19/11/2009 - 13:55

القدس بحاجة إلى إستراتيجية ومرجعية موحدتين../ راسم عبيدات

القدس بحاجة إلى إستراتيجية ومرجعية موحدتين../ راسم عبيدات
يجمع الجميع في المدينة المقدسة أنه بعد رحيل فارس القدس القائد الراحل فيصل الحسيني كعنوان ومرجعية جامعة وموحده للمقدسيين، لم يعد هناك أية عناوين ومرجعيات جامعة وموحدة، ناهيك عن غياب أية رؤية أو استراتيجية فلسطينية موحدة لها علاقة بالتنمية وتعزيز صمود ووجود المقدسيين في وعلى أرضهم وبلدهم. واستمر العمل في القدس فلسطينياً بأشكال استعراضية وشكلانية، وبعناوين ومرجعيات متعددة تتضارب في الصلاحيات والمسؤوليات، وبجهد وفعل مبعثرين، غلب عليهما الطابع الارتجالي وغير المنظم، ناهيك عن الطابع الفئوي أو الشخصي، وبالتالي هذه الحالة خلقت عند المقدسيين حالة واسعة من الإحباط واليأس وفقدان الثقة، ودخلوا في حالة من الدوران والتوهان فيما يتعلق بهمومهم المباشرة الاقتصادية والاجتماعية والخدماتيه، ناهيك عن أن الهم الوطني- السياسي شكل قضية شائكة ومعقدة للمقسيين، فلا منظمة التحرير ولجنتها التنفيذية صاحبة هذا الملف قامت بمسؤوليتها، ولا السلطة الفلسطينية قامت بدورها في معالجة الهموم الاقتصادية والاجتماعية للمقدسيين، وكما يقول المأثور الشعبي"بين حانا ومانا ضاعت لحانا".

والهجمة الإسرائيلية على المدينة كانت تتواصل وتتصاعد وتتسع وتأخذ أبعاداً خطيرة وشمولية، هدفها الأساس حسم مصير المدينة المقدسة سياسياً وإخراجها من دائرة التفاوض في أية مفاوضات وتسوية سياسية محتملة، فالمدينة عزلت بالكامل جغرافياً وديمغرافياً عن محيطها الفلسطيني، وأحكم تطويقها وعزلها بالجدران الفاصلة والمستوطنات، ليس في الأطراف فقط، بل وفي قلب أحيائها.

وفي مقابل ذلك استمر العمل والفعل الفلسطيني في المدينة المقدسة بنفس الرتابة والنمطية والعقلية وبنفس الطرائق والآليات، قصور سلطوي وفصائلي ومؤسساتي على درجة عالية، شعارات وأقوال وتصريحات كثيرة ونارية، لا تجد لها أي صدى أو ترجمات عملية على الأرض، وكذلك دغدغة المشاعر والعواطف استمرت فلسطينياً، وبالمقابل أسرلة وتهويد المدينة استمرت إسرائيليا.

ولعل المقدسيين استبشروا خيراً وتوقعوا نقلة في أوضاعهم والاهتمام بقضاياهم وشؤونهم، من خلال الإتفاق بين كل ألوان السياسي الفلسطيني والمؤسسة الرسمية ومؤسسات المجتمع المدني والفعاليات والشخصيات المقدسية على عقد مؤتمر تمثيلي واسع من حوالي خمسمائة شخصية مقدسية، تنتخب أمانة عامة له ولجانا تغطي كل أوجه وقطاعات العمل في المدينة المقدسة، وتضع حداً لحالة الشرذمة والتعددية في العناوين والمرجعيات.

وبالفعل عقد المؤتمر الوطني الشعبي المقدسي في مقر المقاطعة برام الله بتاريخ 26 +27 /1/2008، وناقش باستفاضة أوراق العمل المطروحة وهموم القدس والمقدسين، وانتخب أمانة عامة من 16 عضواً + 5 أعضاء من المؤسسة الرسمية برئاسة الأخ عثمان أبو غربية، وكذلك انتخب المؤتمر 33 لجنة، تشمل وتغطي كل محاور وجوانب وقطاعات العمل في المدينة المقدسة. ورعي في الانتخاب أن يكون هناك تكامل وتقاطع في الجهد الرسمي والشعبي، وبحيث يتم صهر وتذويب كل التشكيلات والأجسام القائمة، ويوجه جهدها وفعلها لخدمة مصالح وقضايا وهموم المقدسيين من خلال هذا الجسم المشكل.

ولكن لم تجر الرياح بما تشتهي السفن، فوجدنا الكثير من أصحاب الممالك والإقطاعيات الخاصة تمترسوا حول مصالحهم، وغلبوا ذواتهم ومصالحهم الفئوية والخاصة والشخصية على مصلحة المؤتمر الوطني الشعبي ومصلحة القدس والمقدسيين، ولم يعملوا أو يمارسوا دورهم وصلاحياتهم كأعضاء أمانة عامة، بل عملوا وفق مسمياتهم الرسمية، في رسالة واضحة ولا لبس فيها أنهم ضد عمل المؤتمر الوطني الشعبي، وليس هذا فقط، بل والعمل على تقويضه، ولم يقتصر الأمر على هؤلاء، بل كان هناك من الدوائر المحيطة بالرئيس من يضع العصي في الدولاب، ولا يريد لهذا الجسم أن يأخذ دوره ويمارس صلاحياته.

