28/06/2007 - 18:07

معارك التجمع الوطني الديمقراطي والمازوخية المفرطة../ سعيد نفاع

معارك التجمع الوطني الديمقراطي والمازوخية المفرطة../ سعيد نفاع
بداية:
التجمع الوطني الديمقراطي وعند انطلاقته، رفع شعاره الأول: "مرحلة جديدة رؤية جديدة" تعبيرا عن مرحلة ما بعد اتفاقات أوسلو، وعندما تجذر صار شعاره الدائم: "هوية قومية مواطنة كاملة". شعاران حملا ويحملان في طياتهما عمقا ميزّ وما زال هذا الحزب.

نحن اليوم بحاجة لإعادة تبني شعارنا الأول إضافة للثاني، لكن هذا بحد ذاته موضوع لمعالجة معمقة منفردة. هذا الحزب ولنقولها بكل تواضع، وبعد أن لملم الحركة الوطنية المستنيرة بالفكر القومي، طور وحدد معالم هذا الفكر القومي وما زال، وفي ذلك فضل كبير لقائده. الطرح الوطني القومي بيننا لم يمت مع النكبة وظل الكثيرون يحملون جذوته دافعين ثمن ذلك حصارا لسنوات طويلة بعدها، من الحركة الصهيونية ووليدتها ومن ذوي القربى إلى أن جاءت ظروف اشتعلت فيها الجذوة نارا على الأعداء ونورا على الأصدقاء. فهل نطفئ النار بأيدينا؟!

محطات:
انطلق الحزب بقوة وعزيمة وإصرار وتحدّ، وأشهد على ذلك إذ كنت من الذين فاوضوا الحزب من المتراس المقابل عند التحالف سنة 1996، وليس هذا فقط وإنما من الذين ساهموا في الحسم للتحالف معه. شاع خطاب الحزب التجديدي وكثر الذين يتربصون به شرا لما رأوا أن رؤية جديدة فعلا تخطّر مواقعهم، ناهيك عن السلطة. فما أن جاءت سنة 1999 (الانتخابات البرلمانية) وإلا صار هدف الكثير من القوى القضاء، بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، على هذا الحزب المنطلق لتهب القوى الوطنية مرة أخرى لدعمه وفي أحلك الظروف قناعة منها أن هذا الحزب يجب أن يعيش، فأضافت سياجا نوعيا هاما حول الحزب، وانطلق في معركته تحت اسم "التجمع الوحدوي الديمقراطي" محققا النصر رغم الشعار المضاد "لن أحرق صوتي!". ثم جاءت انتخابات الـ-2003 ليثبت نفسه تيارا مركزيا على الساحة وقبل أن يمر عقد من عمره، والبقية معروفة لمن لم ينس أو يتناسى، وللجيل الجديد.

ما بعد كل معركة:
رغم هذه الانطلاقة التي يفتخر بها كل محب وتقض مضاجع كل حاقد حاسد كاره وعدو، تجدنا بعد كل معركة نندب وننوح ونفتح "بيوت العزاء" لأشهر نضيّعها على أطلال غير قائمة أصلا بمازوخية مفرطة غير مبررة ولا مفهومة، بدل أن نندفع مستثمرين الإنجاز، وكأن عيوننا لا تعرف أن ترى إلا نصف الكأس الفارغ بعد كل معركة انتخابات وبعد كل مؤتمر، فتصير بعض الكبوات في نظر البعض كوارث وبعض النبوات في نظر آخرين نوائب، ليس لسبب اللهم أن الأمور لم تجئ على قدر خاطرهم.

المؤتمر الخامس/ الأخير:
بدأت الاستعدادات لعقده منذ تشرين الأول 2006، وقد توخّى الحزب كون المؤتمر يجيء بعد العقد من عمر الحزب، أن يكون هذا المؤتمر استثنائيا في كل أوجهه، جاءت قضية قائد الحزب رفيق الدرب في خضم الاستعدادات لعقده لتضفي عليه استثنائية إضافية تحتم على الحزب كوادر وقيادات أن تصنع منه حدثا يكوّن نقطة انطلاق لمواجهة المرحلة الجديدة الحساسة لا بل المصيرية.

نحن نعرف، وإن كنا لا نعرف يجب أن نعرف، أن بعض خصومنا قد لخصوا موقفهم أن الحزب بعد عزمي إلى زوال وما عليهم إلا الانتظار ليحصرّوا حصتهم من الإرث، فرفضوا أي تعاون معنا في أي معركة واجهناها: الهستدروت والانتخابات الطلابية الجامعية حتى لا يعطونا، لا سمح الله من وجهة نظرهم، أي حبل نجاة تأكيدا على تلخيصهم سابق الذكر.

