06/12/2009 - 18:59

عن مسرحية "لجم الاستيطان"../ نواف الزرو

عن مسرحية
نعتقد انه حتى لو لبى الفلسطينيون والعرب شروط نتنياهو وباراك وليبرمان وبن اليعازر وغيرهم المتعلقة باستئناف المفاوضات العبثية، وحتى لو وافقوا على الدولة الفلسطينية المؤقتة المحجمة المجردة والمقطعة الأوصال، وحتى لو اعترفوا بـ"إسرائيل دولة يهودية"، وحتى لو لبى العرب شروط "إسرائيل" ومطالبها المتعلقة بالتطبيع الشامل مقابل "لجم الاستيطان"، فإن"إسرائيل" لن تلتزم بالمطالب الفلسطينية العربية الدولية بوقف الاستيطان وبمشروع الدولة الفلسطينية الا إعلاميا-استهلاكيا تضليليا بهدف كسب الوقت وبناء المزيد والمزيد من حقائق الأمر الواقع، ذلك أن الاستيطان هو العمود الفقري للمشروع الصهيوني برمته، فإذا انكسر الاستيطان ينكسر المشروع الصهيوني!.

لذلك يقف الفلسطينيون والعرب -كما يفترض- مجددا أمام خطاب حربي جديد لنتنياهو، فحينما يعلن في المؤتمر الصحفي عن قرار "المجلس الوزاري المصغر" بـ"تعليق الاستيطان جزئيا لعشرة أشهر في الضفة الغربية باستثناء القدس"، فهو يراوغ ويخادع، لأن الحكاية من أولها إلى آخرها أكذوبة ومماطلة وكسبا للوقت، والغاية من ورائها إرضاء الإدارة الأمريكية والأوروبيين ظاهريا، ورمي الكرة في الملعب الفلسطيني وتحميل الفلسطينيين كالعادة مسؤولية الرفض وإعادة استحضار "لا يوجد شريك فلسطيني".

ونظرا لأن نتنياهو لا يمكنه أن يخرج من جلده أضاف قائلا:" إن القرار يخدم مصالح إسرائيل العليا.."، متعهدا بان " تستمر الحياة الطبيعية لأكثر من 300 ألف مستوطن في الضفة الغربية، وبأن لا يتوقف بناء الكنس والمدارس الدينية والمرافق العامة الضرورية خلال فترة التعليق".

بيني بيغن كان الأوضح والأصدق فيما وراء القرار الذي اتخذته حكومة نتنياهو بشأن ما يزعم أنه "تجميد الاستيطان"حيث قال:"إن المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر لم يقرر في جلسته تجميد البناء في الضفة الغربية وإنما فرض قيود على تصاريح بناء جديدة"، مضيفا:" أن الأشهر العشر القادمة سوف تشهد بناء آلاف الوحدات الاستيطانية"، ولو كان الأمر على غير ذلك لما أيده بيغن ولقامت قائمة اليمين والمستوطنين وربما اهتزت أركان الحكومة!

كما أن وزير الخارجية افيغدور ليبرمان أعلنها "أن الكرة أصبحت الآن في الملعب الفلسطيني بعد إعلان إسرائيل عن تعليق أعمال البناء في المستوطنات لمدة عشرة أشهر"، موضحا، وهذا الأهم في تصريحه أن "آخر شيء يجب أن يهمنا الآن هو رد الفعل الفلسطيني على القرار الأخير، وان المستوطنين وأصدقاء إسرائيل في العالم أهم من ذلك".

إلى ذلك فإن كل وزراء حكومة نتنياهو المؤيدين والمعارضين للقرار إنما يلعبون أدوارهم المرسومة في هذا السياق، فهذه حكومة الإجماع السياسي الإسرائيلي على مواصلة تهويد واختطاف الضفة والقدس، فكيف يمكن أن يخرج نتنياهو من جلده إذن..؟!، وكيف يمكن أن تتخلى حكومته عن مشروعها؟!

يزعم المحلل أليكس فيشمان في يديعوت أحرونوت/ 26/11/2009 تحت عنوان:ملزمون بإنقاذ أبو مازن أن "تجميد البناء في المستوطنات هو أنبوب أكسجين آخر من أجل إحياء "الأفق السياسي"، الذي بدونه ستنهار السلطة الفلسطينية، وهذه ليست مسألة إحساس تجاه أبو مازن، أو قصة حب فجائية بين حكومة إسرائيل والعملية السياسية، فحتى الأيدلوجيين المتعنتين من بين وزراء الكابنيت، أدركوا أنه لا مفر، وأنه ينبغي القيام بكل جهد للحفاظ على الاستقرار في المنطقة"، مضيفا:" حتى أولئك الذين يعترضون على تقديم تنازلات سياسية للفلسطينيين يدركون أنه يتوجب عليهم كسب الوقت، وكسب الوقت يعني ترميم العملية السياسية مع الفلسطينيين".

