23/04/2008 - 08:34

هل تدق ذكرى النكبة ذاكرة الشعب الفلسطيني!!../ تميم منصور

هل تدق ذكرى النكبة ذاكرة الشعب الفلسطيني!!../ تميم منصور
المعنى الحقيقي للنكبة بمفهومها الجغرافي والسياسي التاريخي والعملي هو ... فصل وانتزاع أي شعب من أرضه ومن مدنه وقراه ومنعه من العودة إليها حتى يبقى مشرداً تائهاً.

هذا ما حدث للشعب الفلسطيني عام 1948، فقد أجبرته العصابات الصهيونية بعد أن عملت ما باستطاعتها من قتل وتنكيل بهذا الشعب، فكان الفرار والهروب خياره الوحيد تمشياً مع المثل الذي يقول ( يا روح ما بعدك روح ) ( او مع المثل القائل في المال ولا في العيال ).

حقيقة أن نكبة الشعب الفلسطيني لم تبدأ عام 1948، ما حدث في هذه السنة هو اكتمال مخطط المشروع الصهيوني بإقامة الدولة الموعودة بالتواطؤ مع بريطانيا والرجعية العربية.

الموعد الحقيقي لبداية نكبة الشعب الفلسطيني بدأ مع قيام بريطانيا بإصدار وعد بلفور في الثاني من شهر تشرين الثاني سنة 1917، لقد حظي هذا الوعد المشؤوم الذي وصفه الرئيس جمال عبد الناصر ( وقال لقد أعطى من لا يملك من لا يستحق ).

حظي هذا الوعد بتعاطف كل من الولايات المتحدة وفرنسا والعديد من الدول الاوروبية، هذا يؤكد أن بريطانيا هي المسؤولة الأولى عن تفجير الصراع الفلسطيني الصهيوني، وقد عملت الولايات المتحدة خاصة بعد قيام إسرائيل على تغذية هذا الصراع واستمراره مدعومة بالعديد من الدول الاوروبية. هذا الدعم الأمريكي الأوروبي الأعمى جعل إسرائيل دائماً تتمرد على الشرعية الدولية.

لم تكتف بريطانيا بإصدار الوعد المذكور، فقد بذلت قصارى جهودها لتنفيذه بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، فقد ورد في البند الرابع من صك الانتداب بان بريطانيا سوف تبذل كل جهودها لتحقيق أحلام اليهود بإقامة وطن لهم في فلسطين، وقد برّت بوعدها عندما قامت بفتح أبواب ألهجرة اليهودية إلى فلسطين على مصراعيها، فبدأت مجموعات من المهاجرين تتدفق من أوروبا الشرقية والغربية وأمريكا الجنوبية حاملة معها الحلم الصهيوني الذي لا حدود له بالعنصرية والفوقية والانانية والشوفينية، جاءوا وأمامهم هدف واحد هو اغتصاب الأرض وطرد الشعب الفلسطيني من وطنه.

عندما فرضت بريطانيا الانتداب على فلسطين سنة 1919 كان عدد الأجانب فيها بما فيهم اليهود حوالي 56 ألفا مقابل 700 ألف عربي فلسطيني من كافة الطوائف، بعد فتح أبواب الهجرة دخل الى فلسطين من أفراد العصابات ألصهيونية في الفترة الواقعة بين سنة 1919 ــ سنة 1939 حوالي 400 ألف متسلل يهودي نصفهم دخل إلى فلسطين بطرق غير شرعية.

كانت سلطات الانتداب تغض أنظارها عن هذا التسلل، كان باستطاعتها منع السفن التي سخرتها الوكالة اليهودية لنقل اليهود من الدول الأوروبية إلى فلسطين، كانت هذه السفن ترسو ليلاً مقابل سواحل فلسطين ثم تقوم القوارب التي جهزتها الوكالة اليهودية بنقل المتسللون الجدد ليلاً ، الى سواحل عتليت ونتانيا وتل أبيب بعد ذلك يتم توزيع هؤلاء المهاجرين داخل المدن اليهودية وداخل الكيبوتسات.

