21/11/2009 - 09:02

الجزائر بين الطموحات الكروية والسياسية../ زكريا محمد

الجزائر بين الطموحات الكروية والسياسية../ زكريا محمد
ثمة مسألة مصرية.
مصر رجل العرب المريض. مصر تنكفئ على نفسها. تخسر محيطها، وتخسر نفسها. وقد تنفجر على نفسها. ولن تستطيع الحمى الرياضية أن تنقذها من ذلك. على العكس فهي ستؤخر وعيها بأنها تفقد نفسها وموقعها.

مصر رجل مريض، والكل يتقاتل على إرثها.
تركيا تتقدم وتحصل على جزء من الميراث. إيران تتقدم ونحصل على جزء منه. السعودية تحاول، مواربة، أن تحصل على شيء. سوريا ملزمة أن تحاول.

ثمة إرث مرمي في الشارع كما يرمى أثاث ساكن لم يدفع أجرة البيت الذي يستأجره.

والنظام المصري يحاول أن يحافظ على هذا الإرث بالبلطجة. فقط بالبلطجة. وهو لا يبلطج إلا على العرب فقط. والناس تحاول أن تتفهم ذلك، إكراما لذكرى مصر أيام عبد الناصر. لكن تأثير الإكراميات لن يدوم إلى الأبد. إذ لا يستطيع العالم العربي بعد اليوم أن يتقبل (قيادة) مصر. لا يستطيع أن يتقبل قيادة تقوده ضد مصالحه العامة. قيادة تقوده إلى حضن أعدائه.

لا يوجد أي تعاطف جدي عند الجمهور العربي مع مصر كقائد في هذه الأيام. على العكس، هناك إحساس بأن مصر تتحول إلى مخلب لجرح وجه كل نكل من يحاول المقاومة في المنطقة.
مصر إرث معروض لمن ينتهب.

وربما أشرت الحرب الكروية، بشكل وارب، إلى أن الجزائر تريد، بعد أن استعادت أنفاسها، وحلت الصراع الدموي الطويل بداخلها، أن تتقدم لتملأ جزءا من الفراغ الذي تركته مصر. أن تتقدم لتحصل على شيء من الإرث المهدور. هذا أمر معقول، بل وشرعي تماما. فما يحق لتركيا وإيران، لا يمكن أن تكون الجزائر أقل أحقية فيه.

لكن، لا يمكن للجزائر أن تتقدم هكذا عبر كرة القدم. كرة القدم، وبهذه الطريقة، لا تنفع. اللعب على طريقة جمال مبارك لن يوصل إلى شيء.

من حق الجزائر أن تتقدم لتحصل على جزء من الإرث المبدد. ومن حقنا أن نؤيد تقدم الجزائر. نحن مع أن تتقدم. ففي تقدم الجزائر حماية للمنطقة العربية. ليس ثمة خطر في تقدم الجزائر، كما هو الحال مع تركيا وإيران.

لكن هذا يقتضي أن تصوغ الجزائر سياسة واضحة، وان لا تعتقد أنها ستعبر إلى دور جديد عبر حرب كروية. على الجزائر أن تصوغ سياسة مشرقية نشطة إن أرادت أن تحتل موقعا. إن أرادت أن ترث جزءا من الدور المصري المعروض لمن ينتهب.

وحتى الآن، لا توجد مثل هذه السياسة. ثمة طموحات وأحلام، تختلط بمناسبات كروية، أو بمناسبة انتخابات في اليونسكو. توجد، بالطبع، سياسة تقليدية عامة، تستوحي إرث الجزائر أيام بومدين، لكنها سياسة خاملة. سياسة تعتاش على الماضي أكثر مما تستلهم المستقبل.

يجب تفعيل هذه السياسة وتحديثها. فمن دون بناء سياسة مشرقية نشطة لا يمكن وراثة شيء من الدور المصري. ولن تكون كرة القدم بديلا عن هذه السياسة. على العكس، كرة القدم تعني أنه لا طموحات سياسية للجزائر. كرة القدم هنا لعبة داخلية. ومن أراد أن يوسع دوره يمكنه حتى أن يقبل بهزيمة كروية طريقا للعبور سياسيا. السياسة أولا، كما هو الحال مع تركيا وإيران.

ولماذا لا تكون الجزائر قادرة على بناء سياسة مشرقية رصينة وجريئة؟
إنها تملك كل شيء من اجل ذلك. فهناك الإرث الكبير المشرف، إرث بن بيللا وبومدين. وهناك الحجم والطاقات الكبيرة. وهناك التوحد الداخلي بعد سنوات من العذاب. ثم هناك الفراغ الذي تركته مصر، والذي يدعو الكل إلى التحرك. وهناك أيضا البحث في الشارع العربي عن طرف عربي يملأ هذا الفراغ.

كل شيء، إذن، ممهد أمام الجزائر. والعالم العربي ليس مقسوما إلى الأبد إلى مشرق ومغرب. إذ يمكن للجزائر أن تكون مغربية- مشرقية. يمكن لها أن تكون جزءا أصيلا وقويا من قيادة منطقة فقدت قيادتها.

قد يحزن المرء حين يرى مصر ترمي كل ما تملك في الشارع، وتتركه نهبا لمن ينتهب. لكن الحزن لا يحل مشكلة. فهناك فراغ وعلى أحد أن يملأه.
والجزائر تملك الحق في أن تطمح لذلك، ونحن نملك الحق في أن نستدعيها، فهي أفضل من إيران وتركيا، في نهاية الأمر.

التعليقات