01/12/2009 - 10:45

حزب الله الجديد؟ قراءة في الوثيقة السياسية لحزب الله/ دياب أبو جهجه

-

حزب الله الجديد؟ قراءة في الوثيقة السياسية لحزب الله/ دياب أبو جهجه
قد لا يجد المواطن العربي الذي تابع اعلان حزب الله لوثيقته السياسية اليوم أي طرح جديد بالمقارنة مع الخطاب السياسي الذي تبناه الحزب في السنوات الأخيرة. بل لا شك أن الوثيقة تعتبر صدى لخطاب الحزب السياسي و لجملة من المواقف و التفاعلات مع الحلفاء و الخصوم. الا أن الحدث يكمن في كون هذه المواقف تحولت الى وثيقة داخلية أقرها مؤتمر الحزب الثامن جاعلا منها مرجعية سياسية له تختزل رؤيته و تحكم حراكه على الساحات اللبنانية و العربية و العالمية. و بالمقارنة مع وثيقة الحزب الصادرة عام 1985 و التي حملت في طياتها مشروعا للثورة الاسلامية في لبنان يهدف الى اقامة جمهورية اسلامية فيه تعتبر الوثيقة الحالية تحولا عميقا و جذريا.

فحزب الله كرس نفسه اليوم حزبا ديمقراطيا مدنيا يطمح الى بناء دولة القانون و المؤسسات على اساس التعددية الفكرية و الثقافية و الدينية و السياسية. كما حسم الحزب كل لغط حول كونه مشروعا ثوريا تغييريا أم لا, و ذلك بالسلب مؤكدا على طبيعته البرلمانية و الاصلاحية.

حتى أن الحزب, الذي لا يزال يرى نفسه بالدرجة الأولى مقاومة ضد العدو الصهيوني, لم يخف تقديمه للاستقرار الداخلي, حتى و لو كان من خلال تكريس صيغة ديمقراطية توافقية طائفية, على اي نزوع تغييري جذري قد يؤدي الى تداعيات خطيرة و اهتزاز في الستاتيكو. و هكذا ذكر الحزب بان الغاء الطائفية السياسية, رغم كونه السبيل الوحيد لحل مشكلة الديمقراطية في البلد و النهوض بالمجتمع, هو أمر بعيد المنال. و استشهد بالعاصفة التي تواجه رئيس مجلس النواب حاليا لمجرد مطالبته بتطبيق بند اتفاق الطائف الداعي الى انشاء الهيئة العليا لالغاء الطائفية السياسية. الا أن ما لم يغب عن الحزب هو كون التلويح بالغاء الطائفية السياسية سلاح فعال في وجه من يهاجم الديمقراطية التوافقية بحجة أن الديمقراطية حكم الاكثرية و معارضة الأقلية و تحديدا البطريرك صفير. و لسان حال الحزب هو " اذا أردتم ديمقراطية حقيقية هيا بنا نلغي الطائفية و نطبق النسبية لنرى من سيحكم لبنان, و اذا لم تريدوا ذلك فاصمتوا و افرحوا بالصيغة التوافقية".

و بالعودة الى رؤية الحزب لنفسه كمقاومة فتعريف هذه المقاومة هي كونها و بالدرجة الأولى درعا دفاعيا عن لبنان, و لكن مع امكانية الاستفادة منها و من خبرتها و من مخزون مصداقيتها في المعركة مع العدو الصهيوني و لمصلحة أي مقاوم عربي أو مسلم أو حتى في العالم.

و يطرح حزب الله رؤية شاملة تنطلق من صراع دائم بين ما يسميه بقوى الاستكبار و الطغيان و القهر من جهة و المستضعفين و المقهورين و طلاب الحق و الحرية من جهة أخرى. و يتمثل المحور الأول حسب الوثيقة بالرأسمالية المتوحشة و آلياتها و شركاتها العابرة للقارات التي تعبرسياسات الولايات المتحدة و حلفاؤها عن مصالحها, أما المحور الثاني فهو يمتد من طالبان الى المقاومات العربية الى ايران الى فنزويلا و أميركا اللاتينية.

