20/02/2009 - 10:28

التعليم في القدس العربية مجدداً../ راسم عبيدات*

التعليم في القدس العربية مجدداً../ راسم عبيدات*
......لا يختلف اثنان على أن أوضاع التعليم في القدس الشرقية وصلت مستويات كارثية، والتخوم والحدود والفواصل بين التعليم الحكومي والخاص والأهلي ليست بعيدة وكبيرة. ولا نريد اجترار الحديث عن النقص في الأبنية المدرسية والغرف الصفية، بل ما أردت نقاشه هنا هو لماذا تصر دائرة المعارف العربية وبلدية القدس،على رفض تعين أي مسؤول عن التعليم الحكومي في القدس العربية من مفتشين ومشرفين تربويين من سكان مدينة القدس، رغم أن هذه المناصب حسب زعمهم مهنية وليس لها علاقة بالجانب السياسي، والإصرار على أن يكون المسؤولين عن هذا الجانب من عرب الداخل ووفق أسس ومعايير معينة، والتي أرى أنه ليس لها علاقة بالجوانب المهنية والتربوية، بل تقف وراءها اعتبارات ومقاصد أخرى والتي قد تكون من وجهة النظر الإسرائيلية أن المفتشين والمشرفين التربويين من الداخل أكثر ولاء وتفهم لمصالح للدولة.

وإذا كانت القدس زاخرة بالكفاءات والطاقات العلمية والتربوية والأكاديمية، فلماذا يتم استبعادها من شغل هذه المناصب والتعيينات؟ ويبدو أن مثل هذه المسائل أصبح يجري الحديث عنها بدلاً من الهمس "والوشوشات" بصوت عال بين مدراء ومربي المدارس العربية الحكومية في القدس. والتفكير ورفع الصوت وطرح مثل هذه المسائل له موجباته ومبرراته والتي يخشى الكثير من مدراء المدارس الحكومية من طرحها علناً خوفاً من سطوة المفتشين ودائرة المعارف، والتي يرى البعض أنها قد تدخلهم في الكثير من المشاكل والتي قد تطال مراكزهم ومواقعهم. وهذا الحديث سمعته من أكثر من مدير التقيتهم بحكم كوني ناشطا في العمل الأهلي وأحد المهتمين بقضايا التعليم في القدس. والحديث هنا ليس بقصد التشكيك والتحريض والتشهير رغم أن لدينا الكثير من التساؤلات والشكوك حول الطواقم المعينة في هذه المناصب والتي نرى أنها منفذة وخادمة لسياسة تعميق الجهل والتخلف بين أبناء شعبنا في القدس العربية.

وهذه الطاقات العلمية والتربوية والأكاديمية المقدسية عدا عن كونها أقرب إلى فهم الواقع المقدسي ومعرفة طبيعة احتياجاته وآليات وطرق النهوض بالعمليتين التربوية والتعليمية في المدينة المقدسة، فهي كذلك أكثر معرفة وقدرة في تشخيص ودراسة وتحليل الواقع والنسيج المجتمعي المقدسي، وعدا عن قضية التعيينات والتي لا تطال فقط حرمان المقدسيين من شغل هذه المناصب والمراكز، فهناك قضايا أخرى تدخل فيها الكثير من الاعتبارات والقضايا المصلحية والاعتبارات الخاصة وتغيب فيها المعايير والأسس العلمية والتربوية والأكاديمية، حيث دأبت المعارف الإسرائيلية على اختيار مدير مدرسة حكومية في القدس لمنحه جائزة المعارف كأفضل مدير إلى جانب عدد من المديرين اليهود، ولعل في هذا الجانب ما نقوله كثير حتى أن أحد مديري تلك المدارس على غرار جون بول سارتر الذي رفض تسلم جائزة نوبل للسلام ، وهذا المدير وهو المعروف عنه بكفاءته العلمية والأكاديمية والتربوية، قال بأنه يرفض أن يدرج اسمه لمثل هذه الجائزة والتي أضحى الترشيح لها يخضع لاعتبارات خارجة عن الأسس والمعاير المتعارف عليها من المهنية والكفاءة والانجاز والتطوير والإبداع وغيرها.

وهناك هناك قضية على درجة عالية من الأهمية، لها علاقة بالتسرب من المدارس وشروط القبول والنتائج والأقساط المدرسية والعلاقة من الباطن مالياً بين بعض المدارس الخاصة وبلدية القدس.

