10/10/2009 - 10:14

الدولة العباسية../ مصطفى إبراهيم*

الدولة العباسية../ مصطفى إبراهيم*
من الضروري التذكير بمراحل تاريخية معينة والاستعانة بالتاريخ، وما مرت به القضية الفلسطينية من محطات هامة، وآلية اتخاذ القرار في "الدولة العباسية" ممثلة بالرئيس محمود عباس، وعدم حصوله على إجماع يمكنه من إقناع الفلسطينيين بقدرته على قيادتهم منذ توليه السلطة.

فالجدل في الساحة الفلسطينية حول شخصية الرئيس عباس لم يتوقف منذ قبوله استحداث وتولي منصب رئيس وزراء في النظام السياسي الفلسطيني تحت التهديد والضغط الأمريكي والإسرائيلي للرئيس الراحل عرفات، وما تلا ذلك من خلاف في الساحة الفلسطينية.

بعد استشهاد الرئيس عرفات تولى الرئيس عباس قيادة المنظمة والسلطة وفتح، ومنذ توليه القيادة اتبع سياسة التفرد كنهج في اتخاذ قرارات مصيرية تتعلق بمصير القضية الفلسطينية، بدءاً من الخطوة الخطيرة الانفرادية والأولى التي أقدم عليها أول رئيس للشعب الفلسطيني باجتماعه برئيس الوزراء الإسرائيلي أرئيل شارون بمنزله في مدينة القدس في 21/6/2006.

مع أنه سبق ذلك اللقاء عدد من اللقاءات مع شارون عندما كان عباس رئيساً للوزراء، فكان اللقاء الأول مع شارون أيضاً بتاريخ 17/ 5/2003، في مكتبه، وقناعة الرئيس عباس بالسلام كخيار استراتيجي لحل القضية الفلسطينية، واستمراره في المفاوضات مع الإسرائيليين بناء على ما نصت عليه خارطة الطريق، والتزام الرئيس والسلطة بتطبيق الشق الأمني و"محاربة الإرهاب"، في حين أن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة لم تنفذ شيئا منها.

ولم تكتف الحكومات الإسرائيلية بذلك، بل ظلت تدعي أنه لا يوجد شريك فلسطيني واستمرت بوصف الرئيس عباس بالرجل الضعيف، وأنه لا يتمتع بالشعبية والقوة اللازمة للقضاء على "الإرهاب الفلسطيني".

القيادة الفلسطينية الحالية والسابقة كانت ومازالت تتغنى بالديمقراطية الفلسطينية والشراكة السياسية والتداول السلمي على السلطة، إلا أن واقع الحال الفلسطيني غير ذلك تماماً، فالرئيس عباس متهم من قبل بعض الأطراف الفلسطينية، بمن فيهم شركاؤه في اللجنة التنفيذية، بأنه من عطل اتفاق القاهرة في العام 2005، المتعلق بإعادة بناء منظمة التحرير، بناء على وثيقة الوفاق الوطني التي اعتبرت أول وثيقة اتفاق وطني يجمع عليها الفلسطينيين.

ليس ذلك فقط بل إن الرئيس عباس اتخذ العديد من القرارات المصيرية والخطيرة من دون العودة إلى اللجنة التنفيذية للمنظمة، ومن تلك القرارات والخطوات التي تعتبر كلها خطيرة كان آخرها سحب تقرير جولدستون وتبرئة قادة دولة الاحتلال من جرائم الحرب التي ارتكبوها بحق الفلسطينيين في قطاع غزة، وما تلا ذلك من تداعيات خطيرة في الساحة الفلسطينية.

ومن تداعيات تقرير جولدستون، ما تم الكشف عنه من آلية اتخاذ القرارات والتي تعتبر خطيرة جدا من دون العودة إلى المرجعيات الفلسطينية، وتفرد الرئيس عباس باتخاذ القرارات وطريقة قيادته للفلسطينيين ما جاء في البيان الصحافي الذي وزعته فصائل اليسار الفلسطيني في قطاع غزة في تاريخ 7/10/2009، حيث ذكرت فيه:
"إن موافقة السلطة على تأجيل التصويت على تقرير جولدستون بدون العودة إلى الهيئات القيادية للشعب الفلسطيني وبشكل خاص اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية يعكس استمراراً لسياسة التفرد في اتخاذ القرار واستهتاراً بالمرجعيات القيادية الوطنية رغم كل المراجعة والقرارات التي اتخذت بهذا الشأن".

ويضيف البيان "ورغم ما جرى التأكيد عليه بعد استكمال عضوية اللجنة التنفيذية، ومناقشة آليات عملها، فسياسة التفرد هذه لا تتعلق بقضايا إجرائية وإنما مست وتمس قضايا رئيسية لم تتوقف على ما جرى بشأن تقرير جولدستون، بل سبقها تقديم تصور قبل أشهر للإدارة الأمريكية حول الرؤية الفلسطينية لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بدون مناقشة أو إطلاع للجنة التنفيذية على هذا التصور حتى اللحظة رغم المطالبة المتكررة بذلك، ثم جرى تجاوز موقف اللجنة التنفيذية القاضي بعدم المشاركة في أي لقاء مع حكومة نتنياهو بما في ذلك اللقاء الثلاثي ما لم تلتزم حكومة إسرائيل بوقف الاستيطان".

ليس هذا بجديد، وما يقوم به الرئيس عباس من تفرد باتخاذ القرارات من دون العودة إلى المرجعيات الفلسطينية خاصة اللجنة التنفيذية، فقضية تعيين السفراء والأنباء التي تحدثت منذ زمن غير بعيد عن آلية تعيين السفراء الفلسطينيين في دول العالم، وتعيين سفراء من لون واحد ولا يملك بعضهم الحد الأدنى من المعرفة بالقضية الفلسطينية، وبعضهم متهم بالفساد واستخدام السفارات كغطاء للتطبيع، والتجارة وجمع المال، ولا يقدمون الحد الأدنى من الخدمات للفلسطينيين.

عدا عن ذلك ابتزاز الفصائل الفلسطينية بالميزانيات المالية المتعلقة بمخصصات الفصائل وآلية توزيعها، حيث يمنحها ويحجبها حسب المواقف السياسية لتلك الفصائل، وحسب المعلومات فإن الرئيس يعرض خلال اجتماعات اللجنة التنفيذية ما يريد أن يعرضه، ويخفي ما يريد أن يخفيه.

هذا هو واقع الحال لدى الفلسطينيين، قيادتهم تقودهم باعتبارهم مفعولا به، وتتحكم بمصيرهم وقضيتهم من خلال الرؤية الخاصة بـ"الدولة العباسية" للرئيس عباس وفريقه، واعتبار القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني ملكية خاصة وهذا ما يوصلنا إلى نتائج أكثر من كارثية.

التعليقات