07/01/2010 - 19:42

وجاء الدور على اليمن بعد أفغانستان والعراق../ جميل مطر

وجاء الدور على اليمن بعد أفغانستان والعراق../ جميل مطر
“ندخل.. نتورط.. نزيد القوات استعداداً لسحبها، وفي النهاية نبقى”، كلمات واضحة وصريحة سمعتها منذ شهور من محلل أمريكي متخصص في الشؤون العسكرية تعليقاً على تطورات الوجود الأمريكي في أفغانستان، تذكرتها وأنا أتابع مسلسل الأحداث سواء ما يجري منها داخل اليمن وما يجري حوله. ولا أخفي أن وراء اهتمامي شعوراً ملحاً بأن اليمن ينجرف، بإرادات خارجية متعددة، ولكن أيضاً بإرادة داخلية، ليحتل المكانة الثالثة في الترتيب الزمني لحروب أمريكا الحديثة، أي الثالثة بعد أفغانستان والعراق.

أعود بالذاكرة إلى اتفاق عسكري وقعه اليمن مع الولايات المتحدة في العاشر من نوفمبر الماضي ينص على نية الطرفين التعاون في الحرب ضد المتمردين، ولم يحدد الاتفاق ماهية المتمردين أو طبيعة التمرد. ثم أعود إلى أبعد، إلى الاهتمام الفائق الذي أولته الولايات المتحدة لليمن منذ حادثة السفينة “كول” التي حاول تفجيرها متطرفون من مواقع لهم في اليمن.

وهناك العديد من الشهادات الإعلامية والسياسية التي تكشف عن دور كبير تقوم به الأجهزة الاستخباراتية والعسكرية الأمريكية في مناطق بجنوب اليمن والعاصمة صنعاء ومناطق نائية. ولم يكن خافياً على امتداد السنوات الأخيرة النشاط المتزايد من جانب قوى خارجية متعددة تسعى في كل أنحاء اليمن لمعرفة الحجم الحقيقي لتنظيم القاعدة وقواعده في اليمن وعلاقاته بتنظيمات أخرى في المنطقة، وبخاصة في الصومال، ولكن أيضاً في الساحل الغربي لإفريقيا حيث تنشط القوات المسلحة الأمريكية ممثلة في كتيبة المظلات رقم 33، مع قوات دولة مالي في تعقب عصابات “المتمردين” في شمال البلاد. هناك أيضاً، ونقلاً عن مصادر جزائرية ومغربية، عثروا على أدلة تثبت وجوداً يمنياً في صفوف متمردين أفارقة في منطقة الساحل.

لذلك لم يكن مفاجئاً، لي على الأقل، التطور الأخير من جانب الأمريكيين واليمنيين بالكشف عن نماذج من التدخل العسكري الأمريكي لقصف مواقع في اليمن. ولدى البعض ممن تحدثت إليهم تصور أن التدخل بشكله وأبعاده الراهنة ليس أكثر أو أقل من مقدمة لعمليات غزو واحتلال لا تختلف كثيراً عن عمليات غزو أمريكا واحتلالها لأفغانستان والعراق وأخيرا باكستان.

الواضح لي ولكثيرين من الخبراء الذين تحدثت معهم أن عمر فاروق عبدالمطلب لم يكن المبرر الوحيد للتعبئة المحمومة الجارية حالياً استعداداً لشن عمليات واسعة ضد اليمن. كانت ومازالت هناك ظروف عديدة جاءت متدرجة ثم متسارعة وتراكمت دافعة في طريقها أطرافاً غير قليلة العدد للاستعداد لمرحلة وشيكة من حرب أمريكية ضد اليمن. ومن هذه الأطراف من بدأ بالفعل ينفذ حروباً بالوكالة ومنها من شن حملات مستخدماً كتائب إعلامية. استطيع أن أجمع هذه الظروف في لحظتين، لحظة يمنية ولحظة أمريكية. كلاهما لعب دوراً في الإعداد لتطور الأحداث نحو وجهة معينة.

