09/11/2009 - 09:59

حين غيرت الولايات المتحدة لون وجهها!../ عبد اللطيف مهنا

حين غيرت الولايات المتحدة لون وجهها!../ عبد اللطيف مهنا
قبل حوالي عام تصادف أن نظرت المؤسسة الأمريكية الحاكمة إلى وجهها في مرآة العالم. هالها مدى قبحه. أفزعتها بشاعة إطلالاتها ذات الملامح البوشية على تلك التي تعدها مزرعتها الكونية المترامية في سائر أربع جهاتها.

تحركت قوانين الحالة الإمبراطورية فافتت بما حظي بمباركة ورضى عتي كارتيلاتها، قررت أن تلجأ إلى عملية تجميلية غير مسبوقة في تاريخها، قد يكون من شأنها أن تخدع، ولو لأمد قد لا يطول، ماهم في نظرها جمهرة دهماء الناظرين، فيسهم هذا في حفظ سالف الهيبة الإمبراطورية التي بدأت في التآكل. كانت الخطوة في حكم الضرورة فهي إن لم تقو على وقف بدايات الانحدار الإمبراطوري، فعلى الأقل قد تؤجل خطواتها المتسارعة إلى حين. أو هي قد تحفظ لأطول زمن ممكن عدم تحلل عتي سطوتها أو أفول وحدانية قطبيتها واندثار جبورتها... والأهم أولاً وأخيراً، هو هدف الحفاظ على مصالحها التي ستغدو المهددة في تلكم المزرعة العاقة، التي أفاقت لتراها تعج بالمتبرمين غير القانعين، والحاسدين الطامعين، والشامتين المتربصين... و المتآمرين الإرهابيين... كان كل ما عليها هو أن تغتنم فرصة الاستحقاقات الإنتخابية الرئاسية والتشريعية لانجاز العملية التجميلية الضرورة وهذا ما كان... شاءت أن تموه لون جلدها الأبيض بالسمرة حفاظاً على ما تحته وصوناً لجوهره الذي لا تقو على أن تبدله ... ابتكرت قناعاً فريداً اختارته ذا منبت إفريقي... كان من ماركة أوباما!

سوّق المنتج الجديد نفسه جيداً، كان صاحبه بارعاً مبدعاً في هذا، لدرجة أنه، ولأشهر تلت، بدا وكأنما قاطنو المزرعة الكونية قد أخذوا بالصرعة الأمريكية الرئاسية، بدا وكأنما الحيلة قد انطلت. أسهم في هذا داخل ملّ من حمقات إدارة رحلت أو رُحّلت. إدارة كل ما أنجزته أنها فضحت فجاجتها قبح الوجه التليد المزمن وزادته قبحاً... وقلق هذا الداخل من تفاقم أزمة إقتصادية مستفحلة تعصف به... وكان المسهم الأكبر أيضاً هو خارج مرتعب لأربع أعوام انقضت، حالم مستبشر بالنفلات من سطوة البلطجة وتخبط رعونة القوة وعواقب جشعها المنفلت بلا رابط أو ضابط.

إذن، أطلت أمريكا الأوبامية جاهدةً لتستر في حفلة تنكرية عيوب أمريكا البوشية الفاقعة، جاءتنا هذه المرة في صورة واعدة لخطيب مفوه فاجأ سامعيه المتعطشين بلغة مختلفة... لغة تحبل كلماتها الحالمة بما يوحي بمرحلة تخالف سابقتها الجدباء فتعدنا أيامها المبهرة التي أهلت للتو بوفير العسل وصافي اللبن... كان صاحبها حقاً ساحراً حذقاً، أخرج من قبعته ألاعيب من شأنها أن سرّت الواهمين ودغدغت أحلام الحالمين، فاسقطوا بلا تحفظ على المرحلة الموعودة وساحرها الشاطر رغباتهم الدفينة، وانتظروا...

لم يطل الانتظار... لم ينصرم عام بعد على بدء الحفلة التنكرية الأمريكية الأوبامية، حتى غلب الطبع الأمريكي على التطبع، فعجز القناع الأوبامي عن ستر تليد قبح ذات الوجه الحقيقي المعهود المتنكر خلفه... غوانتينامو مازال هو غوانتينامو... الحال في العراق ظل هو الحال، كل ما كان هناك هو التطبيق الأوبامي الأمين لخطة بوش القاضية بمغادرة العراق مع ضمان البقاء فيه... وفي أفغانستان، بزّت الأوبامية جلافة البوشية وزادت عليها قبحاً وهولاً وتورطاً وعناداً... كان المختلف هناك فحسب، هو وضع أصبح يغري بالقول أن عودة الملا عمر إلى كابل تبدو وكأنما هي، والنعوش تعبر البحار عائدة إلى بلاد العم سام، قد غدت الأقرب من مرمى حجر... وفي الجوار حيث ديار الحليفة فيما يسمى "الحرب على الإرهاب" باكستان، فرخت طالبان وادي سوات، شقيقتها في وزيرستان، فطالبانات أخريات سندية وبنجابية وهكذا... وقد يبدأ جرادها زحفه، أو هو بدأ، عبر الحدود إلى باقي شبه القارة الهندية...

