26/08/2007 - 10:13

في تحليل إستطلاع الرأي لمركز القدس للإعلام والاتصال../ يونس العموري

في تحليل إستطلاع الرأي لمركز القدس للإعلام والاتصال../ يونس العموري
من الواضح أن المجتمع الفلسطيني يعيش مرحلة ربما تكون الأدق والأخطر في مساره الوطني وتاريخه التحرري، حيث ضياعه ما بين الأطروحات السياسية الاستسلامية المصبوغة بالإطار السلمي، أو هكذا تسمى، وتلك الفكرية العبثية العدمية غير واضحة الأفق والمتناقضة والمتناحرة... وقد بات تائهاً لا يدرك حقيقة ظرفيته وماهية المطلوب منه حتى وطنيا، في ظل انهيار المشروع الوطني التحرري بأكمله أو على الأقل الاختلاف عليه وعلى أركانه ومفاهيمه وأساسيات صياغته...

وبرغم ذلك ما زال أيضا مدركا لحجم المؤامرة التي تعصف بوجوده ككل على أساس أنه يستشعر حقيقة أهدافه الوطنية ومتطلباته الشعبية. وبحسه الوطني القومي وانتمائه لقضيته الوطنية، فلا شك أنه يدرك بذات الوقت أساسيات الفعل في ظل عوامل الإحباط التي باتت تسيطر على المشهد الشعبي والمزاج العام للشعب الفلسطيني في ظل الأطروحات السياسية الهادفة للحل والحلول الخلاقة تارة، والحل العربي والدولي الإقليمي تارات أخرى... ولا نجافي الحقيقة إذا ما قلنا إن هذا الشعور قد أصبح السمة الأساسية لكافة الشرائح المجتمعية الفلسطينية بمختلف أماكن تواجدها... وهذا على الأقل ما عكسته نتائج استطلاع الرأي الذي أعده مركز القدس للإعلام والاتصال ( JMCC ) ......

وقبل البدء بمناقشة دلالات هذا الاستطلاع، أعتقد أنه لا بد من تسجيل ملاحظة هنا لها الكثير من الأهمية، والتي تتمثل بأن استطلاعات الرأي التي عادة ما تجريها مراكز البحوث في المجتمع الفلسطيني قد فقدت الكثير من مصداقيتها، لما لها من أهداف سياسية أو محاولة تسييسية، وهذا على الأقل ما عكسته نتائج استطلاعات الرأي إبان مرحلة الانتخابات التشريعية الأخيرة، مما افقد الكثير من مراكز البحوث، هذه والقائمة على استطلاعات الر أي، الكثير من المصداقية وبالتالي فإن نتائج استطلاعات الرأي ربما تكون قد تم توجيهها بشكل أو بآخر خدمة لأهداف سياسية بالمقام الأول لهذا الطرف أو ذاك أو لهذا التوجه أو ذاك... وبرغم ذلك فلا نستطيع إهمال ما يتم نشره من استطلاعات للرأي للمجتمع المحلي، الأمر الذي لابد من التعامل معه ولكن بحذر، ولا يعكس بالضرورة الرأي العام للشعب الفلسطيني ومزاجه السياسي والاجتماعي وهو ما يجب الانتباه له....

ومن خلال المطالعة السريعة والعلمية لنتائج هذا الاستطلاع (الذي نفذ في مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة).. فإننا نلحظ تشبثا فلسطينيا شعبيا بالموقف الوطني التاريخي الذي لا يقبل التأويل أو التغيير والمتمثل بحق عودة اللاجئين إلى ديارهم وقراهم التي هجروا منها حيث أيدت (أكثرية (68.5%) حل مشكلة اللاجئين على أساس عودتهم إلى ديارهم، مقابل فقط (12.8%) أيدوا الحل القائم على عودتهم للدولة الفلسطينية، وفقط (6.7%) يؤيدون الحل عن طريق التعويض، و (11.8%) يؤيدون حلا يتضمن كل من العودة لديارهم وللدولة الفلسطينية والتعويض).

وهذا الموقف يعكس بالأساس الموقف الوطني العام والمزاج الشعبي الأعم تجاه هذه القضية المركزية، والتي تشكل جوهر الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بل جوهر الصراع العربي الإسرائيلي لما لها من تشابكات على المستوى الإقليمي تمس بجوهر الخارطة الجيوسياسة الإقليمية، حيث أن مشاريع التوطين والتي تجتهد الإدارة الأمريكية والإسرائيلية بتنفيذها إنما تمس أساسا بالأمن القومي للمنطقة ولتغيير معالم ديمغرافية شعوب هذه المنطقة، وتحديدا في دول مثل لبنان وسوريا والأردن، الأمر الذي يحمل معه الكثير من الخبايا والخفايا فيما وراء أطروحة التوطين المطروحة....

