05/08/2008 - 08:16

صواريخ ايران واغلاق "هرمز"../ عبد الباري عطوان

صواريخ ايران واغلاق
توقع الكثير من المراقبين العرب ان يكون الرئيس السوري بشار الاسد قد حمل الى المسؤولين الايرانيين اثناء زيارته الى طهران مطلع هذا الاسبوع عرضا اوروبيا لحل ازمة البرنامج النووي المتفاقمة ووصول المفاوضات حولها الي طريق مسدود.

وربما لم يخطر في بال هؤلاء، ان الرئيس الاسد الحليف الاول لطهران في المنطقة العربية، قام بزيارته هذه من اجل تنسيق المواقف في حال نشوب حرب جديدة في المنطقة تشنها اسرائيل بضوء أخضر امريكي، لتدمير المفاعلات واجهزة التخصيب الايرانية.

مؤشرات 'الحرب الثالثة' في الخليج بضفتيه، تتبلور بشكل متسارع، وتزداد سخونة، يوما بعد يوم، فمفاوضات الفرصة الاخيرة التي انعقدت في جنيف قبل اسبوعين بمشاركة وفد ايراني برئاسة سعيد جليلي، وآخر اوروبي بقيادة خافيير سولانا المنسق الاعلى للسياسة الخارجية في الاتحاد الاوروبي، وبحضور وليم بارنز وكيل وزارة الخارجية الامريكية للمرة الاولى، هذه المفاوضات لم تحقق اي تقدم، وأجلت ايران تقديم ردها على رزمة الحوافز المغرية التي قدمها الغربيون لها مقابل وقفها عمليات التخصيب.

القيادة الايرانية لم تخضع للتهديدات الغربية وتقدم ردها على الحوافز هذه في غضون اسبوعين، وهي مهلة انتهت امس الاول، وقام اكثر من مسؤول اوروبي بالاتصال بقيادتها مستجديا هذا الرد، من بينهم سولانا نفسه، الذي ظفر بوعد بتقديم رد ايراني مكتوب اليوم، من المتوقع ان لا يختلف كثيرا عن الردود السابقة اي المماطلة وكسب المزيد من الوقت.

السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هذه الايام هو ليس ما اذا كانت هناك حرب ضد ايران ام لا، وانما متى ستتوجه القاذفات الاسرائيلية اولا، والامريكية لاحقا، لقصف المواقع النووية الايرانية المستهدفة، ونوعية السلاح المستخدم وهل هو تقليدي ام نووي.

جون بولتون مندوب امريكا السابق في الامم المتحدة، وأحد ابرز صقور المحافظين الجدد، توقع هذه الحرب في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، اي بعد انتهاء الانتخابات الامريكية الرئاسية حتى لا تؤثر على مجرياتها لصالح هذا المرشح او ذاك، ولكن هناك من يقول ان اوارها قد يشتعل قبل ذلك.

المسؤولون الاسرائيليون الذين يستعجلون هذه الضربة، مثلما استعجلوا الحرب على العراق، في حال حجيج متواصل الى واشنطن هذه الايام للتحضير للحرب، واقناع المتشككين داخل الادارة بضرورتها. ففي الاسابيع الاربعة الاخيرة زار واشنطن كل من ايهود باراك وزير الدفاع، وغابي اشكنازي رئيس هيئة اركان الجيش الاسرائيلي، واخيرا شاؤول موفاز الجنرال السابق ووزير المواصلات الحالي، ورئيس لجنة التنسيق الاسرائيلية مع امريكا بشأن الملف النووي الايراني.

الجنرال موفاز احد ابرز المرشحين لخلافة ايهود اولمرت في رئاسة حزب (كاديما) ورئاسة الوزارة بالتالي، كرر قبل يومين في واشنطن تهديداته بضربة اسرائيلية لايران، وقال بالحرف الواحد 'نحن الآن في سباق مع الزمن.. والزمن هو الكاسب الاكبر'، واضاف 'لا بد من التحرك بسرعة لان اسرائيل لا يمكن ان تقبل بايران قوة نووية'.