لم يغد العالم أكثر أمناً، وفق المقولة البوشية سابقاً وترجمتها الأوبامية لاحقاً، أو لم تشعر الولايات المتحدة بعد بأنها أكثر أمناً... هذا في الخارج وأما في الداخل، فللحق نقول، أنه سيسجل التاريخ لأوباما أنه قد حاول لكنما طباع المؤسسة الإمبراطورية في كل الأحوال يظل غالباً على تطبعها الأوبامي، فتراجعت من ثم الوعود الإنتخابية الرئاسية وتراجعت بالتالي شعبية الساحر، وكثرت الاستطلاعات الموجهة بأرقامها الحقيقية والزائفة، تلك التي لا تخلو عملية تتابع زفّها الهادفة من توظيفات بعينها تعكس ضغوطاً مدروسة للكارتيلات واللوبيات، وعلى رأسهما دائماً كبيرتهن والأطول باعاً الإيباك وهكذا... إذن، وبعد عام ولم يزد عليه، ظلت أمريكا رغم أنف الواهمين والحالمين هي أمريكا...!

وفي بلادنا، التي انشغلت، أو تحديداً انشغل متأمركوها طويلاً بفصاحة خطابي الداعية مولانا الشيخ باراك حسين أوباما، في إطلالتيه المبكرتين الشهيرتين في اسطنبول والقاهرة... نكتفي اليوم فحسب، بالتعرض لآخر مآثر تلك الحفلة التنكرية التغيرية الأمريكية، هذه المتمثلة في حكاية آخر الأسفار السندبادية للسيدة هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية، الجائلة منذ أيام مابين الخليج والمحيط.

في هذه الجولة، لن تتقيد السيدة كلينتون، كسابق عهد نظرائها الأمريكان، بمقولة أن لكل مقام مقال إلا قليلاً، عندما انطلقت ركابها من القدس المحتلة إلى مراكش وحيث حطت رحالها من بعد في القاهرة... في القدس المحتلة كشفت السيدة عن آخر طبعات موقف "الوسيط النزيه" و"الراعي" الحصري للموصوفة ب"عملية السلام"، والذي كان أن أعطاه العرب ولا يزالون 99% من أوراق حل قضية قضاياهم في فلسطين، فكان أن غدا لهذا التفويض المرجعية الوحيدة لتصفيتها بغير منازع! الموقف الذي تدرج مثلاً، من اعتبار "الاستيطان" عائقاً للتوصل إلى السلام المزعوم إلى اعتبار المطالبة بوقفه هو العائق لإحلاله...

الموقف الذي بلغ في "تطوره" هذا، إلى اعتبار أن مجرد موافقة نتنياهو على مجرد التفاوض هو دليل قاطع على مرونة طال انتظارها منه تستحق التثمين وأن على العرب بالتالي دفع تنازلات مستوجبة مقابلها... الوزيرة كلينتون، نقلت الموقف الأمريكي من "الاستيطان" أو التهويد، الذي كان قد تدرّج على يدي أوباما من المطالبة بالوقف إلى التجميد ومنه إلى اللجم، ثم إلى حيث التطابق تماماً مع قليل من المواربة مع الموقف الإسرائيلي.

ابتكرت مصطلحاً جديداً خصت به هذا التطابق اسمه "تقييد الاستيطان"! وبعد أن اكتشفت أو شاءت أن تكتشف أن "نتنياهو محق من الناحية التاريخية، لأنه لم يتم طرح موضوع الاستيطان أبداً كشرط مسبق للشروع في مفاوضات، ولم يكن أبداً اقتراح كهذا مثلما يحدث الآن"، قررت: "أريد أن أرى الطرفين يبدآن المفاوضات في أقرب وقت ممكن"!

وعليه، ما هو عرض نتنياهو هذا حول موضوع "الاستيطان" أو التهويد، الذي وصفته في القدس المحتلة وكررت وصفه في مراكش والقاهرة بأنه "غير مسبوق"، و أصرّت دونما مهادنة على أنه كان "خطوة إيجابية"؟!

إنه ليس إلا إعلان التكرم ب"الاكتفاء (مؤقتاً) ببناء ثلاثة آلاف وحدة سكنية (تهويدية) جديدة... أما القدس، فما يحدث فيها فليس استيطاناً"... تجاهلت السيدة الأمريكية وهي تقيّم هذا العرض "الإيجابي" و"غير المسبوق" لحليفها، أنه إنما لا يعدو ذات المستوى التهويدي إياه تقريباً، أو الممكن تحقيقه حتى الآن، والذي كان يتم سنوياً ولا يقل عنه!

