18/04/2008 - 17:59

ليسوا لاجئين وإنما مهجّرون بقرار وفعل صهيونيين../ عوني فرسخ

ليسوا لاجئين وإنما مهجّرون بقرار وفعل صهيونيين../ عوني فرسخ

أصدر الكونجرس الأمريكي مؤخراً قراراً باعتبار المستوطنين الصهاينة ذوي الأصول العربية لاجئين، مستهدفاً التأثير سلبياً بحقوق قرابة سبعة ملايين لاجىء عربي فلسطيني بالعودة لديارهم واسترداد أملاكهم المغتصبة، والتعويض عليهم عملا بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 لسنة 1948، الذي والت تأكيده في عدة دورات تالية بحيث اكتسب قوة القانون الدولي. وذلك في تزوير تاريخي وتجاهل متعمد للتمايز الكيفي فيما بين دوافع وغايات عملية التطهير العرقي الصهيونية المتسببة بنشأة مشكلة اللاجئين العرب الفلسطينيين وتلك المعطلة تنفيذ قرار الشرعية الدولية على مدى السنوات الستين الماضية. وبين ظروف هجرة اليهود من الأقطار العربية وانعدام العوائق الموضوعية لعودتهم لأرض آبائهم وأجدادهم.

فالذي يجمع عليه المؤرخون “الإسرائيليون” الجدد أن القوات الصهيونية منذ مطلع نيسان / ابريل 1948 باشرت بتنفيذ قرار القيادة السياسية بزعامة بن غوريون بطرد العرب من مدنهم وقراهم ومنع عودتهم إليها. مقترفة في ذلك ما يربو على مائة مجزرة والعديد من حالات الاغتصاب، ومثيرة أجواء من الرعب. بحيث اضطر للهجرة قسراً ما يجاوز الثمانمائة ألف مواطن عربي فلسطيني كانوا يملكون ما يشكل 92 % من مساحة “إسرائيل” سنة 1949. فيما يقدم المؤرخ “الإسرائيلي” توم سيغف في كتابه “الإسرائيليون” الأوائل دراسة مؤسسة على الأرشيف “الإسرائيلي”، للجهود الصهيونية الدبلوماسية والعملياتية لتهجير يهود البلاد العربية. ويذكر أن مبعوثي “إسرائيل” الدبلوماسيين وأصدقاءها في واشنطن ولندن وباريس نشطوا من أجل تمكين اليهود من الخروج من المغرب والجزائر وليبيا ومصر والعراق واليمن. وفي ذلك ما يدل دلالة واضحة، على أنه ليس بين الدول العربية المذكورة من اعتمدت سياسة تطهير عرقي لمواطنيها اليهود، أو اقترفت بحقهم مثل الذي اقترفه الصهاينة بحق مواطني فلسطين العرب.

والذي يتجاهله الكونجرس الأمريكي أن القيادة الصهيونية في الوقت الذي أخلت فيه فلسطين من مواطنيها العرب، شرعت أبوابها على مصاريعها لاستقبال من ينجح عملاؤها في تهجيرهم من اليهود. ففي 20/9/1948 كتب وزير الهجرة شابيرا إلى ضباط الهجرة في الخارج مشدداً عليهم أن يشجعوا هجرة اليهود القادرين على بناء الدولة. وكانت وزارته قد أقامت مكاتب في دول عديدة، عمل مديروها على اختيار المرشحين للهجرة، وتفحص أوضاعهم، وتنظيم سفرهم، ونقل أمتعتهم. وخلال سنوات 1948 1952 كانت العراق واليمن والمغرب مصدراً أساسياً للهجرة. والثابت أن يهود هذه الأقطار تعرضوا لضغوط صهيونية لحملهم على مفارقة أوطانهم العربية. فضلاً عن ممارسة الضغوط الدبلوماسية على حكوماتها لتسهيل هجرة مواطنيها اليهود.

وكمثال يذكر إصدار الحكومة العراقية سنة 1950 قانوناً بإسقاط الجنسية عن اليهودي الذي يرغب بالهجرة، أو الذي غادر العراق بصورة غير مشروعة. وتشير وثائق مؤسسة الهجرة “الإسرائيلية” إلى أن قرار البرلمان العراقي إنما يعود، من بين دوافع أخرى، لنشاط مبعوثي الحركة الصهيونية في العراق، وتهريبهم اليهود عبر الحدود مع إيران.

وإلى جانب مداخلات وضغوط سفراء وقناصل بريطانيا والولايات المتحدة، لعب عناصر الموساد ومبعوثو وزارة التجارة الخارجية “الإسرائيلية” أدواراً مهمة للغاية في تيسير عملية الهجرة. إذ أمكنهم باستخدام الرشوة الاستعانة بشبكة واسعة من العملاء ضمت قناصل بعض الدول، وحتى وزراء ورؤساء وزارات بعضها الآخر، فضلا عن ضباط الشرطة ومسؤولي الجمارك. ويذكر توم سيغف (ص 119 و120) ان لقاءات جرت مع شاه إيران، وإمام اليمن، ونوري السعيد، وتوفيق السويدي، وقائد شرطة الأردن، الذي سهل دخول يهود العراق إلى فلسطين عبر جسر بنات يعقوب على نهر الأردن. وأنه في سنة 1949 نظمت شبكة في بيروت لتهريب اليهود من سوريا ولبنان عبر الحدود قرب المطلة، بواقع 150 200 مهاجر أسبوعياً.

وتوضح أرقام هجرة اليهود من الأقطار العربية انها كانت محدودة للغاية قبل ،1948 وانها نشطت بعد قيام “إسرائيل” وحتى العام ،1952 ثم تراجعت بعد انكشاف زيف الادعاءات الصهيونية حول الخطر الذي يتهددهم في أوطانهم العربية. وفي رصد الظاهرة يقرر يعقوب خوري في كتاب يهود البلاد العربية (ص 40) “وهذا يدل بصورة قطعية على أن اليهود يتمتعون بكامل حريتهم في البلاد العربية. وأنهم يحققون فيها أرباحاً طائلة ونجاحاً في أعمالهم”.

ولو فرضنا جدلاً أن المستوطنين الصهاينة ذوي الأصول العربية “لاجئون”، كما قرر الكونجرس الأمريكي، فإن من حقهم العودة لديار آبائهم وأجدادهم التي رحلوا منها باعتبار ذلك حقاً لكل لاجئ بموجب شرعة حقوق الإنسان. وعليه ما رأي السادة أعضاء الكونجرس لو تمت عملية مبادلة بين هؤلاء “اللاجئين” واللاجئين العرب الفلسطينيين؟ بحيث يعود هؤلاء للأقطار العربية التي هجرهم الصهاينة منها، ويستعيدون أملاكهم التي باعوها، مقابل عودة اللاجئين العرب الفلسطينيين واستعادتهم أملاكهم التي تصرف بها حارس أملاك العدو الصهيوني. ولا أحسب الدول العربية المعنية تمانع في ذلك، سيما ونحن نعيش زمن الصلح والتطبيع. أم أن هذا مرفوض أمريكياً لتناقضه مع الاستراتيجية الاستعمارية بتهجير عرب فلسطين ويهود البلاد العربية؟!
"الخليج"

التعليقات