18/05/2008 - 07:38

أخلاقيات المقاومة ونهاية عميل../ مصطفى طه

أخلاقيات المقاومة ونهاية عميل../ مصطفى طه
في الوقت الذي كان قادة وقواعد "جيش لبنان الجنوبي" يلهثون وراء طلبات الهجرة واللجوء السياسي بعد سنوات من الإرتباك والتفكك قبيل الإنسحاب الإسرائيلي من لبنان سنة 2000 بأشهر قليلة بفعل الضربات النوعية المكثفة للمقاومة اللبنانية، استطاعت المقاومة اصطياد الضابط اللحدي الأول، عقل هاشم "العقل المدبر" "لجيش لبنان الجنوبي" والرجل الثاني الذي كانت تحضّره إسرائيل لخلافة أنطوان لحد، حين انفجرت تحت أقدامه عبوتان ناسفتان في مزرعة بيته داخل الشريط الأمني في قرية دبل المقابلة لبلدة رميش قضاء بنت جبيل.

كانت فرصة اغتيال العميل عقل سانحة قبل اغتياله بأشهر في نفس المكان، ولكن المقاومة أبطلت العملية لأن ابنته كانت برفقته، وفوّتت فرصة صيد ثمين كي لا تمس بابنته رغم عمالة والدها، رغم سجّله الحافل بالإجرام الدموي الذي كانت مجزرة صبرا وشاتيلا "ومذبحة سوق الخميس"في بنت جبيل جزءا من إجرامه، فأخلاقيات المقاومة منعتها من أن يدفع ابن العميل ثمن عمالة أبيه.

بعد اغتياله بأشهر، وفي ليلة ظلماء سحب الجيش الإسرائيلي قواته من لبنان، وترك جيشا من عملائه في الجنوب ، وأيقن كثيرون حينها أن المجازر سترتكب بحق العملاء بعد الفراغ المباغت، ولعل إسرائيل راهنت على ذلك، ولكن بحكمة وشجاعة وأخلاقيات المقاومة لم تسل نقطة دم واحدة، لأنها رفضت عقلية الثار، فسلّمت العملاء للقضاء اللبناني وأبقت باب التوبة مفتوحا، ومنهم من تاب فعلا وانضم لصفوف المقاومة فيما بعد، ومنهم من هرب إلى إسرائيل ليربط مصيره بمصيرها، ولكن سرعان ما اكتشفوا أن مهمتهم انتهت، فالقوا بهم كالكلاب في الشوارع فنظّموا خيم الاحتجاج على التنصل الإسرائيلي منهم رغم "خدماتهم" الطويلة، واختار بعضهم الرجوع إلى لبنان ثانية والمثول للقضاء...هي النهاية الطبيعية للعميل، أي عميل، أان "منطق" العمالة لا تحكمه علاقة النّدية بل علاقة العبد الصاغر أمام سيده، ينتهي دور العميل فيها بانتهاء المهام القذرة الموكلة إليه.

لبنان الذي أراد له أعداؤه أن يفرز طائفيا، وأنفقوا الملايين من الدولارات والكثير من الجهود المخابراتية في سبيل الهدف، فرز سياسيا في النهاية بحكمة وشجاعة المقاومة وحلفائها الوطنيين في لبنان، ولأن الفرز سياسي يتم الحديث عن مخرج سياسي بناء على الموقف السياسي لا الانتماء الطائفي في بلد مبني على التوازن الطائفي وفقا للدستور، بمعنى أفشلت محاولات تحويل الطائفة إلى طائفية والمذهب إلى مذهبية، وما كان لهذا الانجاز الهام أن يتم لولا حكمة وشجاعة وبعد النظر وصدق الحس الوطني الذي تحلى به كل من سماحة السيد حسن نصر الله، والجنرال ميشيل عون تحديدا إضافة لحلفائهما من القوى الوطنية الأخرى.

أخلاقيات المقاومة اللبنانيةأاحد أهم عناصر قوتها على ما يبدو، ومن هنا كان احتضان الشرفاء لها، ولولا هذا الاحتضان الشعبي ما كان لها أمل الصمود أو الانتصار في بلد بتركيبته المعقدة، كلبنان، وبهذا الكم الهائل من المؤامرات حوله.

يتناقل داخل صفوف الموالاة همسا أن حلفاءهم تخلّوا عنهم بعد تحرك المعارضة السريع الذي اثبت من هو "سيد" البلد على الأرض، ولان أخلاقيات المقاومة، وحزب الله تحديدا كبّلت أياديها حرصا على البلد تخوفا من هاجس الفتنة الطائفية او المذهبية، راهن فريق السلطة على صدق الأخلاقيات هذه، واعتبروها مكمن ضعف فتمادوا كثيرا حين توهموا إن نزع سلاح المقاومة، التي عجزت القوى العاتية من انتزاعه ممكن بفعل التزام المقاومة بأخلاقياتها، وخاب ظنهم.

"إنكم تقاتلون باسم الأمة ". هكذا خاطب نصر الله أبناء المقاومة في حرب تموز لأنه كان مدركا تماما لواقع اللحظة التي تشكّل فيها المقاومة خط الدفاع الأخير بوجه مشروع الشرق الأوسط الجديد الهادف لضرب قوى الممانعة في المنطقة، وتعطّل هذا المشروع الخبيث بفعل المقاومة، وبفعلها فقط.

وقديما قال شاعرنا المتنبي:
يرى الجبناء إن العجز عقل ------------ وتلك طبيعة الطبع اللئيم
وكل شجاعة في المرء تغني --- وما مثل الشجاعة في الحكيم

التعليقات