23/10/2009 - 20:09

جنون التفوق وإشاعة أجواء الحرب/ خالد خليل

جنون التفوق وإشاعة أجواء الحرب/ خالد خليل
الظروف الموضوعية على المستوى العسكري والسياسي لا تدعم الرأي القائل باقتراب نشوب حرب شاملة بين إسرائيل وإيران أو سوريا ولبنان. ورغم أن المناورات العسكرية الجارية حاليًا بين أمريكا وإسرائيل توحي بسبب ضخامتها وتضخيمها من قبل الإعلام الإسرائيلي أن المنطقة مقدمة على حرب شاملة لا محالة تشمل جميع الجبهات المذكورة.

باعتقادنا إن إسرائيل لم تستوفِ حتى الآن قوة ردع مناسبة للمنظومات الصاروخية التي قد تدك جبهتها الداخلية من كل الاتجاهات، علاوة على أنها في حرب الصواريخ لم تجرب سوى جبهة حزب الله في لبنان إضافة إلى الصواريخ الفلسطينية من قطاع غزة.

وقد رأينا ورأى العالم أن جبهة حزب الله استعصت على الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر ورغم استخدام إسرائيل لكافة الأساليب العسكرية، لم تتوقف الصواريخ اللبنانية حتى اللحظة الأخيرة من الحرب وإعلان الهدنة بالاتفاق. وعلى فرض أن إسرائيل استخلصت الدروس العسكرية من هذه المواجهة وسدت الثغرات في مواجهة المنظومة الصاروخية للمقاومة اللبنانية، فإنها حتمًا لم تجرب الجبهة السورية على سبيل المثال والتي بدون شك تمتلك أضعاف أضعاف ما تمتلكه المقاومة اللبنانية، إضافة إلى توفر تقنيات عالية في المنظومة الصاروخية السورية، ومن غير الأكيد أن إسرائيل لديها الإجابات الشافية للرد على الصواريخ السورية.

وهذا الأمر أكثر تعقيدًا بالنسبة للجبهة الإيرانية ومنظومة الصواريخ بعيدة المدى التي لم تستخدم حتى الآن سوى بالمناورات الإيرانية، وإذا ما استندنا إلى التقارير الواردة من إيران، فإنّ الحديث يدور عن منظومة متطورة وعالية الدقة والتقنية، وأي ضربة لإيران بحسب المسئولين الإيرانيين ستدفع بالجمهورية الإسلامية إلى ضرب العمق الإسرائيلي بزخم لا يتوقعه أحد.. بناء على هذه المعطيات الأولية والمعروفة جيدًا لإسرائيل فإنّ أي ضربة لإيران يجب أن تكون مدعومة تمامًا من أمريكا ومنسقة مع دول الجوار وينبغي أن تكون موجعة إلى درجة تشل معها القدرة الإيرانية على الرد الصاروخي المكثف.

من غير شك أن أمريكا لن تجازف بمثل هذه المغامرة التي تسعى إسرائيل إليها، على الأقل في المرحلة الراهنة، حيث استطاعت إيران تبهيت الحملة الحزبية ضدها وأفرغتها من مضمونها من خلال طرح برنامجها النووي للفحص الدولي وإحراج الدول الغربية بتصنيع اليورانيوم الإيراني، رغم كل ذلك فإنّ المنطق الإسرائيلي ينبني بالأساس على ضرورة التفوق الاستراتيجي الذي وصل إلى حد الجنون كما يصفه محمد حسنين هيكل.

جنون التفوق هذا معناه حتمية نشوب حرب جديدة، بهدف تكريس التفوق الإسرائيلي، ويخطئ من يظن أن تكريس التفوق يتم فقط من خلال حرب شاملة تأتي على الأخضر واليابس، لكن من العسير أيضًا في ظل نفسية جنون التفوق واليمينية المتطرفة للحكومة الإسرائيلية التأكيد على حتمية حصول سيناريو معين للحرب. فهل هي حرب على حزب الله مرة أخرى للانتقام وإعادة الهيبة بعد إخفاقات إسرائيل الكبيرة في عدوان 2006؟!

أم أنها حرب على سوريا بوصفها حاضنة المقاومة ومزودها الرئيس بالسلاح والعتاد، والأهم من ذلك فإنّ حربًا على سورية سيكون أحد أهدافها كشف القوة الصاروخية، ومدى جاهزية إسرائيل لردعها وتدميرها.. حيث أن إسرائيل تستطيع من خلال معرفتها لقدرات سوريا وخاصة في مجال المنظومة الصاروخية، أن تقدر مدى القوة والتقنية التي تمتلكها إيران، على اعتبار أن الحلف السوري الإيراني الاستراتيجي ينسحب أيضًا على التعاون العسكري الاستراتيجي بين البلدين وان سوريا هي المختبر الحقيقي لمدى تطور الأسلحة الإيرانية.

فإلى ماذا سيقود جنون التفوق، انه في أحسن الحالات سيقود إلى استمرار إشاعة الأجواء الحربية وسيبقي المنطقة غير مستقرة ومهزوزة إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولاً.

التعليقات