وكان اليكس فيشمان نفسه قد شرح في يديعوت - 12/9/2008 ما أطلق عليه "القانون الحديدي" موضحا: "الأمريكيون أيضا يبدأون في فهم القانون الحديدي الذي تجذر منذ أوسلو: السياسيون في الشرق الأوسط ملزمون بإجراء مفاوضات ولكن من المحظور عليهم الوصول إلى الهدف، التفاوض يعني البقاء والحكم إما اتخاذ القرارات فيعني الموت السياسي، والوصفه الموثوقة لضمان حياة طويلة للسياسيين هي مفاوضات عقيمة".

ولذلك طالب وزير التجارة والصناعة الإسرائيلي الجنرال بنيامين بن العيزر بـ"جر رئيس السلطة محمود عباس "أبو مازن" لطاولة المفاوضات مع إسرائيل بالقوة/2009/11/15"، موضحا:" لا أريد أن أخرب الأمور ولكن الوضع الذي نتواجد فيه ليس جيدا، يجب البدء بالعملية السياسية بالقوة، فإذا كان أبو مازن لا يريد التفاوض معنا يجب دمج طرف ثالث ومن ثم جر أبو مازن بالقوة للمفاوضات، وحينها ليقل الطرف الثالث بأن الفلسطينيين ليسوا على استعداد للتحدث معنا وليس نحن من نقول بأننا لا نريد التفاوض".

إلى كل ذلك كان نتنياهو أعلن: أريد أن أقول من هنا من على منصة الكنيست لكل شعب إسرائيل أن الليكود يسعي لتحقيق السلام ولكن التاريخ اثبت أن السلام يتحقق انطلاقا من القوه وليس من الضعف"، وذهب نتنياهو ابعد من ذلك مؤكدا "لا بديل عن استمرار السيطرة الإسرائيلية على الضفة الغربية".

ووجه نتنياهو رسالة للعرب قال فيها: "لن تستطيعوا هزيمتنا طالما بقينا فوق جبال الضفة الغربية، ونحن لا يجب علينا أن ننسحب من هضبة الجولان بل علينا البقاء فيها".

الجنرال شاؤول موفاز كان أوضح لمجلة "نيوزويك" جوهر السياسة الإسرائيلية قائلا: "إن السبيل الوحيد لإجبار الفلسطينيين على العودة إلى طاولة المفاوضات السياسية ( ضمن الشروط والصيغ الإسرائيلية ) وترك العمليات هو كسر إرادتهم واستعدادهم للقتال، كي يتسنى لـنا أن نقترح الاستسلام عليهم / البروفيسور ارييه أرنون".

بينما كان البروفيسور اليساري باروخ كيمرلنج –توفي مؤخرا- تحدث عن سياسة "الإبادة السياسية" الإسرائيلية للطموحات والمطالب الوطنية الاستقلالية الفلسطينية"، وعن"تدمير مقومات الدولة الفلسطينية المستقلة"، فهذا جوهر السياسات الإسرائيلية على امتداد الحكومات الإسرائيلية منذ إقامة تلك الدولة.

ولذلك لا يمكن لنتنياهو أن يخرج عن طبيعته المعروفة، وسرعان ما يعود لارتداء زيه الحقيقي و"القفازات الحديدية"، فهو رجل الاستيطان والاقتلاع والتهويد.. وحامل لواء المشروع الصهيوني في هذه المرحلة.

نعتقد حقا أن الكرة في الملعب الفلسطيني العربي ولكن على نحو آخر لما يعتقده ليبرمان، ونفترض أن الفلسطينيين والعرب قد وقفوا على هذه الحقيقة الصهيونية الصارخة، وأنه يتوجب عليهم إعادة صياغة خطابهم وأولوياتهم ومطالبهم التي تراجعت إلى مستوى "تجميد الاستيطان" بدلا من" إزالة الاستيطان وتفكيك الاحتلال برمته عن وجه الأرض العربية الفلسطينية!؟

التعليقات