29/09/2008 - 09:01

نهاية الهيمنة الاقتصادية الأميركية../ محمود مبارك*

نهاية الهيمنة الاقتصادية الأميركية../ محمود مبارك*
هناك مثل أميركي يقول: «إذا اقترضت من البنك مبلغ مئة دولار ولم تستطع الوفاء به، فاعلم أنك في ورطة! ولكن، إذا اقترضت من البنك مبلغ مئة مليون دولار ولم تستطع الوفاء به، فاعلم يا بني أن البنك في ورطة»!

ولعل هذا المثل يشرح ببساطة أساس الأزمة المالية التي عصفت وما زالت تعصف بالولايات المتحدة، إذ أدى تفاقم أزمة الديون العقارية، إلى إفلاس عدد من المؤسسات المالية، ويهدد بكارثة اقتصادية حقيقية لأبعد من الاقتصاد الأميركي، إن لم يتم احتواء هذه الأزمة سريعاً.

بيد أن فهم أسباب هذه المعضلة، لا يعني أن الاتفاق على حلّ للخروج منها أمر هيّن. إذ لا يزال البيت الأبيض والكونغرس عاجزين عن التوصل إلى حلّ مشترك، ولا يزال الحزبان الرئيسيان غير واثقين من أن خطة الإنقاذ التي تبلغ كلفتها 700 بليون دولار ستكون كفيلة بإنقاذ الاقتصاد الأميركي من هاوية الكارثة، وإن تمّ الاتفاق المبدئي على وضع الإطار العام لهذه الخطة، كما لم يطرح أي من المرشحين لمنصب الرئاسة الأميركية خلال مناظرتهما مساء الجمعة الماضي، خطة اقتصادية تعالج الأزمة المتفاقمة، على رغم اتفاقهما على خطورة الأوضاع الاقتصادية، التي استحوذت على نصف وقت المناظرة.

ولكن، إذا كان من المتفق عليه عند العقلاء أن السياسة الخارجية لإدارة الرئيس الأميركي جورج بوش، أثبتت فشلاً غير منازع في كل ميادينها، فإنه ربما بات واضحاً اليوم أن سياسة الرئيس بوش الاقتصادية ليست أحسن حظاً من سياساته الخارجية، الأمر الذي سيؤول بالولايات المتحدة والعالم أجمع إلى أزمة مالية عالمية، تتحمل الولايات المتحدة وحدها وزرها كما جاء في التصريح الشجاع لوزير المالية الألماني قبل أيام!

وإذا كان من سوء حظ بوش أن بداية فترة ولايته الأولى تزامنت مع أحداث أيلول (سبتمبر) 2001، التي لم يحسن التصرف عندها بحكمة العظماء، فإن سوء إدارته تسبب في أحداث سبتمبر 2008، التي ستنسي ما قبلها من أحداث، بما في ذلك أحداث سبتمبر 2001، إذ بات من الواضح اليوم أن مكانة الولايات المتحدة الاقتصادية في العالم لن تعود كما كانت، قبل هذه الأزمة، كما أشار إلى ذلك وزير المالية الألماني أيضاً.

وغني عن القول إن ذلك الأمر سيترك تركة ثقيلة لخليفة بوش في البيت الأبيض أياً كان، ويبدو أن الأميركيين بدأوا يدركون الآن، أن «نحس» بوش أبعد من أن ينتهي بمجرد نهاية ولايته الثانية!

ولن يكون في ذلك تعزية للرئيس بوش، لأن أيلول الأسود 2008، ليس من صنع ابن لادن، ولا هو من صنع «الإرهاب الإسلامي» الذي اعتاد بوش أن يعلق مشكلاته عليه، بل هو بسبب السياسات الخرقاء لإدارة بوش التي أهدرت ما يزيد على تريليون دولار في حربي العراق وأفغانستان، ولا تزال في حاجة إلى مثل هذا الرقم لمواصلة الحرب في البلدين!

المقارنة المثيرة هي ما أشار إليها الصحافي البريطاني روبرت فيسك قبل يومين، من أن الـ700 بليون دولار التي تريد إدارة بوش أن تضخها لتحريك الاقتصاد الأميركي الواقف على شفا حفرة من السقوط، هو ذات الرقم الذي أنفقته إدارته على حرب العراق حتى اليوم!

والعجيب في الأمر أنه إضافة إلى أن الولايات المتحدة تخسر حربيها في العراق وأفغانستان من الناحية العسكرية، وعلى رغم وضوح خطورة مواصلة الحربين على الاقتصاد الأميركي المتدهور، إلا أن هذا لا يحرك ساكناً عند الإدارة الأميركية التي تصر على مواصلة الحرب في البلدين بغض النظر عن الجانب الاقتصادي!

وواقع الأمر أن الولايات المتحدة تسير في الطريق نفسه الذي سار فيه الاتحاد السوفياتي السابق في آخر سنواته، حين أصرّ على مواصلة الحرب في أفغانستان، على رغم المشكلات الاقتصادية التي كانت تواجهه، الأمر الذي كان سبباً مباشراً في سقوط الاتحاد السوفياتي في نهاية المطاف.

ولعلّ هذا التدهور الاقتصادي الأميركي يؤكد من جديد الحاجة الأكيدة لدول الخليج للتفكير الجاد باستبدال العملة الأميركية بسلّة عملات، والبحث عن استثمارات جديدة خارج القارة الأميركية. ولعله من نافلة القول إن تورط الدول الخليجية في مساندة المؤسسات الأميركية المترنّحة عن طريق الاستثمار الحكومي أو الخاص، أمر خاطئ في الوقت الراهن. لأن الاقتصاد الأميركي برمته - بسبب تخبّط الإدارة الأميركية - مقبل على كوارث مالية مستقبلية، لا يعلم مداها إلا الله! تماماً كما سقط النظام الاقتصادي الشيوعي قبل أن يتوقع ذلك أحد.

فبعد عقدين من سقوط النظرية الشيوعية بالكامل، ها هو العملاق الاقتصادي الأميركي يتلقى الضربة القاضية، ويترنح قبل أن يسقط! ولكن السؤال الذي يجب طرحه اليوم هو: ما البديل الاقتصادي العالمي بعد سقوط النظام الرأسمالي؟ هل سيكون البديل نظرية اقتصادية إسلامية عالمية؟

ولعل الإجابة تكمن في المثل الأميركي القائل: «إن الاقتصادي الجيد هو الشخص الذي يستطيع أن يخبرك غداً لماذا لم تصدق نبوءاته في الأمس عن حال الاقتصاد اليوم».
"الحياة"

التعليقات