وبعد جزر ومد وطول انتظار وبتأخر ستة شهور صدر مرسوم رئاسي باعتماد المؤتمر الوطني الشعبي، كهيئة وحيدة مسؤولة عن شؤون القدس والمقدسيين، ولكن ما بين صدور المرسوم وترجمته، هناك بون شاسع، فالمؤتمر حجبت عنه الأموال أو إذا جرى ضخ أموال لم تكن بالقدر الكافي، وبالمقابل كانت الأموال تضخ لأجسام أخرى بشكل كبير، وتعددت العناوين والمرجعيات وكذلك المراسيم، وتعمقت أزمة المقدسيين وحالة توهانهم، فوحدة القدس في الرئاسة عنوان ومرجعية، ومستشار رئيس الوزراء عنوان ومرجعية، واللجنة التي شكلها رئيس الوزراء عنوان ومرجعية، والمحافظة عنوان ومرجعية، والهيئة الإسلامية- المسيحية العليا عنوان ومرجعية، واللجنة التنسيقية للفصائل عنوان ومرجعية، والمؤتمر الوطني الشعبي عنوان ومرجعية، والحركة الإسلامية عنوان ومرجعية، وأخيراً أضيفت مرجعية جديدة يجري الأعداد لها من قبل عضو اللجنة التنفيذية أبو العلاء قريع، تحت مسمى دائرة شؤون القدس، دائرة لن تضيف أي شيء جديد أو نوعي، بل إن تشكيلها من شأنه أن يضاعف ويعيد إنتاج الأزمة على نحو أشمل وأعمق، فهذه الهيئة أو الدائرة، عدا عن كونها غير منتخبة، وتحمل في ثناياها الكثير من الفئوية المفرطة، فطرائق وآليات عملها لن تختلف عن السابق، ناهيك عن أن المؤتمر الوطني الشعبي والمعتمد كجهة وحيدة مسؤولة عن القدس، لم نسمع أنه جرى حله أو انتهت صلاحياته ومسؤولياته، ولمصلحة من هذه الأجسام التي تتوالد يومياً..؟؟ ولماذا الإصرار من قبل البعض على التمترس في ممالكهم وإقطاعياتهم وأنهم الوكيل الحصري للشأن المقدسي؟؟ ولماذا قتل المؤتمر الوطني الشعبي المقدسي، وتقيد صلاحياته وكف يده عن العمل والفعل، ودفعه إلى الفشل والموات؟؟ ولماذا تشكل أجسام لخدمة أفراد؟ وأين اللجنة التنفيذية إن كانت موجودة من دورها وصلاحياتها؟ وأين القوى والفصائل الممثلة في المؤتمر الوطني الشعبي مما يجري؟؟ ولماذا تسكت على مثل هذه الممارسات والأفعال؟ أم أن" إكرام الميت دفنه" فحتى الدائرة التي يشكلها أبو علاء لم تستشر فيها هذه الفصائل أو يأخذ رأيها بدلالة وضع ممثل لفصيل في هذه الدائرة، غادر هذا الفصيل منذ زمن، وكما قال لي في لقاء معه أنه يتعالج من الفصائلية منذ زمن، وهذا دلالة على أن هذه الدائرة تحكمها عقلية الفرد، وأنه حتى فصائل منظمة التحرير لم تستشر ولم يأخذ رأيها في هذا الجانب.

ومن هنا فإن الحل والعلاج لا يكمنان في تشكيل دائرة أو جسم جديد، بل في أن يتم التوقف أمام كل هذه العناوين والأجسام القائمة، وبما أنها كلها ممثلة في المؤتمر الوطني الشعبي، تمارس دورها وصلاحياتها وعملها من خلال هذا المؤتمر، وأن تحل كافة الأجسام الأخرى، والتي يجري خلقها وتشكيلها لخدمة هذا الطرف أو ذاك، وأن تعتمد استراتيجية ومرجعية موحدتين للقدس، تضع في أولوياتها قطاعي الإسكان والتعليم، من خلال إقامة صناديق خاصة بهما، وميزانيات كافية تمكن من تطويرهما فهما عماد وأساس الصمود في القدس، وعلى أن يجري تقديم دعم اقتصادي دائم للمقدسيين في مختلف قطاعات العمل الأخرى، وكذلك العمل على تعزيز وجود المؤسسات المقدسية في القدس، والعمل على إعادة فتح المغلق منها، وفي المقدمة منها بيت الشرق.

وبدون ذلك سنستمر في الدوران في نفس الحلقة المفرغة، ويستمر تهويد وأسرلة القدس على نحو ينذر بضياع المدينة المقدسة بشكل نهائي.

التعليقات