04/10/2009 - 15:23

الاستراتيجيات الفلسطينية والغرق في التكتيك الفاشل.. الموقف من تقرير غولدستون نموذجا/ ناصر السهلي

-

الاستراتيجيات الفلسطينية والغرق في التكتيك الفاشل.. الموقف من تقرير غولدستون نموذجا/ ناصر السهلي
في مؤتمر حول مستقبل القضية الفلسطينية في ظل تآكل إمكانية الدولة بجامعة القدس، وقف السيد عبد الله الحوراني، وهو شخصية قومية عربية من المؤسسين لمنظمة التحرير الفلسطينية، ليقدم عرضا مثيرا أمام جمهور من الأكاديميين الفلسطينيين والدوليين حول منظمة التحرير الفلسطينية وتاريخ الإخفاقات التي مرت بها.. تحدث عبد الله الحوراني الذي يحتفظ بعضوية اللجنة التنفيذية (كمستقل) عن الكثير من الأخطاء التي مورست على مدى عمر المنظمة.. بالطبع لم يكن الحوراني، القادم من غزة للمشاركة في المؤتمر الذي اختتم بعيد ظهيرة السبت 3 أكتوبر، يقدم عرضا تشخيصيا فحسب بل ذهب بجرأة نحو اعتبار المنظمة في طريقها نحو فشل استراتيجي مستقبلي.. يتكرر دون استيعاب الدروس الفاشلة.. واستوقفتنا عبارته: لن يكون هناك مصالحة فلسطينية حقيقية!

في ذات الاتجاه تحدث وزير خارجية الأردن الأسبق كامل أبو جابر، الذي قاد الوفد الأردني- الفلسطيني المشترك إلى مؤتمر مدريد.. وأبو جابر اعترف تكرارا ومرارا بأنه ورغم متابعته الدائمة للقضية الفلسطينية، إلا أنه وبعد رؤيته للقدس للمرة الأولى منذ احتلالها شعر بحجم الكارثة.. بمعنى آخر اعترف أبو جابر بالفرق بين معايشة الواقع والتنظير له دون معرفته الحقيقية له..

زياد أبو زياد، وهو وزير سابق في السلطة الفلسطينية ومن الذين شاركوا في مفاوضة الجانب الإسرائيلي منذ مدريد، استوقفتني أطروحتان من جملة ما قدمه.. تمثلت الأولى في القول: الحل الأمثل للانقسام الفلسطيني يتمثل في حل قائم على كونفدرالية بين غزة والضفة!.. والثانية محاولة التبرؤ من منظمة التحرير وسياساتها الداخلية والتفاوضية.. والذهاب نحو القول بأن كارثة القضية الفلسطينية كانت في اعتبار م.ت.ف ممثلا شرعيا ووحيدا.. وفك الارتباط الأردني- الفلسطيني..
إذن، كونفدرالية بين أبناء الوطن! وكارثة فك الارتباط مع الأردن!..

م.ت.ف التي تم تأسيسها في فترة المد القومي العربي لم تكن، كما حاول البعض التنظير لها، محاولة عربية ولا ناصرية للتخلص من "أعباء القضية الفلسطينية".. وقد تابعنا ما قاله عبد الله الحوراني بنفي هذه النظريات تماما باختيار قيادة المنظمة سحب القضية نحو قطرية مغرقة بالعزلة عن العمق العربي.. وهو ما أنتج سياسة عربية رسمية (أكثرها من معسكر الاعتدال العربي، حسب تصنيفات المرحلة) تعتبر القضية الفلسطينية مسألة تخص الفلسطينيين لوحدهم..

تساءل نائب وزير خارجية جنوب أفريقيا الأسبق (بعيد سقوط نظام الفصل العنصري) عزيز دوهاك عن الإستراتيجية الفلسطينية وعما يريده الفلسطينيون من أصدقائهم حول العالم وعن التوقف عن التنسيق مع الحركات المتضامنة مع القضية الفلسطينية وإرباكها بسياسات غير واضحة..

تخبط فلسطيني واضح.. تقرير غولدستون يوضح


ربما تمثل سياسة التعامل مع تقرير غولدستون وسحب رفع تقريره ليصل إلى المحكمة الجنائية الدولية لمحاكمة المسؤولين عن جرائم الحرب في غزة أنموذجا لما وصلت إليه الاستراتيجيات الفلسطينية..

حين كان السيد صائب عريقات يُسأل عما إذا كان هناك توجه لسحب رفع التقرير أجاب بالنفي القاطع، وبأن السياسة الرسمية الفلسطينية هي الاستمرار في مناقشة التقرير ورفعه لتقديم المسؤولين عن جرائم الحرب إلى محاكمات يدفعون فيها ثمن ما اقترفوه، وبأن فلسطين أصلا "عضو مراقب في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة"..

