحليين» أو قوى «يمكن التفاهم معها» في مواجهة «الخطر الايراني».
3 ــ تفكيك المقاومات العربية في العراق وفلسطين ولبنان بعضها عن بعض، ووضع بعضها في مواجهة بعض بدلاً من ان تكون في خندق واحد.
4 ــ توجيه العداء الشعبي العربي بعيداً قليلاً من الولايات المتحدة و«اسرائيل» في اتجاه أهداف أقل أولوية بالنسبة إلى المشروع التحرري العربي.

هل هذا الكلام يعني ان نتحالف مع ايران في مواجهة الولايات المتحدة؟
ينبغي التمييز هنا بين مستويين: المستوى الشعبي وضرورة تأليف جبهة من جميع شعوب المنطقة (عرب ــ أكراد ــ أتراك ــ إيرانيين) في مواجهة الامبريالية الاميركية والصهيونية التي تتضرر منها جميع تلك الشعوب، لكن ذلك لا ينطبق على صعيد الأنظمة، فالقوتان الأخيرتان في المنطقة العربية (ايران وتركيا) ليستا مناهضتين للامبريالية، بل تملكان مشاريع هيمنة أخرى، وتعملان في سياق مصالحهما لا في سياق مصالح الشعوب، وبالتالي لا يمكن البحث عندهما عن تحالفات.

الأنظمة الوحيدة التي تأخذ الشكل المناهض للإمبريالية في عالمنا المعاصر توجد الآن في أميركا الجنوبية، وبالتحديد في كوبا وفنزويلا وبوليفيا ونيكاراغوا، وهذه تشكل رافعة حقيقية لبقية دول القارة للتحول الى اليسار الراديكالي بصيغته الشعبية المتعارضة كلياً مع مشاريع الهيمنة والسيطرة، ومن الضروري جداً البدء بخطوات حقيقية في اتجاه تشكيل تحالف شعبي عربي مع ذلك المحور.

ما هو موقفنا إذاً من قوى المقاومة العربية المتحالفة مع ايران، وحزب الله بالتحديد؟
بعد إعدام الرئيس الشهيد صدام حسين، والإخراج الطائفي الذي ميّز ذلك الإعدام، تصاعدت الأصوات في العراق وسائر الأقطار العربية، تشن هجوماً واضحاً ومباشراً على ايران، آخذة معها في هذا الهجوم حزب الله أيضاً، ونسي الكثيرون المعركة التي خاضها هذا الحزب قبل أشهر قليلة ضد «اسرائيل» والولايات المتحدة، وأخذوا يحاكونه فقط من خلال «السياق الايراني» والطائفي. ولا بدّ من ملاحظة ان هذا الخط تدعمه الأنظمة بشكل واضح، ففي الأردن مثلاً حيث تحدثت السلطة مبكراً عن «هلال شيعي» ووصفت أسر الجنديين الصهيونيين قبل العدوان على لبنان بـ«المغامرة»، كانت الشعارات ذات التوجه الطائفي والمهاجمة لحزب الله واضحة في المسيرة التي خرجت في عمان احتجاجاً على إعدام الرئيس الشهيد صدام حسين، والمؤلفة من الأحزاب المحسوبة على الحكومة والنظام!

من غير الممكن أو المعقول أن نتحدث عن دعم «مقاومة على مزاجنا» وبالمحددات الدقيقة التي نريدها ان تكونها فقط، ومن دون ذلك فإننا لا ندعمها ولا نعترف بها!! إن هذا الكلام الذي نقوله الآن عن حزب الله الحليف لإيران، هو نفسه الذي قلناه ونقوله للأوروبيين المترددين في إعلان دعم المقاومة العراقية لأنها «بعثية» أو «إسلامية». لا يمكن اختراع مقاومة في رأسك وتقول لن أدعم سوى تلك المقاومة (الموجودة فقط في رأسك)!!! ومن غير المعقول القول بأنه إن لم تكن المقاومة تتطابق مع المعايير القياسية التي أضعها لها فإنني أمتنع عن دعمها وآخذ موقفاً حيادياً في معركتها ضد الإمبريالية والصهيونية!! إن مثل هذا الموقف هو موقف غير موضوعي وغير مادي. في المعارك المصيرية، لا يمكن الوقوف على الحياد، بل إن «الحياد في زمن الصراع تواطؤ»، كما يقول الروائي السوري حيدر حيدر.

المقاومات الموجودة على الأرض الآن هي نتاج حراك اجتماعي وتاريخي وسياسي وتمتلك مشروعية وجودها، ولولا ذلك لما وجدت أصلاً! ولذلك، الموقف الموضوعي هو دعم المقاومة، كائنةً من تكون، ما دام عدوها محدداً من دون لبس: الإمبريالية والصهيونية. أما إذا تغير هذا العدو أو استعدت للتفاهم معه فعندها تتوقف عن كونها مقاومة أصلاً. وعليه فإن دعم حزب الله في مواجهة الولايات المتحدة والكيان الصهيوني هو أمر ضروري وأساسي، بغض النظر عن تحالفه مع إيران أو توظيف ايران لمعارك حزب الله مع اسرائيل. العدو الأساسي للمشروع التحرري العربي هو الإمبريالية الاميركية والصهيونية، وما دامت بنادق حزب الله تطلق النار في ذلك الاتجاه، وما دام الحزب يطرح موقفاً علمانياً لا طائفياً فالواجب هو الدعم لا التخوين. تبقى ملاحظة نوجّهها الى حزب الله: لا بد من حسم الموقف بشكل قاطع ونهائي من المسألة العراقية، وتحديداً المقاومة العراقية، والقوى العميلة للاحتلال الأميركي في العراق. وإن كان الحزب قد أبدى توجّهاً إيجابياً في هذا الاتجاه من خلال المؤتمر الدولي لدعم المقاومة (تشرين الثاني 2006) الذي تضمّن بيانه الختامي دعماً للمقاومة العراقية لأدوات الاحتلال وإفرازاته، إلا أن ذلك لم يتجسد في خطاب الحزب اليومي والإعلامي من خلال قناة المنار.

إن الإمبريالية اليوم في أزمة شديدة، ونحن إن فقدنا هذه الفرصة التاريخية الفريدة عبر توجيه الأنظار بعيداً عن العدو الرئيسي، وساهمنا في استتباب مشروعه التفتيتي/الطائفي عبر تبنّي هذا المشروع وآليات عمله صراحة أو ضمناً أو حتى السكوت عنها، وتحولت المقاومات من الصراع الموحد ضد العدو الواحد الى صراع واحدها ضد الآخر، فعندها سنخرج الإمبريالية من أزمتها، ونقذف بأنفسنا الى «ألف خلف»، وسنضطر الى انتظار فرصة مماثلة مئة سنة أخرى أو تزيد.


"الأخبار"

التعليقات