الصحف الاسرائيلية رأت في حضور مسؤول امريكي لمفاوضات جنيف الاخيرة بين الاوروبيين والايرانيين بانه اراد ان يقول لحلفائه الغربيين بان واشنطن استنفدت كل احتمالات الحلول السلمية لهذا الملف الشائك، ولا لوم عليها اذا ما لجأت الي الخيار العسكري كعلاج اخير.

ولم يكن من قبيل الصدفة ان تستدعي السيدة كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الامريكية وزراء خارجية دول الاعتدال الى اجتماع في ابو ظبي التي توقفت فيها في طريقها الى آسيا، بعد يومين من اجتماع جنيف، لتضعهم في صورة الموقف، وحرصت ان يكون معها في الاجتماع نفسه المستر بارنز الذي حضر الاجتماع الاوروبي ـ الايراني، ومسؤول امريكي كبير لم يتم الكشف عن اسمه.

المسؤولون الايرانيون بدأوا يشعرون بسخونة الأجواء، وارتفاع اصوات قرع طبول الحرب اسرائيليا وامريكيا، ولجأوا الى مواجهة التحدي بالاعلان عن تجريب صاروخ بحري مداه 300 كيلومتر، وتأكيد قدراتهم على اغلاق مضيق هرمز الاستراتيجي في فم الخليج في اي لحظة يتعرضون فيها الى هجوم امريكي او اسرائيلي.

ما جعل الايرانيين يرجحون احتمالات الحرب هو ما قاله احد المستشارين المقربين من المرشح الديمقراطي للانتخابات الرئاسية باراك اوباما، نقلا عن لسان الاخير، بانه بات مقتنعا وبعد زيارته الاخيرة للقدس المحتلة بان اسرائيل ستقدم على ضربة عسكرية لايران لتدمير برنامجها النووي اذا فشلت المفاوضات الحالية في حثها على وقف تخصيب اليورانيوم. وهي الاقوال التي لم ينفها اوباما مطلقا.

فاسرائيل تدرك جيدا ان اوباما سيعارض مثل هذه الضربة الجوية، أو ربما لا يوافق عليها اذا ما اصبح رئيسا، وهي لا تستطيع ان تخالف رأي اعلى مسؤول امريكي، والقائد الاعلى للقوات المسلحة الامريكية، في موضوع استراتيجي على هذه الدرجة من الخطورة، ولذلك قد لا تنتظر الانتخابات، واذا انتظرتها، فانها قد تقدم على ضربتها هذه قبل ان يتولى اوباما رسميا مهامه كرئيس للولايات المتحدة في حال فوزه في الانتخابات مثلما تفيد استطلاعات الرأي حتى الآن.

فمن اللافت ان اولمرت قرر الاستقالة من منصبه والدعوة الى انتخابات لقيادة حزبه كاديما في الشهر المقبل، وهو توقيت محسوب بعناية. وهذا يعني ان الرئيس الجديد لكاديما سيتمكن من تشكيل حكومة ائتلافية قبل نهاية ايلول (سبتمبر) اذا سارت الامور على ما يرام. ولن يكون مفاجئا اذا كان هذا المنصب من حظ موفاز اكبر المحرضين على ضرب ايران، والجنرال صاحب الخبرة العسكرية الضخمة التي استمدها من موقعه السابق كرئيس لهيئة اركان الجيش الاسرائيلي.

الرئيس جورج بوش الابن قاد امريكا في فترتين رئاسيتين اتسمتا بالنكسات والكوارث، خاض فيهما حربين فاشلتين في العراق وافغانستان، وادخل اقتصاد بلاده في مرحلة كساد، وأثقل الميزانية العامة بعجز يصل الى 450 مليار دولار بعد ان استلمها وهي في فائض مالي ملموس. ومن غير المستبعد ان يتجاوب الرئيس بوش مع التحريض الاسرائيلي مجددا، ويقدم على الخيار العسكري ضد ايران في محاولة يائسة لإنقاذ ارثه السياسي والعسكري الكارثي الحافل بالخيبات والهزائم.