هذا الموقف الأمريكي، الذي لا يفاجئ إلا ذات الواهمين والحالمين، حدا بداني أيالون إلى الإعراب عن ارتياحه لما دعاه التحول في الموقف الأمريكي، والذي هو "دليل ثابت على أن الولايات المتحدة هي أفضل أصدقائنا، وأن تمسك إسرائيل بمواقفها يأتي بثماره"... هذا الموقف الأمريكي أو ثمار التمسك الإسرائيلي هذه، شجع واحد مثل ليبرمان إلى إضافة شروط جديدة لكي يقبل أن يفاوض طلاب التفاوض أو مستجديه معه، إذ قال: "طالما أن الفلسطينيين لا يسحبون الدعاوي من المحكمة الدولية في لاهاي، ولا يتوقفون عن التحريض فيما يتعلق بتقرير غولدستون، فإنه لا جدوى من التحدث إليهم"!

باختصار... الإسرائيليون ينظرون إلى ما آلت إليه الأمور كما عكسته صحيفة "هآرتس" ساخرة، حين علقت، "لم تتمكن أي دولة من ثني الولايات المتحدة عن موقفها. لكن إسرائيل، الدولة المحتلة، تلقى معاملة مخالفة رغم أنها تواصل الاستهزاء بأمريكا والعالم"... ماذا عن حصاد رحلة السيدة كلينتون السندبادية عربياً؟

هنا الأمور، وإن هلّت سلفاً بعض مؤشراتها لتعدنا بما اعتدناه، لم تتضح نهائياً بعد، فالجنوح العربي نحو السلام الأمريكي-الإسرائيلي بلغ ذروة أزمته، أو كما يحلو للبعض القول، وصلت المدعوة "المسيرة السلمية" برمتها إلى طريق مسدود...

ونبدأ فلسطينياً، بالمالكي وزير خارجية السلطة، الذي بدأ بقولٍ من مثل: "فوجئنا بتصريحات كلينتون" في القدس، وانتهى بعد لقائها في مراكش إلى قوله "أعتقد أن هذه التصريحات قد صححت لاحقاً، لذلك نحن راضون لأن الموقف عاد إلى ما كان عليه"... كيف عاد وإلى ماذا؟

هي لم تزد على تكرار ما قالته في القدس، مع لازمة مزمنة لا تسمن ولا تغني من جوع، لكنها على عموميتها محببة المسمع على الأذن العربية، وهي أن "الاستيطان" لازال عندها غير شرعي... وهذا الموضوع برمته متروك حتى "ندخل في المفاوضات حول الحدود"!

هذا فلسطينياً، أما عربياً، فما عبر عنه وزير الخارجية المصري أبو الغيط بعد حلول السيدة الأمريكية في القاهرة، وهو ما يمكن فهمه على أنه التطابق مع الموقف الأمريكي الذي أكدت عليه السيدة كلينتون في جولتها، قال الوزير: "إن الرؤية المصرية هي أننا يجب أن نركز على نهاية الطريق وأن لا نضيع الأمر بالتمسك بهذا وذاك لإطلاق المفاوضات"!.. حيث أن "الولايات المتحدة لم تغيّر موقفها، لكنها تطالب بأن تبدأ المفاوضات"... المفاوضات على ماذا؟

يقول كبير المفاوضين عريقات، وبالحرف الواحد: أن نتنياهو قال لأبي مازن: "أن القدس ستكون العاصمة الأبدية والموحدة لإسرائيل، وأن قضية اللاجئين لن تُطرح للمناقشة، وأن دولتنا ستكون منزوعة السلاح، وأن علينا الإعتراف بالدولة اليهودية، وأنها لن تكون حدود 1967، وأن المجال الجوي سيكون خاضعاً لسيطرته"... ليخلص عريقات مستنتجاً: "هذه إملاءات وليس مفاوضات"... إذن، ماذا بعد مثل هذا الاستنتاج؟!

يجيب السيد عريقات، أنه في ظل استمرار الأنشطة الاستيطانية لم يعد حل الدولتين خياراً"... إذن، ما هو البديل بالنسبة لفلسطينيي السلطة عنده؟!

يجيب أيضاً، أنه "إعادة تركيز اهتمامهم على حل الدولة الواحدة في العامين المقبلين"... هذا القول سبق إعلان رئيس السلطة عزوفه عن ترشيح نفسه مرة قادمة لرئاستها، وحيث دعا عريقات حينها، أي قبل هذا الإعلان، رئيسه إلى "مصارحة شعبه"... هل كان هذا من عريقات تمهيداً لإطلاق بالون الإختبار أو هذا المعلن لاحقاً، وتلويحاً به، أو إنذاراً لمن يهمه الأمر؟!

على أية حال، جاء الرد الأمريكي صريحاً وفورياً وذا معنى، قالت كلينتون، سنواصل التعاون مع أبو مازن "بأية صفة جديدة" تكون له!!!

...لعل فيما ما قاله صاحب نظرية "الحياة مفاوضات"، الذي لم يقل لنا وماذا بعد العامين المقبلين، شيء من تعبير عن استعداده الحياتي للانتقال إلى حقبة تفاوضية جديدة، ستختلف فيها الأهداف والمرجعيات، بحيث سيكون من شأنها أن تجب ما قبلها؟!!

... وعود على بدء... من أراد رؤية آخر طبعات الوجه الأمريكي إياه ذي الماركة الأوبامية الراهنة فما عليه إلا أن ينظر ملياً فحسب إلى وجه نتنياهو!

التعليقات