07/10/2009 - 08:27

الجولان أو الخسران../ فيصل جلول

الجولان أو الخسران../ فيصل جلول
بعد توقيع اتفاق وقف النار بين سوريا و”إسرائيل” أثناء اجتياح لبنان (1982) لم تقع مجابهة عسكرية مباشرة بين الطرفين. علماً أن وقف القتال تم بعد أن زجت سوريا في معركة البقاع الغربي جزءاً كبيراً من طيرانها الحربي في مجابهة غير متكافئة وتعرضت لخسائر مرتفعة للغاية لكي تحمي قواتها البرية التي تمكنت من وقف الزحف “الإسرائيلي” نحو البقاع الشمالي وبالتالي استكمال احتلال كل لبنان وتطويق دمشق عبر قوس يمتد من جبل الشيخ مروراً بالبقاع وصولاً إلى تخوم حمص. وكانت السيطرة على هذا القوس تعني أن سوريا كلها صارت تحت رحمة المحتل الصهيوني.

والجدير ذكره أن “إسرائيل” تعرضت لخسائر بشرية مرتفعة في معركة “السلطان يعقوب وبيادر العدس” المحاذية للحدود اللبنانية السورية، ومازال مصير عدد من الجنود “الإسرائيليين” مجهولاً منذ ذلك الحين. والراجح أن أرييل شارون وزير الحرب الأسبق الذي كان يخوض المجابهة بنفسه قد أدرك أن معركة البقاع الغربي هي معركة حياة أو موت بالنسبة لسوريا، وأن دمشق مستعدة لتحمل كل الخسائر المتوقعة في حرب مفتوحة وطويلة، ولكنها لن تسلم باحتلال البقاع الأمر الذي أدى إلى وقف النار وتراجع القوات “الإسرائيلية” إلى أطراف البقاع الغربي المحاذية لجنوب لبنان.

وإذ رسم الرئيس الراحل حافظ الأسد خطاً أحمر للتحرك “الإسرائيلي” في الأراضي اللبنانية عند حدود مشغرة، وكف عن المجابهة العسكرية المباشرة مع الكيان الصهيوني، فإن معركة “السلطان يعقوب وبيادر العدس” شكلت منعطفاً في المجابهة غير المباشرة بين الطرفين، ففي ذلك العام ولدت المقاومة الإسلامية اللبنانية، وفي ذلك العام اغتيل الرئيس بشير الجميل المنتخب تحت الاحتلال وخرجت منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان، وأعيد ترتيب الأوضاع في هذا البلد وفق استراتيجية تقضي بحرمان “إسرائيل” من كل الأفضليات التي حققتها في الحرب المذكورة بل متابعتها إلى ما بعد الحدود اللبنانية، وقد تم ذلك في العام 2000 وتواصل حتى اللحظة مروراً بحرب العام 2006 لتنقلب خريطة المجابهة رأساً على عقب، فبدلاً من أن تطوق القوات الصهيونية دمشق عبر الأراضي اللبنانية في العام 1982 ها هي صواريخ حلفاء سوريا في جنوب لبنان تهدد تل أبيب، ولعل هذا الحال ما كان بوسع أحد تخيله عند توقيع اتفاق وقف النار في العام المذكور.

وبعد مضي أكثر من ربع قرن على معركة “السلطان يعقوب” مرت في نهر الشرق الأوسط مياه كثيرة، فقد سقط الاتحاد السوفييتي حليف سوريا الاستراتيجي، وطغت القوة الأوحد على العالم، ودمرت العراق واحتلت أراضيه، وخرجت مصر والأردن من الحرب واغتيل ياسر عرفات.. الخ، وظلت سوريا ممراً اجبارياً للسلام، وهي تكاد اليوم أن تكون ممراً اجبارياً للحرب، ذلك أن خلاصة كسينجر الشهيرة: "لا سلام في الشرق الأوسط من دون سوريا ولا حرب من دون مصر" ما عادت واقعية بعد حرب تموز عام 2006 وحرب غزة عام 2008 وبداية 2009.

بعد مضي أكثر من ربع قرن على توقيع آخر اتفاق لوقف النار بين سوريا و”إسرائيل” تعود قضية الجولان مجدداً إلى الواجهة لتقول لمن يرغب في هذا العالم إن مصير السلام والحرب في الشرق الأوسط معلق على هذه الهضبة التي لا تتعدى مساحتها ال 1250 كلم مربع.

بعد مضي أكثر من ربع قرن على تلك المعركة ما عاد بوسع “إسرائيل” طي صفحة الجولان إلا إذا قررت “أن تندم على كل يوم يمر من دون أن توقع السلام مع جيرانها” كما رأى بعد فوات الأوان رئيس وزرائها المنصرف ايهود أولمرت.. إذن الجولان أو الخسران لا أكثر ولا أقل.
"الخليج"

التعليقات