02/05/2008 - 16:39

السلام على الجبهة السورية هل أصبح ممكناً؟../ نصر طه مصطفى

السلام على الجبهة السورية هل أصبح ممكناً؟../ نصر طه مصطفى

رغم كل ما قيل ونشر عن إمكانية استئناف مفاوضات السلام السورية - “الإسرائيلية” عبر الوساطة التركية إلا أن الأمر لا يستدعي أي تفاؤل لإنجاز أي خطوة في هذا المجال على الأقل خلال ما تبقى من هذا العام، فالواضح أن إدارة الرئيس الأمريكي الحالي جورج بوش لديها موقف مسبق من الحكم في سوريا إلى درجة قد يبدو معها أنه أكثر تشددا من الموقف “الإسرائيلي” الذي أبدى استعداده للمرة الأولى للانسحاب من الجولان منذ احتلال هذه الهضبة قبل أكثر من أربعين عاما.

ولا شك أن الموقف الأمريكي المتشدد من سوريا سيشكل عائقاً أمام أي مفاوضات سورية - “إسرائيلية” جادة في الفترة القادمة، حتى وإن نجح رئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوغان في مواصلة العملية التفاوضية غير المباشرة بين الطرفين التي يقوم بها حاليا والتي تمكن من خلالها من انتزاع ذلك الاستعداد من الحكومة “الإسرائيلية” للانسحاب من الجولان، رغم أن هذه الأخيرة أعلنت لاحقا أن هذا الانسحاب مشروط بقطع سوريا علاقاتها مع إيران، وطرد ممثلي المنظمات الجهادية الإرهابية بالتعريف “الإسرائيلي” الموجودين في دمشق، وهي أمور تدرك الحكومة “الإسرائيلية” أن سوريا لن تقبلها، أو على الأقل لن توقع لها شيكاً على بياض بها مقدما، خاصة أن نوايا “إسرائيل” في الانسحاب الكامل من هضبة الجولان ليست مؤكدة، باعتبارها كانت قد قامت بضمها رسميا إلى كيان الدولة في بداية الثمانينات، وباعتبارها أعلنت في المفاوضات التي جرت مع سوريا أواخر عهد الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون أنها تريد الاحتفاظ بمساحات من الأرض قرب بحيرة طبرية ما جعل المفاوضات تنهار في ذلك الحين رغم أنها شهدت أعلى مستويات التفاوض برعاية مباشرة من الرئيس كلينتون وبحضور وزير الخارجية السوري حينذاك فاروق الشرع ورئيس الوزراء “الإسرائيلي” يومها إيهود باراك.

في الحقيقة إن “إسرائيل” لم تقدم تنازلا يذكر بالتزامها للأتراك الانسحاب من الجولان، فهي تعلم أنه أرض سورية حتى وإن كان يمثل أهمية استراتيجية لها، وهي ملزمة بالانسحاب منه بموجب القرارات الدولية الصادرة عن الأمم المتحدة، كما أن المجتمع الدولي بما في ذلك الدول التي تختلف مع سوريا لم يعترف مطلقا بأحقية “إسرائيل” في ضم هضبة الجولان إلى سيادتها. ومن ثم فإن الأمر لا يعدو كونه مناورة “إسرائيلية” تريد من خلالها حكومة تل أبيب أن تقنع العالم بأن سوريا هي من ترفض السلام من خلال إدراكها أن دمشق لن تقبل فرض أي شروط عليها من نوع قطع العلاقات مع إيران أو إغلاق مكاتب حماس والجهاد وحزب الله، خاصة أن لدى سوريا ألف دليل يثبت حسن نواياها تجاه عملية السلام ورغبتها الحقيقية في إنجازه بعيدا عن الشروط “الإسرائيلية”، فالسوريون يدركون جيداً ما هي الالتزامات التي ينبغي عليهم القيام بها في حال ثبتت جدية “إسرائيل” في السلام والانسحاب الكامل من الجولان.