اسرائيل هي التي تسيطر على صنّاع القرار في امريكا، ونجحت من خلال جماعات ضغطها في خطف البيت الابيض، وابتزاز الكونغرس، وتوظيف القوة العسكرية الامريكية الهائلة في خدمة اهدافها وتدمير اعدائها. وتزلف المرشحين للرئاسة لها اثناء مؤتمر 'ايباك' السنوي قبل شهر يكشف هذه الحقيقة بكل بشاعتها.

الرئيس بوش الحليف الأوثق لاسرائيل منذ قيامها يريد استسلاما ايرانيا كاملا عنوانه وقف تخصيب اليورانيوم والرضوخ كليا للشروط الامريكية والاوروبية في التخلي نهائيا عن الطموحات النووية، ومن الواضح ان الايرانيين يرفضون هذا الابتزاز الامريكي ـ الاسرائيلي المشترك، فهم يقبلون كل شيء ما عدا وقف التخصيب، واعلانهم عن امتلاك ستة آلاف وحدة لهذا الغرض هو تجسيد حي لموقفهم هذا.

الرد الايراني المكتوب الذي سيقدم اليوم قد يكون الحد الفاصل بين السلام والحرب، وبدء العد التنازلي لأي منهما، وان كنا نرجح انه سيكون عدا تنازليا للضربة العسكرية الامريكية ـ الاسرائيلية المنفردة او المشتركة.

الخسائر ستكون ضخمة، بل اضخم من كل التصورات اذا اندلعت شرارة الحرب، فالقواعد الامريكية في الخليج هي الهدف الاول، جنبا الى جنب مع مضيق هرمز وآبار النفط، وهذا يعني تجاوز اسعار النفط 300 دولار للبرميل، ولذلك لم يكن غريبا ان يدرس الكويتيون، الأذكى خليجيا في المجال التجاري، بحث امكانيات تخزين نفطهم خارج المنطقة، فهم يملكون قرون استشعار حساسة للحروب بحكم خبرتهم، ومشاركتهم في اثنتين منها على الاقل.

اسرائيل ايضا قد تكون من ابرز الخاسرين، فصواريخ ايران، اذا صدقت الاقوال، ستتوجه اليها وهي بعشرات الآلاف من كل الأوزان والأبعاد. ولا ننسى في هذه العجالة صواريخ حزب الله التي تزيد عن 40 الف صاروخ.

'سن تزو' الخبير الاستراتيجي الصيني قال في كتابه الشهير 'فن الحرب'، ان اول عنصر اساسي للنجاح ليس فقط ان تعرف عدوك، بل ان تعرف نفسك ايضا. والادارة الامريكية الحالية لا تعرف عدوها، ولا تعرف نفسها، والا لما وجدت نفسها في هذا الحال المزري. قبل سقوط الشاه باربعة اشهر قالت وكالة المخابرات الامريكية (سي. آي. ايه) ان ايران ليست في مرحلة الثورة (آب/اغسطس عام 1978) وان شاه ايران سيستمر في الحكم لعشر سنوات مقبلة. بعد اربعة اشهر هرب الشاه من ايران، ولم يجد مأوى غير القاهرة لكي يموت ويدفن فيها بلفتة كرم من صديقه انور السادات بعد ان لفظته واشنطن والعواصم الغربية.

المخابرات الامريكية عندما أصدرت هذا التقرير كانت متغلغلة في ايران، وتملك حكومتها اكبر سفارة في العالم في عاصمتها طهران. فكيف ستتعامل الآن مع طهران وهي عدوة ولا توجد لها سفارة فيها؟ من حق دول الخليج ان تقلق مع هكذا حليف لا يعرف غير خوض الحروب الخاسرة.

التعليقات