19/09/2009 - 09:42

في الإضراب العام والبناء الوطني../ عوض عبد الفتاح

في الإضراب العام والبناء الوطني../ عوض عبد الفتاح
ليس الإضراب هدفًا، ولا هو استراتيجية، أي أن هذه الوسيلة النضالية والإحتجاجية ليست بمجردها أداة التغيير، بل تـُصبح هامة جدًا حين تُدرج في سياق خطة كفاحية-سياسية وشعبية وإعلامية هدفها زجّ الشارع في العملية النضالية – عملية تغيير الواقع في المنظور الإستراتيجي، أو فرملة الإندفاعة القمعية للخصم وتسجيل نقاط ضده لصالح المقهور. وبالتالي فإنّ الإعلان عن الإضراب ليس بطولة إلا إذا كان مقرونا بتصور مستقبلي يشمل خطوات ومراحل متدرجة من العمل والبناء والتعبئة الشعبية.

قرار لجنة المتابعة بإعلان الإضراب في الذكرى التاسعة لهبة أكتوبر، أو القدس والأقصى، هو قرار هام إذا ما تمّ العمل الجدي على إنجاحه، علما أن الظروف التي سوّغت هذا القرار هي نفسها التي كانت قائمة قبل عام أو عامين أو ثلاثة أعوام أو أكثر.

منذ تسعة أعوام يتعرض شعبنا الفلسطيني في عموم فلسطين لأعتى وأشرس حملة عدوانية منذ النكبة. والمواطنون العرب الفلسطينيون في إسرائيل، حتى الذين حاول بعضهم الإحتماء بإسرائيل كإطار سياسي، دمجهم النهب المستمر لأرضهم ولثرواتهم ولهويتهم، والقتل بالرصاص، في أتون معركة وطنية توضحت مؤخرًا ملامحها ووجهتها أكثر من أي وقت مضى.

نجحت قيادة ما يسمى باليسار الصهيوني – أو حركة السلام الإسرائيلية بقيادة إيهود براك عام 2000 بإعادة تعبئة المجتمع الإسرائيلي وتجييشه ضد الشعب الفلسطيني عمومًا، بما فيه العرب الفلسطينيون في إسرائيل، واتّهمت قياداتهم بالتطرف ورفض السلام.. لأنهم رفضوا الإملاءات الإسرائيلية، ولأن عرب الداخل رفضوا التصور الإسرائيلي لهم – وهو تصور يقوم على نبذ هويتهم الجماعية، وتكريس دونيتهم إلى الأبد.

هذه التعبئة لم تتم عبر حملة إعلامية وأيدلوجية فحسب، بل تمت بوسائل عنيفة وبمستوى غير مسبوق من العنف ذكـّرت الجميع بالحرب الصهيونية عام 1948 وبالمجازر التي ارتكبتها العصابات الصهيونية.

ماذا يمكن أن يميّز هذه الذكرى؟
أحيت الجماهير الفلسطينية داخل الخط الأخضر عبر السنين مناسباتها الوطنية بالمظاهرات القطرية والندوات، وثابرت، وعبر أطرها المختصة القانونية والشعبية، على إبقاء موضوع محاكمة المجرمين الذين قتلوا 13 شابًا، حيًّا. وكان لجميع هذه النشاطات دورًا تثقيفيًا وتعبويًا للناس وللأجيال الشابة تحديدًا. ويظل لهذه النشاطات دور مركزي في الحفاظ وبلورة الوعي الجماعي.

كما أن النقد الذي مورس على المستوى الداخلي، والذي هدف بغالبيته إلى الإعلاء من شأن هذه الذكرى وتعميق أبعادها ومعانيها بحيث تتحول إلى قوة مادية، أي قوة مُنظمة ورافعة للنضال وإحداث التغيير في المبنى السياسي والإجتماعي للمجتمع العربي الفوقي والتحتي لعب دورًا هامًا في منع الإنحلال الجماعي.

وكما هو معروف؛ فإن الهبة الشعبيّة داخل الخط الأخضر لم تكشف حجم الغضب المتراكم فحسب، والذي جرى التعبير عنه في شوارع وأزقة المدن والقرى العربية بجرأة نادرة على مدار أربعة أيام متتالية، كما لم تكشف المستوى الأخلاقي للنظام الصهيوني فحسب، بل كشفت أيضـًا قصورات المبنى القيادي لعرب الداخل. إذ تبين أن التطورات النوعية الهامة التي حصلت في العقدين اللذين سبقا الهبة، لم تكن كافية لاستيعاب هذا الحدث الكبير وإدارته بصورة أفضل.

ولذلك فإن ما يجب أن يُميّز هذه الذكرى باعتقادنا، هو خطوتان؛ إحداهما تكتيكية – ومباشرة، والأخرى استراتيجية.
الأولى؛ العمل الجدي، عبر التعاون مع كل الأطر لإنجاح الإضراب العام؛ إضافة إلى الجهد الفردي أي جهد كل حزب على حدة، كإصدار ملصقات تدعو لإنجاح الإضراب، وتنظيم التظاهرات والندوات والإجتماعات الشعبية، والخطب في المساجد والكنائس. وهذا يتطلب تشكيل لجان ميدانية مشتركة من جميع الأحزاب واللجان والهيئات الشعبية والشخصيات الإعتبارية، يتابعها مكتب رئيس لجنة المتابعة – أي التأكد من إقامتها قبل أسبوع من الإضراب على الأقل. وهدف الإضراب، هو إحياء ذكرى الشهداء الأبرار، والتأكيد على الإصرار والتصدي لكل ما صدر ويصدر من ممارسات وحشية، ومن مخططات معادية وعنصرية ضد عرب الداخل، والتأكيد على هويتهم الجماعية وارتباطهم بشعبهم وأمّتهم، والإصرار على مواصلة الكفاح من أجل انتزاع حقوقهم المشتقة من كونهم أصحاب الأرض والوطن، ومن كونهم مواطنين في هذا البلد.

الخطوة الثانية؛ وهي الخطوة الأهم لما لها من بعد استراتيجي بالنسبة لحاضر ومستقبل عرب الداخل. تتمثل هذه الخطوة بتشكيل هيئة من القوى المعنية بإعادة بناء لجنة المتابعة بصورة جذرية، والبدء فورًا بعد مرور الذكرى، بالإنتقال إلى عملية التحضير المنهجية لهذا المشروع.

إن انتظار تغيير في مواقف التيار الرافض لهذا المشروع هو تكريس واقع الضعف الخطير الذي ينكشف في واقعنا كل يوم، هذا الضعف المتمثل في غياب العمل الشعبي العارم ضد المخططات العنصرية والمعادية الخطيرة الموجهة ضدنا.

لا يمكن انتشال الفلسطيني في إسرائيل من حالة الحصار الثقافي والمالي والسياسي في ظل غياب مؤسسة قومية عربية منتخبة تحشد الناس حولها، وتحظى باحترامهم وتتجاوب مع قراراتها. ولدى حزب التجمع اقتراح لتصوّر مفصّل حول كيفية تشييد هذه المؤسسة القومية الضرورية جدًّا ولدى آخرين أيضـًا تصورات، وقد حان الوقت للإنتقال إلى العمل.


التعليقات