14/10/2009 - 11:36

تركيا الحقيقة الإقليمية الجديدة../ غالب قنديل*

تركيا الحقيقة الإقليمية الجديدة../ غالب قنديل*
موقف جديد للحكومة التركية يتصل مباشرة بموقع تركيا في المنطقة وبالتحديد بموقفها من الصراع العربي الإسرائيلي، ولكن هذه المرة يأتي الموقف مباشرة من صيغة التعاون العسكري التركية الإسرائيلية تحت الرعاية الأميركية عبر إعلان رفض مشاركة الطيران الإسرائيلي في تدريبات مشتركة مع سلاحي الجو الأميركي والتركي، وهي كانت مقررة سابقا، وما استوقف المراقبين هو إعلان الإعلام التركي للتأجيل أو للتعليق باستعمال تعابير سياسية من نوع أن الطائرات التي شاركت في قصف غزة غير مرحب بها في تركيا.

اجتهد العديد من المحللين في محاولة تفسير المواقف التركية وفهممها منذ العلامة الفارقة التي حملتها خلال حرب غزة قبل أشهر. ويمكن أن نسجل العناصر التالية في تحليل خلفيات الموقف التركي:

أولا الحكم القائم في تركيا تقوده حركة سياسية شعبية ذات اتجاه إسلامي، وهي تعزز حضورها في المجتمع التركي وداخل مؤسسة الجيش التي باتت متناغمة مع سياسات الحكومة التركية الإقليمية منذ رفضها السماح للقوات البرية الأميركية بالعبور إلى العراق من أراضيها.

الواقعية السياسية والليبرالية الاقتصادية التي تميز حكم العدالة والتنمية في تركيا وتتبدى من خلال العلاقات المستمرة والنامية مع الولايات المتحدة والغرب عموما ومع استمرار الطموح الأوروبي تتجاور مع اكتشاف القيادة التركية لخطوط الحركة والشراكة والمصالح الاقتصادية والإستراتيجية في الشرق العربي والإسلامي وفي العلاقات مع روسيا، وآخر المطاف في المصالحة التاريخية مع أرمينيا.

يبدو واضحا أن الإستراتيجية التركية تنطلق من إمكانية واقعية لبناء دور فاعل إقليميا ودوليا يتخطى حصرية العمل لدخول الاتحاد الأوروبي الذي يواجه الطلب التركي برفض واعتراضات تنتمي لحقبة بوش ولمفاهيم التمييز الديني والتصادم الحضاري التي شحنها المحافظون الجدد في مضمون السياسة الخارجية للولايات المتحدة.

ثانيا الهوية الإسلامية للشعب التركي وللقيادة التركية تعطي وزنا خاصا للقضية الفلسطينية في الموقف السياسي وتعبيراته المختلفة وهو ما يتبدى من خلال حرارة التفاعل التركي مع الحدث الفلسطيني مؤخرا بعد تمادي العدوانية الصهيونية وتقدم مخطط تهويد القدس الذي حرك تظاهرات حاشدة شاركت فيها قوى عديدة وبينها منافسون إسلاميون أقوياء للحزب الحاكم.

الاستقرار التركي وتعزيز مكانة القيادة السياسية الحاكمة يرتبطان بالميل للتماشي مع المناخ الشعبي في التمسك التركي بموقف واضح من إسرائيل والرسالة التركية الجديدة تعبر بواقعية عن هذا الميل الموضوعي الذي يناسب المصالح التركية العامة ومصالح الحزب الحاكم بصورة خاصة.

ثالثا من الواضح أن الموقف الأخير يرتبط بالتوجهات السياسية الإقليمية التي سلكتها تركيا منذ انطلاق التفاعل التركي السوري الذي أسسه الرئيس بشار الأسد و أعطاه اهتماما خاصا منذ العام 2000، وينبغي الانتباه في هذا المجال إلى التأثير الكبير والمحفز للسياسة التركية الجديدة الذي حملته المبادرات السورية سواء على الصعيد الثنائي الاقتصادي والسياسي والأمني وهو بلغ حد التأسيس لشراكات كاملة تنطلق من توسع التبادل و الاستثمارات المشتركة ومن تحويل المناطق الحدودية الممتدة من بؤر حذر و نزاع إلى مساحات رحبة للشراكة محررة من أي قيد.

وفي هذا السياق يصح التنويه الذي انتبه إليه بعض المحللين حول الحرص التركي على العلاقة الوثيقة مع سوريا، وعلى ترسيخ الانطباع الشعبي العربي الذي تحرك منذ حرب غزة، وكذلك على تحصين التقارب مع إيران عشية محطة قادمة من اللقاءات بين القيادتين التركية والإيرانية والتي تقع في إطار العمل على بناء تكتل إقليمي عربي إسلامي يلح الرئيس الأسد على فرصة تكونه في المنطقة، وهو يتطلع لضم دول الخليج إليه وبصورة خاصة المملكة السعودية الإضافة إلى سوريا و تركيا و إيران والعراق.

الفضاء العربي والإسلامي يتضمن إمكانات هائلة للتعاون الاقتصادي والسياسي والثقافي التي تشجع تركيا على متابعة مسارها الجديد وهذا العامل يشكل تحولا مهما وكبيرا لمصلحة القضية الفلسطينية والعرب عموما، وهو البديل الواقعي عن مشاريع النظام الإقليمي التي رسمها الأميركيون منذ التسعينيات على أساس محورية الدور الإسرائيلي المهيمن في المنطقة.

تركيا تتحرك في فضاء الشرق العربي والإسلامي الذي يقيم علاقات تعاون تنطلق من هويته ومن مصالحه الإستراتيجية المشتركة، بينما ما يزال بعض العرب السابحين في بحر الأوهام الأميركية يراهنون على الشرق الأوسط الذي نظر له شمعون بيريز في معرض الاستبدال التاريخي لخطة إسرائيل الكبرى بإسرائيل العظمى المهيمنة على المنطقة.

في حرب غزة نظر الكثير من العرب للموقف التركي نظرة اللفتة العابرة الهادفة لرفع الحرج، ولكن تركيا تؤكد بمزيد من المواقف والمبادرات أنها جادة في قيادة تحول جديد لسياستها الخارجية. ومن المسائل المثيرة للاهتمام أن يتزامن تعليق المشاركة الإسرائيلية في المناورات الجوية مع خبر يتعلق بالتفاهم بين أنقرة و دمشق على لقاء قريب لبحث آفاق التعاون العسكري بين تركيا وسوريا في مجال التدريب و التصنيع.
"شام برس"

التعليقات