وفي هذا السياق فلطالما قال الشعب الفلسطيني كلمته، وها هو يؤكدها من جديد وإن كان من تم استطلاع رأيهم لا يمثلون بالضرورة الرأي العام للشعب الفلسطيني على اعتبار أن هذا الاستطلاع، وحول هذه القضية بالذات، قد أغفل ما يقارب 60% من الشعب الفلسطيني المقيمين في دول الشتات والتهجير.... وهم المعنيون الأساسيون بقضية العودة وتقرير المصير على المستوى الشخصي والفردي، إذا لم نشأ ذكر عرب 48.... وبالتالي فبلا أدنى شك أنه وبرغم كل ما يعانيه الشعب من سياسات الحصار مرورا بسياسات التجويع والتركيع والقتل والذبح فما زال متماسكا فيما يخص جوهر صراعه مع الطرف الإسرائيلي، ومصمما على إنجاز حق العودة وعدم التنازل عن هذا الحق بغض النظر عما آل إليه مشروعة الوطني بالظرف الراهن..

وفيما يخص مسار المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية وقضايا الحل النهائي نلاحظ أن ثمة "غباش" بالرؤية لدى المجتمع الفلسطيني جراء عدم وضوح الموقف التفاوضي برمته، أو ما يمكننا أن نسميه ضياع الشعب وعدم امتلاكه لحقيقة الموقف التفاوضي وتقدير الموقف فيها. وهذا ما ينعكس بشكل أوضح من خلال الأرقام التي جاءت متناقضة لتعكس حجم التخبط والغباش بهذه المسألة، فقد أيد نصف المستطلعين فكرة اتفاق إعلان مبادئ، والنصف الآخر عارض ذلك. ومما يلفت الانتباه هو أن الأكثرية (61.4%) تعارض تبادل الأراضي مع إسرائيل في سياق المفاوضات مقابل (38%) يقبلون بذلك.

وبشكل أكثر وضوحاً، فإن أكثرية (81.9%) تعارض إبقاء سيطرة إسرائيل على مستوطنات مقابل مبادلتها بأراض "إسرائيلية"، في حين فقط (17.4%) يقبلون بذلك.... وهنا نقول أن نسبة 61.4% التي عارضت فكرة تبادل الأراضي مع إسرائيل في سياق المفاوضات وعادت وارتفعت هذه النسبة الرافضة لفكرة تبادل الأراضي حينما جاء السؤال على شكل سيطرة إسرائيل على مستوطنات الضفة الغربية حيث رفض ما نسبته 81.9% هكذا سيطرة حتى في ظل عملية التبادل المطروحة، وهو الأمر الذي يعني أن جمهور المستطلعين لا يعرفون بالضبط ما تعنيه فكرة تبادل الأراضي، وحينما اتضحت من خلال السيطرة الإسرائيلية على المستوطنات عادوا ورفضوا الفكرة وبالتالي جاءت الأرقام لتعكس برأيي ما يعانيه جمهور الشعب عموما فيما يخص قضايا المفاوضات، والتي غالبا ما تأتي على شكل أطروحات عمومية يصعب فهم وهضم تفاصيلها وهو ما يفسر "غباش" وضياع الرؤية وبالتالي الموقف الوطني الشعبي الحقيقي اتجاهها....

وما يستوقف أي باحث أو مراقب للشأن الفلسطيني هو ما تحدثت عنه الأرقام فيما يخص نسبة التأييد والالتفاف حول الحركة أو التنظيم أو الرئيس القادم لو أجريت الانتخابات خلال هذه الفترة، وهو الأمر الذي يعني أن الشعب الفلسطيني فقد ثقته بقادته وبحركاته وتنظيماته السياسية التي برأيه لم تعد تمثله أو تمثل وتعبر عن تطلعاته وطموحاته في ظل حالة الانقسام الحاد والتخبط في الأداء والتلاعب بالمصالح العليا للشعب التي باتت معرضة للخطر وسط معمعة الاقتتال الداخلي المنحدر لمستوى الحرب الأهلية بكل المقاييس والمعايير... وفي هذا السياق فقد جاءت الأرقام على النحو الأتي:

(عندما تم سؤال الجمهور حول الشخصية والحركة اللتين سينتخبونهما في حال أجريت انتخابات رئاسية وتشريعية، قال (20.6%) إنهم سوف ينتخبون الرئيس أبو مازن مقابل (18.8%) سينتخبون هنية، و (16.6%) سينتخبون مروان البرغوثي. أما على مستوى التنظيمات، فقد حظيت حركة حماس بما نسبته (21.6%) ، في حين سجلت مكانة فتح ارتفاعا (34.4%) خلال هذا الاستطلاع...)

وهنا لابد من ملاحظة أن هذه الأرقام أقل بكثير من النسبة التي يُفترض أن يحظى بها أي رئيس قادم للشعب الفلسطيني، وأقل بكثير مما يجب أن تحظى به أي حركة أو أي تنظيم من المُفترض أن يقود المسيرة الفلسطينية الوطنية التحررية مما يعني أن جمهور الشعب الفلسطيني قد فقد ثقته بأحزابه وتنظيماته وحركاته وهو الأمر الأخطر برأيي والذي يترك جماهير الشعب في مرحلة التحرر الوطني ضائعا تائها من جديد في أتون العدمية النضالية حينما تصبح السمة الغالبة للجماهير بعيدة عن الأطر المشكلة للحركة الوطنية، ودون الحراك السياسي الذي من شأنه استثمار الفعل النضالي وصمود الجماهير..

التعليقات