عبرت اللحظة اليمنية عن نفسها خلال السنوات الأخيرة في أشكال كثيرة. ظهرت في كافة الإحصاءات وتقارير المؤسسات الدولية ورسائل الإعلاميين الأجانب، مرددة عبارات بعينها، وهي أن اليمن الدولة الأفقر عربياً، وهي من بين الدول الأشد فساداً في العالم، وهي الدولة الأكثر احتمالاً لأن تتعرض للسقوط والانفراط فينطبق عليها القول فيعلن أنها دولة فاشلة كما الصومال.

هكذا بدت دولة اليمن للعالم الخارجي. بدت مكاناً مثالياً لاستضافة قيادات ومواقع تدريب تنظيمات متطرفة، بدت هدفاً رائعاً لكلا الطرفين، الإرهاب والحرب ضد الإرهاب. يحيط به، ويزيده روعة، حلقة من مواقع أخرى لا تقل في الأهمية الاستراتيجية عن أهمية اليمن. هناك وعبر الحدود تربض المملكة السعودية المسرح الكبير لتنظيم القاعدة وهدفه الأعظم والنهائي، وعلى بعد أميال معدودة توجد الصومال، الدولة النموذج لحالات فشل الدول وسقوطها. وتوجد إريتريا الدولة النموذج لحالة إثارة الشغب الإقليمي، وتوجد جيبوتي، القاعدة العسكرية والبحرية النموذج لحالة تتمنى أمريكا أن تراها متكررة في دول أخرى من القارة، وهي حالة الدولة القاعدة العسكرية، حيث يوجد معسكر “لوميير” باعتباره القاعدة العسكرية الدائمة والوحيدة لأمريكا في إفريقيا والأقرب بين كل قواعد أمريكا إلى اليمن والصومال وإريتريا والسودان وإثيوبيا والبحر الأحمر. ويوجد محيط استحق أن يطلق عليه بحيرة القراصنة حيث تحتشد بوارج عسكرية وقوات مسلحة وبواخر تجارة معرضة للاختطاف وقوارب سريعة يقودها إرهابيون ينشرون الذعر والفوضى في أحد أهم الممرات المائية في العالم. هذه العناصر بالإضافة إلى ظروف وأوضاع إقليمية يتعلق بعضها بمواقع الثروة النفطية والنشاط الثوري الإيراني والتوتر المذهبي في جميع أنحاء الجزيرة العربية، شكلت جميعها اللحظة اليمنية عند التقائها باللحظة الأمريكية.

هنا أيضاً لم يكن عمر فاروق عبدالمطلب السبب الوحيد وراء اقتناعي، وربما اقتناع محللين آخرين، بأن الولايات المتحدة سوف تقدم على احتلال اليمن أسوة بما فعلته في أفغانستان والعراق، وما تفعله في باكستان، بل سبقته خطوات وتطورات جعلت واشنطن أكثر استعداداً لتنفيذ هذا الاحتلال لو توفر الظرف المناسب.

كنت قد كتبت عن أوباما، الرئيس الذي جاء إلى واشنطن محمولا على وعود التغيير الداخلي وحل المشكلات الدولية بوسائل غير عسكرية، قائلا إنه سيضطر إلى الانحناء أمام المؤسسة العسكرية الأمريكية لا لشيء سوى أنه تولى المنصب وأمريكا في حالة حرب، بل حربين. وعندما تكون الدولة في حالة حرب يصبح متوقعا أن يكون للعسكريين صوت أعلى من بقية الأصوات.

