11/11/2009 - 08:35

"نتسيرت عيليت" مستعمرة تظن انها شرعية../ أمير مخول

اعلن شمعون جافسو رئبس بلدية نتسيرت عيليت يوم 10/11/2009 عن خطته لاعادة تهويد المدينة في أعقاب الازدياد الملحوظ للوجود العربي فيها، والذي فاق ربع عدد السكان، ومقابل ذلك وقف هجرة اليهود منها وبالذات عزوف الأجيال الشابة اليهودية عنها.

وفي محور خطته اتجاهان متكاملان – الواحد هو ضمان هجرة "نوعية" من اليهود، والثاني توجيه رسالة ملموسة للعرب في المدينة والذين هاجروا إليها أفرادا سعيا وراء حل فردي لازمة السكن او العمل في البلدات العربية في المنطقة، ودعاهم للتفتيش عن "بيت آخر" حسب تعبير موقع NRG.

أما التنفيذ العملي للمخطط فيتضمن استقدام مستوطني "غوش قطيف" في مستعمرا ت قطاع غزة سابقا وكذلك بناء مشروع "هار يونا 3" والذي هو عبارة عن مدينة يهود متدينين (الحرديم) وبناء مركز روحاني يهودي مناطقي، وبالإضافة استقدام مجموعات ممن يطلق عليهم "النواة الصهيونية الصلبة" أي مجندين متدينين قوميين من الكتل الاستيطانية ومن مدارسها الدينية العسكرية والتي عرف عنها بتخريج إرهابيين يهود.

وهذه المجموعات التي يجري العمل على استقدامها هي أشبه بالمجموعات المسلحة التي أحضروها للسكن في عكا ضمن خطة "تطوير (تهويد) النقب والجليل" التي قادها شارون كجزء من خطة فك الارتباط مع غزة عام 2005، كما تتضمن خطة جافسو إغراق المدينة باللافتات والرموز اليهودية والصهيونية.

وللحقيقة فان جافسو يهدد الوجود العربي في "نتسيرت عيليت" بنموذج عكا في خريف العام 2008 عندما هاجمت الجموع اليهودية العنصرية الوجود العربي في المدينة، واحتمت عنصرية الشارع بعنصرية النظام الإسرائيلي وتقاسمت الدور معه..

وللحقيقة فإن شمعون جافسو لا يأتي بأي جديد باستثناء نفض الأوهام، فهو يعيدنا الى جذور المشروع الصهيوني، والى الخمسينيات من القرن الماضي حيث أقيمت "نتسيرت عيليت" بناء على الحلم الاستعماري العنصري الذي راود بن غوريون، ولم يكن "أفضل" لتطبيق مثل هذا المشروع وتنفيذه من مساعده شمعون بيرس.

وتحدث حلم بن غوريون عن "إقامة مدينة يهودية في قلب الجليل تقطع التواصل الجغرافي والدمغرافي العربي في المنطقة". وهذا جزء من المشروع الصهيوني الاستعماري الاستيطاني الواسع القائم على التطهير العرقي.

وللحقيقة أيضا فإن الهدف من "نتسيرت عيليت" وإقامتها وتوسعها لاحقا هو هدف استيطاني استعماري لا يختلف بأي نص او جوهر عن المستعمرات الإسرائيلية في الضفة الغربية والقدس بعد احتلالها في العام 1967 ولغاية اليوم. ولو قارنا أهداف "نتسيرت عليت" و"معاليه أدوميم" أو "غوش عتسيون" أو "هرئيل" و"كرميئيل" لتيقنّا بأن الهدف هو واحد وجهة اتخاذ القرار بتأسيسها واحدة وجهة التخطيط واحدة والقانون الذي اعتمدت عليه واحد أيضا.

ولو قارنا كيفية التطبيق التي قادها شمعون بيرس في "نتسيرت عيليت" عام 1956 او في إقامة المستوطنات في الضفة الغربية، فإن كل متر مربع من اراضيها هو أرض عربية فلسطينية مصادرة سواء نهبتها إسرائيل عام النكبة والتطهير العرقي 1948، أم صادرتها وفق قانونها الاقتلاعي الاستعماري منذ العام 1948 ولغاية اليوم بهدف تغيير طابعها الدمغرافي وتهويد الوطن الفلسطيني.

خطة جافسو ومجمل وجود "نتسيرت عيليت" تعكس جوهر الوجود الإسرائيلي كواقع استعماري. وما يميز هذا المشروع المأزوم ان اشتداد أزمته يؤدي للكشف عن جوهره، فقد سعت إسرائيل باستمرار إلى إخفاء الجوهر سعيا وراء كسب الشرعية. لكن قوة جماهير شعبنا الفلسطيني وكفاحيتها وتعاظم حضورها مزودة بهويتها الوطنية كصاحبة الوطن والحق فيه وعليه وأهل البلاد كلها تجعل النظام الإسرائيلي كله في موقع ردة الفعل. وهذا تحوّل استراتيجي رأيناه في القوانين العنصرية الأخيرة وكذلك في حملة الانتقام خلال وبعد هبة الغضب والاحتجاج في الداخل على جرائم إسرائيل في غزة وقبلها على عدوان إسرائيل على لبنان 2006 وفي مجمل سياسة الملاحقات السياسية الترهيبية.

ويصطحب هذا التحوّل جانب آخر وهو سقوط ما تبقى من أوهام بين أوساط داخل جماهير شعبنا تجاه النظام الإسرائيلي. والتيقّن أكثر فأكثر من أن المؤسسة المدنية والقضائية والأكاديمية والتخطيطية والأمنية كلها شريكة في الجريمة التاريخية التي لم تتوقف منذ النكبة والسعي إلى نهب ما تبقى منه وتهويده.

واذ يعكس مخطط رئيس بلدية "نتسيرت عيليت" دموية السياسة والنظام في إسرائيل، وحالة الصدام المفروضة على جماهير شعبنا في الداخل، شئنا أم أبينا، فإن معركة الشرعية الوجودية مفروضة علينا ولا نستطيع أن نتجاهلها. وفي معركة الشرعية نحن الأقوى وليس النظام الاستعماري العنصري وتجلياته من "نتسيرت عيليت" إلى مستوطنة "كريات أربع" و"معاليه أدوميم".

إن طبيعة التحدي تتطلب الحفاظ على الجاهزية الكفاحية الوحدوية العالية وبناء المرجعيات المحلية ومراكمة الإنجازات، وذات الوقت أن تتعامل جماهيرنا في الداخل مع نفسها كجزء من القضية الفلسطينية ولا تحصر دورها في حدود المواطنة، وأن تتعامل مع ذاتها كصاحبة حق ومسؤولية في بناء المشروع الفلسطيني التحرري الواسع ومرجعياته.

كما وتؤكد خطة بلدية "نتسيرت عيليت" والتي لا تختلف عن أية سلطة بلدية أو مركزية أخرى، بأن حركة مناهضة التطبيع العربية الإقليمية وحركة المقاطعة الدولية لإسرائيل هي أدوات يجدر ويتوجّب أن يتعاظم دورنا مقابلها في كسر الحصار البنيوي على شعبنا والذي مصدره جوهر إسرائيل ذاته.

التعليقات