وفي ظني أن العلاقات الاستراتيجية السورية - الإيرانية كانت نتاجا لظروف مختلفة أبرزها إصرار الحكومات “الإسرائيلية” المتعاقبة بمختلف اتجاهاتها اليسارية واليمينية على البقاء في الجولان ورفضها الاعتراف بتبعيته لسوريا أو قبولها مبدأ الانسحاب الكامل منه مقابل السلام الكامل، ولذلك كان على دمشق أن تحمي نفسها إقليميا ودوليا بعدد من العلاقات السياسية التي تمكنها من البقاء رقماً صعباً في المنطقة يصعب تجاوزه.

وقد كان انهيار الاتحاد السوفييتي سببا مباشرا لتعزيز دمشق علاقاتها مع طهران خاصة بعد حصار العراق والتضييق عليه حتى ضربه واحتلاله، ولا شك أن أي قراءة سياسية لمواقف سوريا الخارجية لا يمكنها سوى أن تقدر الأسباب الوجيهة التي سعت من خلالها للحفاظ على نفسها قوة سياسية مؤثرة وتحديدا في عهد الرئيس الأمريكي الحالي جورج بوش الذي لم يظهر أي حسن نوايا تجاهها منذ توليه الحكم قبل أكثر من سبع سنوات على عكس سلفه الديمقراطي بيل كلينتون الذي زار سوريا أكثر من مرة، ورعى أول مفاوضات سلام بينها وبين “إسرائيل”، بل قام بواجب العزاء في وفاة الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد رغم أن لقاءهما الأخير في جنيف قبل وفاة الأسد بثلاثة أشهر كان حادا وانتهى إلى تجميد المفاوضات المباشرة حتى هذه اللحظة.

من المؤكد أن سوريا في هذه الفترة بحاجة حقيقية إلى سلام حقيقي مع “إسرائيل”، لكنها في الوقت ذاته ليست قادرة على أن تتخلى عن نقاط قوتها، وفي مقدمتها كونها رئيسة الدورة الحالية للقمة العربية التي ينبغي عليها خلالها أن تعيد الحياة إلى التضامن العربي وحل الكثير من المشكلات العالقة في المنطقة وفي مقدمتها أزمة الرئاسة اللبنانية.

وحسنا أعلن الرئيس بشار الأسد عن رغبته في زيارة كل من السعودية ومصر خلال الفترة القادمة فذلك كفيل بإثبات الكثير من حسن النوايا تجاه أكبر وأهم دولتين عربيتين، وجدير بحلحلة أزمة الرئاسة في لبنان البلد الذي يشكل عمقا لسوريا لا يمكنها تركه لخصومها ليعبثوا بأمنها واستقرارها من خلاله، وهو أمر تدركه في الحقيقة قوى الموالاة في لبنان التي أعلنت أكثر من مرة عن رغبتها في علاقات مستقرة ومتوازنة ومتساوية مع دمشق وهو مطلب عادل بلا شك.

كما أن ترميم علاقات سوريا بكل من السعودية ومصر كفيل بأن يوقف عنها شرور المخططات الخفية التي برزت مؤشراتها بإعلان الولايات المتحدة الأمريكية عن قصة المفاعل السوري المزعوم والمدعوم من كوريا الشمالية والذي كان جاهزا لإنتاج قنبلتين نوويتين في العام الواحد ابتداء من العام القادم لولا تدمير “إسرائيل” له في الصيف الماضي، وحيث مطلوب منا نحن العرب أن نصدق هذه القصة الملفقة واضحة المقاصد في استهدافها لسوريا، ولذلك يصبح من المهم جدا أن تتواصل الجهود السلمية التركية ومصالحة دمشق مع الرياض والقاهرة بانتظار الفرج المتمثل في مجيء رئيس أمريكي ديمقراطي قادر على إعادة اطلاق عجلة السلام في المنطقة العربية في مسارها الصحيح.
"الخليج"

التعليقات