لم تمر أيام على تناولي الشخصي لمسألة "المقايضة" حتى جاءنا الجواب المرتبك.. فالجانب الفلسطيني وعلى لسان خريشة في جنيف تحدث عن أن الجانب الفلسطيني لم يطلب التأجيل على القرار! بل رد ذلك إلى منظمة المؤتمر الإسلامي ومجموعة من الدول العربية!..

لم يتأخر رد أوغلو ( الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي) بالقول: بأن التأجيل تم بتوافق أميركي – فلسطيني.. ولم يتأخر السيد نمر حماد بالقول من على الجزيرة بأن أوغلو لا يعرف الحقيقة.. ( نشرة الجزيرة منتصف السبت)..

في الحالتين نجد تخبطا حقيقيا.. فالتعويل على تصويت الولايات المتحدة إلى جانب القرار أمر عجيب غريب في ظل ما هو معروف بأن الكثير من القرارات المتعلقة بالقضية الفلسطينية تم استخدام حق النقد الفيتو ضدها.. تماما كما لم يكن هناك إجماع غربي لتجريم ممارسات الاحتلال.. والجديد هنا أن م.ت.ف وهي المفترض أنها المخولة بمتابعة ملفات الشعب الفلسطيني في الكثير من المحافل الدولية خرجت بعض فصائلها بمواقف واضحة معارضة لتأجيل هذا التقرير (راجع مواقف الشعبية والديمقراطية وحزب الشعب) بل وشخصيات محسوبة على فتح.. عدا عن حالة الصدمة التي أصابت الشعب الفلسطيني والقوى العربية والدولية المناصرة له.. وذهاب منظمة العفو الدولية نحو مطالبة بان كي مون برفع التقرير إلى مجلس الأمن الدولي.. وهي مواقف تدل على أن محاولات تأجيل هذا التقرير يجري بعقلية المراهنة على ما يجري في واشنطن من مفاوضات يتوسط فيها الطرف الأميركي.. (ترى ما الذي قصده أبو الغيط حين صرح "الأسابيع الثلاثة القادمة ستشهد تحولا كبيرا في القضية الفلسطينية"؟)..

أولا: كيف لمنظمة التحرير الفلسطينية أن تقبل تحت أي ظرف من الظروف كل هذا "التلاعب" الذي يتم بحق قرار يتعلق بجرائم حرب واضحة في التقرير الدولي، هذا إذا أخذنا بالرواية القائلة بأن "المنظمة لم تكن طرفا في التأجيل" ثم نقيضها " لقد استمعنا إلى نصائح الأصدقاء".. ثم من الإدعاء بأن ممثلي منظمة المؤتمر الإسلامي والدول العربية هم من يحق لهم سحب القرار أو تأجيله إلى " أوغلو لا يعرف الكثير من الحقائق"... أليس في ذلك كله استنتاجات توضح التخبط وعدم الوضوح منذ البداية؟

ثانيا: ألم تثبت هذه القضية كيف أن اللعب على وتر التكتيك وغياب الاستراتيجيات الواضحة لابد أن ينتج لنا سياسة تنتهج الرهان على مواقف الآخرين وتغييب عوامل الاعتماد على الذات والحقائق بدل بروز الموقف الفلسطيني وكأنه فعلا يقوم بعملية مقايضة تكتيكية بائسة الشكل والنتائج على مدى 18 عاما من ذات الممارسات؟

ثالثا: ماذا كان يضير لو أن وضوحا إعلاميا وسياسيا وبعض الشفافية تم اعتمادها في الكثير من المواقف والسياسات الفلسطينية؟ فهل لا يستحق الشعب الفلسطيني من صناع القرار بعضا من احترام العقل.. ووضع العرب والمجتمع الدولي أمام مسؤولية تعيد شيئا للقضية الفلسطينية التي تم عزلها عن محيطها العربي والدولي..

رابعا: في العودة إلى مؤتمر جامعة القدس الذي ذكرناه في البداية تساءل بعض الأكاديميين والسياسيين عما تعنيه عملية القطيعة مع الأحزاب والقوى العربية والاستعاضة عنها بعلاقات رسمية؟.. وقد ذكر السيد الحوراني هذه القضية بشكل فاجعي حين ذكر التحولات التي جرت من خلال الخلط القاتل بين سياسات السلطة والمنظمة وتحويل الأخيرة لذراع للأولى..

خامسا: من يستطيع أن يثبت بأن "الأصدقاء" كان لديهم تحفظ على التقرير؟ بمعنى آخر كيف يمكن لنا أن نتحدث عن حلفاء وأصدقاء وهؤلاء في الخطابين الإعلامي والسياسي قد تحولوا إلى حالة من التحفظ على ما هو في مصلحة الشعب الفلسطيني؟

شخصيا أجد أن هذه السياسات هي سياسات كارثية تحمل في مضامينها ضعفا وترددا وتعويلا على المجهول في تجاهل اعتماد سياسة مراجعة شاملة ومكاشفة حقيقية أمام الشعب الفلسطيني الذي يتم حشره في الاختيار بين سياسة الوجهين لعملة واحدة.. هي سياسة التخبط والارتباك..






التعليقات