فهناك العديد من المدارس الخاصة وحتى الحكومية لا تقبل الطالب إلا عبر امتحان قبول وبمعدل لا يقل عن 80. وهذا الاعتبار والمقصد والهدف ليس حرصاً على مصلحة الطالب وتعزيز وجوده وبقائه في التعليم، بل عدا أنه مسؤول عن تسرب الكثير من الطلبة من المدارس، فإنه ضمن هذه السياسة وهذا ما نلحظه بشكل واضح وجلي في المدارس الخاصة والأهلية حيث يلتحق بصفوف المرحلة الأساسية على سبيل المثال 200 طالب وفي المرحلة الثانوية يتناقص العدد إلى عشرات، وهذا معناه أن كل الطلبة الذين معدلاتهم قلت عن 75 وما دون طلب منهم الانتقال من المدرسة أو تسربوا من المدرسة إذا لم يجدوا لهم مكاناً في مدرسة أخرى، وذلك لتحقيق جملة من الاعتبارات والأهداف، يقف في مقدمتها خلق حالة وهمية وغير حقيقية عن المستوى التعليمي لتلك المدارس وإظهارها بأنها مدارس ذات مستويات أكاديمية وعلمية عالية، وطاقم إداري وتعليمي على مستوى عال من الكفاءة والخبرة، وطبعاً هذا الهدف مرتبط بتحويل المدرسة إلى مدرسة الأوائل أو"السوبر" وهذا ما نراه ونلمسه في نتائج الثانوية العامة ونسب النجاح 100%، وله أيضاً علاقة بالأقساط التي يتم جبيها من الطلبة، والتي تزيد عن معدل الأقساط الجامعية في الجامعات المحلية وحتى الخاصة منها، علماً أنه مثبت بالوثائق والوقائع أن هذه المدارس تتلقى دعماً مالياً من بلدية القدس ودائرة معارفها عن هؤلاء الطلبة، وبالتالي على الجهات المعنية وصاحبة العلاقة أن تقوم بعملية مراجعة شاملة لهذا الجانب، والذي نرى أنه يصب في خانة دفع الطلبة إلى التسرب من المدارس وتحميل عائلاتهم أعباء مالية، قد تدفعهم للهجرة القسرية من المدينة المقدسة.

إن الحديث عن هموم ومشاكل التعليم في المدينة المقدسة متعدد المظلات التعليمية لا تكفي مقالة في جريدة أو ندوة أو محاضرة أو ورشة عمل للوقوف على تفاصيله، فكما هو الخراب "عام وطام" في كل المجلات والميادين في المدينة المقدسة، حيث غياب شبه كلي لدور السلطة والأحزاب ومؤسسات العمل الأهلي في هذا الجانب، وسياسة يجري تطبيقها وتنفيذها بوعي ومنهاجية من قبل دولة الاحتلال لتعميق سياسة الجهل والتخلف بين أبناء شعبنا الفلسطيني في المدينة المقدسة، ودفعهم إما للتسرب من المدارس والالتحاق بورش العمل الإسرائيلية، أو إلى ميادين الجريمة والأمراض والآفات الاجتماعية من التسكع وبلا هدف في الشوارع، إلى تعاطي المخدرات والانحلال الخلقي والسرقات وممارسة الرذيلة والتلهي في"الطوش" والمشاكل الاجتماعية، وبما يضمن إخراجهم من دائرة الفعل والعمل الوطني ضد سياسات وممارسات الاحتلال بحق أبناء شعبهم في المدينة المقدسة.

إن قضايا التعليم في القدس بمختلف مظلاته التعليمية وتعدد سياساته الإدارية ومرجعياته، يتطلب نبشاً ومراجعة جادة وحقيقية، ونحن نقترب من أبواب نهاية عام وبداية عام دراسي جديد، نرى الحيرة والهموم على وجوه أهالي الطلبة، والذين ترفض المدارس تسجيلهم، إما لاعتبارات "السوبرية" أو لعدم وجود أماكن لهم بسبب النقص في الأبنية والغرف الصفية، أو لعدم قدرة أهاليهم على دفع الأقساط المدرسية، وفي النهاية الضحية الطلبة ضياع وتسرب.

التعليقات