عندما تأكدت بريطانيا أنها أتمت دورها وأنها ثبتت أقدام العصابات الصهيونية في فلسطين بأن أقامت هذه العصابات المؤسسات والمصانع والمعاهد التعليمية، وأحيت اللغة العبرية وطرق المواصلات وشبكات الاتصالات، كما أقامت المدن والقرى بعد أن سيطرت على مساحات واسعة من الأراضي بمساعدة سلطات الانتداب، كما تأكدت بريطانيا أن اليهود في فلسطين أقاموا بنيه عسكرية من العناصر المسلحة وصل تعدادهم حوالي 50 ألف مسلح، بينهم الطيارون والضباط والمقاتلون الذين خدموا في القوات البريطانية أثناء الحرب العالمية الثانية.

عندها اطمأنت بريطانيا أنها قادرة على إنهاء الانتداب والانسحاب من فلسطين رغم إدراكها أن الصراع سوف يتفجر ويأخذ طابع العنف، خرجت بريطانيا في الخامس عشر من أيار سنة 1948، وقد وصل عدد اليهود إلى حوالي 650 ألف مقابل مليون وربع مليون عربي.

لم يكن الشعب الفلسطيني جاهزاً للمواجهة خاصةً في الأشهر الاخيرة من عمر الانتداب، وبعد انتهائه مباشرةً. وقد تولت دول الجامعه العربية في ذلك الوقت مهمة معركة إفشال قرار تقسيم فلسطين الذي أصدرته الأمم المتحدة يوم 29\11\1947 والذي أقر بقيام دوله يهودية على حوالي 55% من مساحة فلسطين.

فشلت الدول العربية في هذه المعركة، وأفشلت معها كل محاولات الشعب الفلسطيني الدفاع عن نفسه وعن حرمته وأرضه أمام العصابات الصهيونية. كان الشعب الفلسطيني مجرداً من السلاح ولا يملك المؤسسات المتماسكة القوية، لا يمتلك إلا الصناعات الأولية، ومنع من إقامة وتنظيم قوة عسكرية قادرة مدربة على القتال تحركها قيادة عسكرية واحدة، لأن الدول العربية المتواطئة مع بريطانيا حرمته من ذلك حتى يبقى تحت رحمتها وتابعاً لها.

في الجانب الآخر فإن العصابات الصهيونية كانت منظمة ومدربة حصلت على الأسلحة المتطورة من معسكرات الجيش البريطاني قبل إخلائها، كما حصلت هذه العصابات على صفقة الاسلحة التشيكية المشهورة، وقد تحدثت الصحف التشيكية عن هذه ألصفقه لأول مره في ألسنه الماضية وقد نقلت صحيفة هأرتس هذه المعلومات، اعترف التشيك أنهم زودوا اليهود بإذن من الاتحاد السوفيتي أثناء حرب 1948 بـ 75 طائرة مقاتلة وقاذفة صنعت في مصانع الطائرات التي أقامتها ألمانيا النازية بعد احتلالها في تشيكوسلوفاكيا سنة 1938، كما شملت هذه ألصفقه 50 الف بندقية جاهزة للاستعمال، و6000 مدفع رشاش خفيف وثقيل، وعشرات المدافع كما شملت 90 مليون طلقه من الذخيرة الحية.

اعترف دافيد بن غوريون أول رئيس وزراء لإسرائيل في كتابه ( مذكرات بن غوريون ) أنه لولا صفقة الاسلحه التشيكية لتغيرت خارطة الشرق الأوسط واعترف أنه بفضل هذه ألصفقه حُسمت المعركة لصالح العصابات الصهوينية.