جاءت نتائج المعارك الانتخابية بنتائجها وثمراتها، وجاء المؤتمر ومهرجان افتتاحه ومداولاته، وبشهادة لا لبس حولها أن التجمع ليس فقط حزبا حيّا متأصلا إنما حزبا ابن حياة، لا خطر عليه إلا من "الطحمسة" الزائدة من أهله.

الغريب العجيب، وحتى لا نكون كجاموسة السقاية في أرياف مصر، أن البعض رأى في المؤتمر جلسة أولية للانتخابات البرلمانية، لكن هذا الغريب العجيب ربما لا يكون كذلك إذا نظرنا إليه من باب الصبوّ الشرعي إذا لم ترافقه وسائل غير شرعيّة، أو ينسب إلى الآخرين استعمال وسائل غير شرعية مبني على الاجتهادات الشخصية وحسب معيار الرضى عن النتائج أو عدمه، يعني إذا جاءت النتائج في صالحي فما كان: عيد للديمقراطية في أعلى مراحل تجلياتها أما إذا لم ترضني النتائج فيصير المؤتمرون مجموعة من المتخلفين أو المتآمرين.



ما هو الطبيعي وما هو غير الطبيعي في أية معركة، ومؤتمرات الأحزاب واحدة منها؟
الطبيعي أن يصبو المندوبون إلى تبوء عضوية الهيئات المركزية في الحزب، وإذا جاء عدد المرشحين كبيرا 73 على 35 مقعدا في مثل حالنا، فإذا كان الأمر من منطلق التعبير عن استعداد للنية في العمل فهذا ليس فقط خيرا إنما ألف خير في زمن العزوف عن العمل السياسي، والمفروغ منه في مثل هذه الحالات أن لا يحالف الحظ البعض وليس بالضرورة أن ينتخب دائما الأفضل من وجهة نظر كل واحد، ففي النهاية الأفضل في نظري ليس بالضرورة هو الأفضل في نظرك، وهنا لا ضير في قليل من التواضع وعدم تعريب الناس خصوصا إذا كان كل هؤلاء الناس رفاق درب كفاحي صعب. وعدد الأصوات التي نالها كل واحد ليس بالضرورة وفي كل الأحيان تعبيرا عن مكانة المنتخب.

الطبيعي أن يعطي فلان صوته لفلان ويمنعه عن علان في لعبة مقايضة الأصوات في حلقة تنافس عدد كبير من المندوبين على مقاعد محدودة، هذه هي إحدى أوجه بل قل سلبيات الديمقراطية. من غير الطبيعي أن يصير الأمر "إذا تضررت أنا من ذلك وفقط إذا تضررت" تآمرا خصوصا، إذا كنت ممن لا يستطيع أن لا يرجم مريم بحجر!
الطبيعي أن أبدي رأيا مخالفا لرأيك وأكون مخطئا في نظرك، ولنتذكر في نهاية الأمر لست أنت ولا أنا ولا رأيك ولا رأيي محور الدنيا، ألم يقل فولتير: "وإن كرهت رأيك حتى الموت لكني سأدافع عن حقك في التعبير عنه حتى الموت". ولكن من غير الطبيعي أن أصير عندها متخلفا أو متآمرا أو إذا كنت شابا صغيرا "شو بفهمني"!

لنذكر:
هذا المؤتمر، وقليلة هي المؤتمرات مثله، استغرق يوما ونصف في نقاش قضايا في الفكر والسياسة على أعلى مستوى، طرحت فيه أفكار واجتهادات في هذين المجالين يفتخر فيهما كل حزب. هذا المؤتمر حسم في أمر على أعلى درجات الأهمية في مجتمع كمجتمعنا، "تحصين المرأة" في قائمته البرلمانية، ليس قبل أن يخوض نقاشا طويلا مستفيضا أبلى فيه القابلون والرافضون بلاء حسنا على أعلى مستوى، اللهم إلا في نظر القابل والرافض لغاية ولحسابات قزميّة لا لمبدأ وتطلعات. وحتى في هذا يصير حتى بعض الداعمين مشكوكاً فيهم، هذا إن لم يروج ضدهم أصلا أنهم ضد التحصين رغم موقفهم المعلن!

