29/10/2009 - 12:57

لجنة تحقيق أم مقلب اسرئيلي؟/ مجد بدر

-

لجنة تحقيق أم مقلب اسرئيلي؟/ مجد بدر
مذ نُشر تقرير جولدستون تهافتت جهات مختلفة في الحكومة الإسرائيلية على الإدلاء بتصاريح عدة فيما يتعلق بإقامة لجنة تحقيق اسرئيلية لتقصّي الحقائق حول الخروقات التي قام بها الجيش الإسرائيلي خلال عملية "الرصاص المصبوب". من قراءة هذه التصاريح تُشتم رائحة جدل - مصطنع - ما بين المؤسسة العسكرية متمثلة بوزير الدفاع براك ورئيس الأركان اشكنازي من جهة, وكبار المسؤولين في الجهاز القضائي ووزراء آخرين من السلطة التنفيذية من جهةٍ أخرى. في ظل هذا النقاش يعمل رئيس الوزراء نتينياهو "كمنسٌق" محاولاً جسر الهوة بين الأطراف المتنازعة وجلبهم إلى حل وسط. هذا الجدل يستدعي التساؤل فيما إذا كان هناك ثمة نقاش؟ وان كان فما هي ماهية هذا النقاش؟

النقاش داخل الحكومة الإسرائيلية فعلا قائم, إلا انه لا يصبٌ في صلب الموضوع, خاصةً وان هناك أهداف واضحة مشتركة لجميع الأطراف المتنازعة. جلٌ النقاش يتمحور حول الآلية التي يتوجب إتباعها لإحقاق الأهداف المرجوة. الهدف الأول, هو إيقاف وردٌ التحفظات والانتقادات الدولية الموجهة إليها والتي بدأت تتدحرج ككرة ثلجية من أعالي جبلٍ شاهق جرٌاء الخروقات المنسوبة إليها في الحرب على غزة وفقا لتقرير جولدستون. مما أدٌى, حتى كتابة هذه السطور, إلى إقصائها من المحافل الدولية, حتى من قبل دول صديقة مثل فرنسا وبريطانيا. الهدف الثاني, هو صدٌ وردع دعاوى قضائية وإجراءات قانونية قد تتخذ ضد ضباط عسكريين وجنود شاركوا في العملية العسكرية, وبالأخص ضد مسؤولين مدنيين وعسكريين رفيعي المستوى في محاكم دولية في أرجاء العالم. على سبيل المثال لا الحصر, محاولة إصدار أمر اعتقال ضد وزير الدفاع الإسرائيلي براك أثناء زيارته الأخيرة إلى بريطانيا.

حتى الان لم تقرر القيادات الإسرائيلية هل إقامة لجنة تحقيق إسرائيلية ستخفف من حدة النقد الدبلوماسي اللاذع الموجه إليها وستصد محاولات محاسبتها قضائيا ومحاكمة ضباطها وجنودها, أم ان إقامة مثل هذه اللجنة, ستفتح أبواب جهنم لموجة دعاوى قضائية لا تعدٌ ولا تحصى من قبل ضحايا الجرائم, عائلتهم ومؤسسات حقوقية. ولكن ما لا شك فيه أن تقصٌي الحقائق ومحاسبة المجرمين لا تشكل دافعا لدى القيادات الإسرائيلية, لذا جل الحوار يدور حول كيفية إقصاء وليس تقصي الحقائق وطمسها.

السؤال المطروح في هذه المرحلة هل هذه هي الاعتبارات التي يتوٌجب على متخذي القرار في إسرائيل أخذها بعين الاعتبار؟ وان كانت هذه هي فعلاً الاعتبارات التي تضعها الدولة نصب أعينها فكيف سيتم إذا إقامة لجنة تحقيق مستقلة, ذات شفافية وعلانية التي ستستمع إلى شهادات الضحايا من الفلسطينيين؟

إن إسرائيل ملزمة ,كدولة, القيام بواجبها بالتحقيق بشأن التهم الخطيرة الموجهة ضدها والمذكورة جملةً وتفصيلاً في تقرير جولدستون. هذا الواجب يفرضه المنطق البسيط القائل أن على من اقترف ذنباً أن يتحمل تبعات تصرفاته. هذا المنطق يتم انتهاجه في القضاء عامةً وفي القضاء الإسرائيلي خاصةًً. في حال أقيمت لجنة بهدف إخماد نيران الانتقادات الدولية وهذا هو الحال على ما يبدو, وليس من اجل كشف الحقائق ومحاسبة المجرمين, فان مبدأ سيادة القانون سيتحول إلى مجرد ضريبة كلامية, وتعليم القانون الدولي في كليات الحقوق سيبقى حبرا على ورق في الواقع الإسرائيلي.

أصوات عديدة تتعالى متبجحة بانتهاج مبدأ سيادة القانون في إسرائيل. بل والعديد يذكرون بأنٌ وزراء إسرائيليين تورطوا بقضايا فساد قد زُجٌوا في السجون من وراء القضبان. والسؤال المطروح لماذا هذا المبدأ لا يسري مفعوله ضد مجرمي الحرب والمجرمين بحق الإنسانية عامةً؟ هل هذه الخروقات بحدٌ ذاتها لا تستدعي الدولة للتحقيق فيها بواسطة آلية تحقيق مستقلة ذات شفافية؟ أم أن الحكومة على يقين بأنٌ الادعاءات قد أصبحت حقيقة مثبته مما يستدعيها الامتناع عن القيام بتحقيق مستقل, ذو شفافية ومعلن!


التعليقات