اليوم وأجراس ذكرى الستين لقيام النكبة تدق أبواب ذاكرتنا أصبح الشعب الفلسطيني يعيش واقعاً جديداً وحقائق تملأ هذه الذاكرة. الحقيقة الأولى أنه منذ نكبة 1948 والشعب الفلسطيني يمشي، وأيامه لا تنتهي وفجره لا يطلع، بعد كم ستون سنة سيعود الذين لم يعودوا. الحقيقة الثانية أن غالبية أبناء الجيل الأول ممن هّجروا من الوطن أصبحوا موتى دفنوا في مقابر الآخرين، والأحياء من هؤلاء المهجرين لا زالوا عالقين على حدود الوطن. الحقيقة الثالثة أن الاحتلال الطويل خلق أجيالا عربية إسرائيلية ولدت في إسرائيل ولا تعرف لها وطناً سواها... في نفس الوقت خلق الاحتلال أجيالا من الفلسطينيين الغرباء عن فلسطين ولدت في المنفى ولا تعرف عن وطنها سوى قصته وأخباره، في حين فان هذه الأجيال تعرف كل زقاق من أزقة المنافي البعيدة وتجهل بلادها.

قال أبا ايبان أحد كبار الشخصيات الصهيونية المعروفة ووزير خارجية سابق عندما سأله أحد الصحفيين .... كيف تمنعون دفن أحداث الكارثة داخل صفحات التاريخ؟ أجابه أبا ايبان اننا نُرغم العالم أن يتعايش مع كارثة الشعب اليهودي ونرغمه على التعايش مع الكارثة، نحن دائماً نضع هذه الكارثة بكل ما بها من كذبٍ وصدق داخل كل درج رجل دبلوماسي في عواصم دول العالم، عندما يفتح هذا الدبلوماسي درجه أول ما يشاهده أمامه هي الكارثة وتبقى في ذاكرته.

السؤال الذي يطرح نفسه كم يبلغ عدد الدبلوماسيين في العالم الذين يعتبرون نكبة الشعب الفلسطيني من أولويات أو حتى أخريات اهتمامه ؟ إذا كان القادة والزعماء العرب يضعون نكبة الشعب الفلسطيني في هامش ذاكرتهم، هل ننتظر هذا الاهتمام من الأجانب؟ ليس هذا فحسب هناك أكثر من زعيم عربي واحد يكلل اهتمامه بالنكبة بإرسال برقيات الحب والتهنئة للقتلة في إسرائيل بمناسبة ذكرى النكبة.

المؤسسة الاسرائيليه الحاكمة مصابة هذه السنة بحمى خاصة بالتحضير للاحتفال وإحياء ذكرى الستين لاستقلال الكيان الصهيوني الهدف معروف هو شحن الأجيال اليهودية الشابة بالوطنية الاسرائيليه بأوجهها الفكرية، الدينية، القومية والعمل على بناء إجماع يهودي صهيوني يؤمن بحتمية وجود هذا الكيان حتى لو كان على حساب تعاسة شعبٌ آخر وهو الشعب الفلسطيني، أجيال تؤمن بإباحة قتل العربي وحق مصادرة أرضه ومياهه والاستيطان فوق هذه الأرض أجيال تؤمن بالفكر الصهيوني النازي الذي يعتبر القوه والقتل والحرب جزءاً من وجوده.

هنا يطرح السؤال: هل يقوم الفلسطينيون باحياء الذكرى الستين للنكبة وهم الضحية بالمقاس والمستوى الذي تخطط له إسرائيل من احتفالات؟ يجب إحياء هذه الذكرى بطريقة مدروسة منهجية لتعميق ثقافة التحمل والصمود والتشبث بالأرض، من واجب لجنة المتابعة العربية والحركات الوطنية وضع برنامج خاص لإحياء هذه الذكرى منذ عدة أشهر حتى لا يكون إحياؤها هامشياً ارتجالياً وعشوائياً، بدون ذلك لا نستطيع محاربة الأسرلة ولا نستطيع تعميق الهوية الوطنية الفلسطينية في قلوب ونفوس وضمائر أجيال الشعب الفلسطيني الشابة..

التعليقات