و يلاحظ هنا أن الحزب طور فهمه للصراع اللذي لم يعد دينيا بحتا و لا ثقافيا بل أصبح مبنيا على أسس فهم موضوعي لاشكالية توزيع الثروة و السلطة في عالمنا. الا أن الحزب لا يزال يؤكد أن بعدا فكريا يمينيا متطرفا يغلف هذا الاطار المادي للصراع و يعطيه بعدا فكريا و دينيا و يستشهد على ذلك بتحالف المحافظين الجدد مع الصهاينة و مع مركبات صناعة السلاح و النفط.

و من خلال التأكيد على كون لبنان عربي الهوية و الانتماء و ملتزما بالقضايا العربية و على راسها قضية فلسطين و من خلال ترابط الصراع في منطقتنا مع الصراع العالمي ضد "الاستكبار" و عدم امكانية الانعزال و الاختباء وراء الأصابع, يعطي حزب الله ضمنيا دورا أكثر ايجابية (بالمعنى الحركي) لمقاومته في هذه المعركة على كل مستوياتها دون الحاجة الي اعادة طرح شعار " زحفا زحفا نحو القدس" كما في الثمانينيات. الا أنه و في نفس الوقت يؤكد, آسفا و متأسفا, بأنه و حتى هذه اللحظة فأن قرار الحرب و السلم موجود في يد "اسرائيل" و ليس في يد اي كان في المنطقة.

ولكن الحزب و اذ يشدد على رفضه التام و المطلق لأي طرح تسووي و لأي اعتراف بحق الكيان الصهيوني بالوجود و لأي تنازل عن شبر من أرض فلسطين التاريخية و يدعو الأنظمة العربية للتخلي عن أوهام التسوية هذه و رفض التطبيع, يعتبر في الوقت عينه أن علامات الأفول و الانحسار قد بدأت تظهر على المشروع الأمريكي ليس فقط في المنطقة و انما عالميا و ما الهزائم العسكرية و الأزمة الاقتصادية الا اشارات في هذا الاتجاه. الا أنه في نفس الوقت يحذر من الافراط في التفاؤل و اعتبار أمريكا منتهية و اسرائيل عاجزة لأنها و رغم كونها في طور الانحسار لا تزال قادرة على توجيه ضربات مؤلمة جدا.

ان أهم ما ورد في الوثيقة السياسية لحزب الله هو لا شك الرؤية الاستراتيجية التي تنجح في صياغة قوانين للاشتباك تجاه الدولة اللبنانية تتمثل بالتكامل بين الدولة و المقاومة الشعبية على أن تكون ضمانة المقاومة سلاحها و ليس اجماعا شعبيا لن يتحقق أساسا, و تجاه العدو الصهيوني تتمثل بالدفاع الرادع و القادر أن يتحول الى تفاعل هجومي في صراع أشمل. و من جهة أخرى التوفيق الناجح بين الأبعاد المتعددة للانتماء سواء كان و طنيا أو قوميا أو اسلاميا أو حتى أمميا. فيتم تجاوز اشكالية الكيانية القطرية من خلال الاعتراف بمشروعية الدولة الديموقراطية و لكن في اطار ثوابت انتمائها العربي و ربط الكل برؤية واحدة لمعركة من أجل العدالة تمتد من كاراكاس الى غزة .

أما الضعف في الوثيقة فيكمن في عدم تضمنها أي طرح متكامل لبديل اقتصادي اجتماعي سواء على مستوى لبنان أو على مستوى العالم.

في النهاية, و بصورة عامة ينجح حزب الله من جديد في تقديم صورة حضارية راقية لحزب ايديولوجي عقائدي مقاتل و لكنه في نفس الوقت يمتلك من الواقعية و البراغماتية ما يكفي لتشكيل حالة استقطاب قيادية لحركات التحرر على المستوى العربي و العالمي. على أمل أن يتعلم التقدميون العرب من هذا الحزب و يخرجوا من خنادقهم الدوغمائية الخانقة الى رحاب الواقعية و الانفتاح على الجميع الا على العدو الصهيوني و الامبريالية من ورائه.

التعليقات