08/12/2009 - 10:44

كنافة نابلسية../ زكريا محمد

كنافة نابلسية../ زكريا محمد
السؤال: ما هي الحقيقية المركزية في السياسة الفلسطينية الآن؟
الجواب: أن خيار الرئيس عباس فشل فشلا مدويا، لكنه غير قادر على الاعتراف بذلك صراحة أمام الناس.
هذا هو جذر الأزمة التي نعيشها.

الرئيس يحاول، في اللحظات الأخيرة، أن يعطي سياسته، التي فشلت فشلا مدويا، فرصة أخيرة. أو قل يحاول أن يستجدي الغرب كي يمنح هذه السياسة فرصة أخيرة.

المحاولة تقوم على الفرضية التالية: يمكن الاستمرار في السياسة القديمة إذا بادرت أمريكا، وبادر الغرب، إلى إعطائنا أمرين، أو واحد منهما على الأقل:
1- وقف توسع الاستيطان اليهودي في الضفة.
2- تحديد المرجعيات، عن طريق قرار ما من مجلس الأمن يثبّت حدود حزيران كحدود للدولة الفلسطينية المأمولة.

المشكلة أن هذه المطالب كان يجب أن تطرح منذ البدء، أي منذ تسلم الرئيس منصبه، وليس الآن. طرحها الآن، والآن فقط، يعني أننا كنا نفاوض من قبل من دون مرجعيات، ومع قبول ضمني بالاستيطان. وهذا يعني أن جريمة محددة قد ارتكبت طوال السنوات الخمس السابقة.

من ناحية ثانية، فإن من لم يفطن إلى أنه كان يفاوض بلا مرجعيات واضحة، ومن لم يضع الاستيطان كشرط للتفاوض منذ اللحظة الأولى، لن يحصل الآن لا على وقف الاستيطان، ولا على تحديد المرجعيات. بإمكانه أن يحلم.

بإمكانه أن يهدد بالتنحي والابتعاد، لكنه لن يحصل عليهما. فلكي يحصل عليهما كان عليه أن لا يبدد خمس سنوات مجانا. الصيف ضيعتِ اللبن، يقال. ولن تحصل على اللبن في الشتاء. كان عليك أن تنزل في الصيف على ركبتيك عند رجلي الناقة وأن تحلب لبنها. أما الآن فلا لبن.

نعم، لا يمكن تعديل قوانين اللعبة التي انخرطت لمدة خمس سنوات في اللحظة الأخيرة. لا يمكن فعل ذلك حتى لو هددت بالتنحي. لا يمكن ذلك حتى لو انتحرت. تعديل قوانين اللعبة عمل مضن جدا وطويل. عمل كفاح يقوم على جمع كل أدوات الضغط والتهديد، وبالاستناد على الناس وحركتهم أساسا.

لكن الرئيس بدل أن يعمد لمصارحة شعبه، وأن يرسم خطوط سياسة تقوم على كفاح مضن وطويل ينتهي بتعديل قواعد اللعبة، أو توضيحها، عمد إلى حركة شخصية تقوم على تهديد الغرب بالتنحي: أعطوني أو بروّح!

طيب، الغرب لا يريدك أن تروح، فقد استفاد من وجودك على رأس السلطة جدا. لكنه لا يستطيع ان يعطيك في ما فشلت في تثبيته منذ البدء. كنت تذهب إلى التفاوض من دون ان تهتم بالاستيطان ولا بغيره. بل كنت تذهب إليه وتحلف أننا سنحصل على الدولة عام 2008.

ثم إن الرئيس يعلن لنا كل يوم أننا كنا على وشك حل المسألة مع أولمرت، وانه لم يبق إلا مسائل بسيطة جدا عالقة، ثم جاء نتنياهو وخرب الأمر. وإذا كان الأمر كذلك، فليس هناك من حاجة لتحديد المرجعيات، ولا لوقف الاستيطان. يكفي فقط أن نعود إلى ما كنا فيه. أي ان تعود تسيبي ليفني. عليه، فلننتظر مجيء ليفني، مجيء غودو خليفة اولمرت، ولنترك حكاية تحديد المرجعيات ووقف الاستيطان. فحين تأتي ستخلصنا من مشكلتي الاستيطان وتحديد المرجعيات!

وإذا كانت ليفني ستحل المشكلة، فإن موضوع وقف الاستيطان وتحديد المرجعيات مجرد أمر للاستهلاك الداخلي الفلسطيني. أي مجرد محاولة لاستعادة الثقة الداخلية التي تزعزعت بسياسة الرئيس. فالرئيس بحاجة إلى شيء، إلى كلمات، إلى إعلانات، إلى بيانات، كي يقدمها للناس علهم يعودون إلى وهم دولة فلسطينية قريبة الموعد.

مع ذلك، فهو لن يحصل على هذه الإعلانات. لن يحصل عليها. لن يحصل حتى على الكلمات المطلوبة حتى يمكنه الاستمرار. إذا أراد ان يستمر فليستمر بالطريقة ذاتها. يمكن بالطبع دفع أوروبا لتقديم جائزة ترضية أوروبية تافهة على شكل بيان، لكن ليس أكثر من ذلك.

وهكذا، فاللحظات الأخيرة لن تجلب شيئا.
مصارحة الناس، ووضع استراتيجية جديدة مكافحة هو الذي قد يوصل إلى شيء. لكن الرئيس لا يحب ذلك. وهو على استعداد لأن يتنحى وأن لا يتورط في ذلك.
لكنه وهو يتنحى يريد أن يتأكد أننا سنمضي في طريق (مفاوضات إلى الأبد)، و(المفاوضات حياة).
من أجل هذا فهو، في ما يقال، يختار لنا صائب عريقات كخليفة له!!

يعني مثل كنافة الفلاحين النابلسية تماما. فهم يصنعون كنافة جيدة لأهل نابلس، وكنافة رديئة للفلاحين. وحين يمر الفلاح عن المحل، ولا يأكل كنافته الرديئة، يقول له الكنفاني وهو واقف على الباب: إلكن، إلكن. إن ما أكلتوها اليوم كنافة حتاكلوها بكرة بقلاوة، وإن ما أكلتوها بقلاوة حتاكلوها نمّورة.
يعني: الكنافة ذاتها ستتحول إلى بقلاوة أو نمّورة، وستأكلوها، ولن تهربوا منها.

هذا هو المنطق الذي نشهده: الأكلة ذاتها غصبا عنا وعنكم!

التعليقات