11/10/2009 - 19:12

حصر الخطر على الأقصى خطأ وخطر../ حنين زعبي

حصر الخطر على الأقصى خطأ وخطر../ حنين زعبي
تتوالى الأحداث السياسية في هذه الفترة بسرعة، وتخلف عناوين هي عمليا أجندات المرحلة القادمة. نجاح إضراب أكتوبر 2009، وما يعنيه من جهوزية سياسية، ما يحصل الآن في الأقصى وضد الحركة الإسلامية الشمالية، وإعفاء إسرائيل من محاكمة وإجراءات دولية كمجرمة حرب ليس أقل، هي العناوين للأحداث القادمة.

ومن هنا نستطيع أيضا تلخيص المهام المقبلة، أولا: عدم إجهاض نجاح إضراب 2009، واستثماره في تطوير النضال الفلسطيني في الداخل، ثانيا: تحويل قضية الأقصى إلى قضية القدس، وإرجاع المعركة –دينية الخطاب- إلى قاموسها القومي والفلسطيني، ومنع إسرائيل من الاستفراد في الحركة الإسلامية الشمالية، وتحويل ملاحقتها إلى قضية نضالية عربية، ثالثا: إبقاء تقرير جولدستون حيا ومحتدما على الأجندة الدولية بكافة الطرق، ومحاكمة المتسببين في إخراج إسرائيل من خانة مجرمة الحرب، خانة جهزت دوليا على المستوى الدولي الرسمي وأجهضت فلسطينيا، وفي هذا سابقة سياسية لم تحدث من قبل.

لقد كشف بروز عنوان "الأقصى" في المواجهات بين الفلسطينيين، مقدسيين ومن الداخل، وبين شرطة إسرائيل، حقيقة خروج عنوان "القدس" من النضال الفلسطيني. وفي نفس اليوم الذي قام فيه وفد لجنة المتابعة بزيارة ضرورية ومهمة إلى الأقصى، قامت إسرائيل بوضع حجر الأساس لحي يهودي في جبل المكبر.

لم تقم الإجراءات الإسرائيلية ببناء أحياء يهودية في القدس، أو بالاستيلاء على بيوت فلسطينية بجر ربع ردود الفعل التي يجرها دخول يهود إلى باحة الأقصى. وهذا يدل على انعدام نضال سياسي حول القدس، وإخراج القدس حتى من ساحة "الاهتمام" الفلسطيني الرسمي، لتبقى المشاعر الدينية حول الأقصى هي وحدها الفاعلة على الساحة، وهي وحدها المستعدة للتحرك والمواجهة.

لقد شهدت الأشهر الستة الأخيرة عدة اعتصامات تتعلق بهدم بيوت بل أحياء فلسطينية كاملة والاستيلاء على أحياء أخرى، ممهدة الطريق لتهويد أقسام كاملة من المدينة. حضر الإعتصامات مقدار أصابع يدين اثنتين من المقدسيين، منهما شخصان بالعدد يمثلان سلطة رام الله، وكان دورهما كدور أي مواطن عادي، الاحتجاج. وكانت تصريحات أحدهما تتلخص في أنه كـ"سلطة" يدعم المجهود الدولي في وجه إسرائيل.

أي أنه لا "مجهود" – لكي لا نقول مقاومة أو نضال، أو إحدى هذه المرادفات غير المستساغة من قبل سلطة رام الله- في مواجهة إسرائيل، لكنها "مستعدة" لدعم المجهود الدولي، وكأن قضية فلسطين والقدس هي قضية أوروبا، والمطلب من الفلسطينيين هو مجرد الدعم، إلى أن اتضح في فضيحة جولدستون، أنها تستطيع الذهاب أبعد من ذلك، وهي عمليا مستعدة أن تجهض مساعي ونضالا دوليا يضع إسرائيل في خانة مجرمة الحرب.

السلطة تخلت عن القدس، ليس فقط على مستوى الايحاءات السياسية الواضحة، وربما الرسائل السياسية الواضحة، إنما أيضا على مستوى الدعم المادي أو القضائي أو الإداري لسكان القدس، كما يتضح من حديث الموكلين بملف القدس. سكان القدس المناضلون، وسكان القدس المحبطون، لا يكادون يذكرون اسم السلطة على لسانهم، فهي غائبة عن وعيهم، وليست غائبة فقط من الحسابات الإسرائيلية.

لقد اقتصرت حالات النضال في القدس على شكلين: النضال الفردي للسكان المقدسيين، ولهيئات حقوقية،
والنضال الديني، والأخير فقط ينجح في إبقاء القدس كمنطقة مواجهه مع الإسرائيليين.

من جهتها، قامت إسرائيل بفك الارتباط التجاري والاقتصادي والحياتي الوثيق الذي كان قائما بين القدس وبين الضفة الغربية، وأخرجت القدس نهائيا من مركزية الحياة اليومية للفلسطينيين تحت الاحتلال. ثم فهمت وأفهمت ضمنيا وصراحة، من قبل السلطة، أن القدس لم تعد تشكل مشكلة سياسية، وأنه لا شيء يقف أمام تهويدها الكامل، الحاصل فعلا.

لكن بقي أمر واحد، عائق واحد، هو ما يشكله الأقصى، من مركزية في الحياة الفلسطينية العامة، وليس السياسية، لقد بقي الأقصى الرباط العملي ونوعا ما السيادي الوحيد للفلسطينيين مع القدس. بالتالي تهديد الأقصى، هو عمليا ليس جزءا من حرب "دينية"، وليس حربا على مكانة الأقصى فقط، بل هو جزءٌ من معركة السيادة على القدس، وضرب لما تبقى من علاقة مادية بين الناس وبين هذه المدينة، وهذا الحديث لا ينفي وجود خطر حقيقي على الأقصى.

وإذا كان الأقصى بالمفهوم الإسرائيلي، ما تبقى عمليا للفلسطينيين في القدس، وإذا كانت إسرائيل تستهدف الأقصى لكي تفك الارتباط بين غير المقدسيين وبين القدس، لتسقط القدس بكاملها بين يديها، فإن حصر النضال حول الأقصى لوحده، لن يعيد لنا القدس.

وكما تقرأ إسرائيل الآن المعركة على القدس بأنها معركة على الذي بقي فلسطينيا في القدس (الأقصى)، وبما أن الذي بقي فلسطينيا في القدس يستخدم من قبل الطرف الآخر دينيا، ولا يرى منه إلا معناه الديني، تضيع منا فرصة إعادة تثبيت أجندة النضال حول القدس.

بالتالي مهمتنا، الوطنية في الداخل، هو النضال ضد المحاولات الإسرائيلية الاستفراد بالحركة الإسلامية الشمالية، وعلى لجنة المتابعة والتيارات السياسية المركزي الفاعلة التجند الكامل ضد هذه المحاولات، إعلاميا وجماهيريا وبرلمانيا، لأن المحاولات الإسرائيلية الجدية القادمة لتطويق الحركة وتقييدها سياسيا، وإخراج الأقصى من ساحة النضال، هي عمليا محاولات إسرائيلية لإحكام الحصار حول القدس.

من جهة أخرى، ينتظر من الحركة الإسلامية الشمالية نفسها، إعادة مركزية النضال الفلسطيني ضد الاحتلال ومن أجل القدس إلى إطار النضال حول الأقصى. النضال السياسي ضد الاحتلال يحمي الأقصى، وفي نفس الوقت، الالتفاف حول الأقصى يستطيع أن يشكل مسارا للتعبئة السياسية للنضال من أجل القدس.

التعليقات