وبالفعل انحنى أوباما مرتين على الأقل خلال العام الأول من ولايته. فقد استجاب إلى الضغوط العسكرية المطالبة بزيادة ثم زيادة أخرى في ميزانية الدفاع خلال عام واحد قبل أن يوقع على زيادة ضخمة في ميزانية الدفاع للعام القادم بلغت 600 مليار دولار. معنى هذا أنه سيسجل في عهده أن ميزانية الحروب الأمريكية زادت من تريليون إلى تريليون و464 مليار دولار أي بنسبة 5،41% من مجمل الإنفاق العسكري في العالم بأسره. كذلك اقتنع برأي العسكريين في ضرورة زيادة عدد القوات في أفغانستان، وإن كان وضع شرطا ملازما وهو أن تكون الزيادة بهدف تسريع الانسحاب.

ويعلم أوباما كما يعلم العسكريون وغيرهم أن الانسحاب الذي يقصده أوباما لا يعني الانسحاب الكامل، ففي العراق سيبقى آلاف الجنود الأمريكيين في قواعد عسكرية جار تشييدها وكذلك في أفغانستان، باعتبار أن المهمة التي حددها العسكريون لا تنتهي إلا بإعادة بناء مؤسسات الدولة التي دمرها الغزو والاحتلال.

ووجدنا في أمريكا من يعيد إلى أذهاننا الأسباب التي من أجلها دخلت أمريكا الحرب في أفغانستان، ويحاول تطبيقها على الحالة الراهنة في اليمن، وهي حماية أمريكا من الإرهاب وحماية منطقة الخليج، وحماية مصداقية الولايات المتحدة بين حلفائها، وهزيمة الطالبان، وفي حالة اليمن هزيمة الحوثيين وغيرهم من القبائل المتمردة في الشمال، وكذلك القبائل المتمردة في الجنوب والوسط بخاصة في شبوه وأبين والبيضا ومأرب وحضرموت، مسقط رأس والد أسامة بن لادن. وأغلبها يتعرض الآن لقصف الطائرات الأمريكية من دون طيار وصواريخ كروز.

ومن الأسباب المعلنة أيضا إقامة دولة فاعلة ومستقرة في اليمن وحكومة رشيدة في صنعاء. وفي تصوري على كل حال أن أمريكا تعود بسرعة إلى مزاج الحرب وبخاصة بعد حادثتي معسكر “فورت هود” ثم طائرة ليلة رأس السنة. وفي الحالتين كانت اليمن لاعباً أساسياً. وعندما يتغلب مزاج الحرب على مزاج السلم يصعب تصور إمكانية عودة أوباما إلى خطه الأساسي ووعوده، كما يصعب الاستمرار في دغدغة المشاعر هنا في شرقنا الأوسط أو في أمريكا باستخدام حجة أنه قادر لا محالة ذات يوم على فرض إرادته.

تبقى لحظة ثالثة وأخيرة، وهي اللحظة العربية حيث تبدو العواصم العربية، بما فيها صنعاء عاصمة اليمن، غير مبالية وبعضها ربما مؤيد لخطوات التدحرج التدريجي نحو حرب أوسع نطاقا في اليمن واحتلال أمريكي قصير أو طويل الأمد. أقول بما فيها صنعاء عاصمة اليمن لأنني كلما قرأت عن قرار أمريكي بزيادة المعونة الاقتصادية لحكومة اليمن تذكرت نكتة كانت تتردد خلال الحرب الأهلية في اليمن في الستينيات وفحواها أن نصيحة وجهت للرئيس اليمني تدعوه لإعلان الحرب على أمريكا التي سوف “تهزمنا بالتأكيد وتحتل أراضينا وتتولى الإنفاق علينا”.

أرى علامات سعادة تكسو وجوه قادة الحكم في اليمن هذه الأيام، وبخاصة بعد تصريح هيلاري كلينتون الأخير عن زيادة المعونة المخصصة لصنعاء، بينما الطائرات الأجنبية تقصف اليمن والسفارات ترحل، والأساطيل تتحرك وشبح الغزو جاثم. أرى علامات السعادة وأتعجب.
"الخليج"

التعليقات