هذا المؤتمر أو مندوبوه بغالبيتهم العظمى لا يحسدون على الخيار الصعب الذي كان أمامهم في اختيار 35 من أصل 73 كلهم جديرون. فاختاروا لجنة مركزية يفتخر بها كل حزب لهذه المهمة أو الساحة من أوجه النضال، فهل لا توجد مهمات أو ساحات أخرى للنضال لا تقل أهمية عن ساحة اللجنة المركزية؟ خان الحظ إذا صح التعبير البعض ممن هم جديرون بعضوية اللجنة المركزية، وفي نفس الوقت حالف الحظ آخرين ليسوا أقل جدارة، أفيصير المنتخبون وليدي مؤامرة فقط لأني فشلت؟.

الأولى وإذا كان لا بد من السؤال والمساءلة أن أسأل: لماذا لم يحالفني الحظ وربما الخطأ فيّ؟ لا أن أبدأ بتوزيع الاتهامات مرة "المندوبون لا يفهمون" ومرة لقد تم "التآمر" عليّ. والمتآمرون هم فلان وعلان هكذا "خبط لزق" دون أدنى بيّنة ولمجرد أني في نظر نفسي المهدي المنتظر؟

الواجب الوطني هو صاحب عملنا كلنا:
لا يعمل أحد منّا عند أحد لا في مزرعته ولا في مصنع "أبوه"، كلنا نعمل عند صاحب عمل واحد هو واجبنا الوطني، فلا يحمّلنّ أحد آخر معروفا أو جميلا!
تدور في المسامع أحاديث ليست مؤكدة عن استقالات من اللجنة المركزية، فالذي يستقيل لأن الحسم لم يعجبه، هل كان سيفعلها لو أن النتائج جاءت على غير ذلك؟ وثانيا يستقيل من عند من؟
هذه أخطر ظاهرة يمكن أن يواجهها أي حزب أو جسم ، ويجب التصدي لها بكل حزم. فمن يسمح لنفسه تحت أية ذرائع أن يترك موقعا ليس له ولم يورثه عن أبيه إنما انتدبه إليه الحزب بعد أن طلب هو ذلك من حزبه وعمل كي يصله بكل الوسائل وبطبيعة الحال على حساب خاسر آخر لا يقل عنه جدارة، من يسمح لنفسه أن يصنع ذلك وفي عز المعركة وفقط لأنه متألم من النتائج أو متضامن مع آخر، معللا ذلك بمؤامرة مبنية على اجتهاد واتهامات، يجب أن يراجع نفسه حالا ولا ينتظرنّ من أحد أن يكدّ عليه "الجاهات"، إلا إذا كان فعلا يعتبر نفسه عاملا في مزرعة أو مصنع أحد وفي هذا يعاقب ذلك الأحد وخوفا من العقاب ستفني "الجاهات " أعتاب دارته.

الحزب فوق الكل:
لا أحد أكبر من الحزب الذي أثبت في مؤتمره أنه قادر على الصعاب، قادر أن يضع النقاط على الحروف، قادر أن يتخذ الخطوات والقرارات الرياديّة، قادر أن يتخذ الخطوات المؤلمة أحيانا، فلا ينصبنّ أحد نفسه وصيّا ولا مهديّا.
حري بنا أن نحتفل بكل الوجوه التي شاركتنا افتتاح المؤتمر، حري بنا أن نحتفل بنتائج المؤتمر، حري بنا أن نعلي انجازاته، حري بنا أن ننطلق إلى توسيع صفوف الحزب، حري بنا أن ننطلق لصون "فصل مقاله" فهذه هي المعركة التي تدق أبوابنا، حري بنا أن نفرح ونبارك للشاب الطالب عضو اللجنة المركزية المنتخب ممدوح إغبارية رئاسته الاتحاد القطري للطلاب الجامعيين العرب، وأن نذكر الشاب أحمد عودة رئيس الاتحاد العام للطلاب الثانويين العرب، حري بنا أن لا نتلهى بأن فلان تآمر وعلان زعل، حري بنا أن نحتفل بالمناضلين المخضرمين الذين دفعتهم حميتهم الوطنية العودة إلى الساحات للتصدي للهجمة على العرب وعلى الحزب وعلى قائده، حري بنا أن نفرح بالمولود لا أن نندب وننوح وحري بنا... وحري بنا... وحري بنا "بقا" أن ننفض عنّا لبوس المازوخية المفرطة هذا.
وأخيرا... حري بنا أن ننطلق لنعبد طريق عودة قائد الحزب..

التعليقات