08/03/2010 - 09:56

ضحايا النظام الأبوي لسن فقط النساء../ عرين هواري

ضحايا النظام الأبوي لسن فقط النساء../ عرين هواري
كثيرا ما تطرح النسوية كأنها تضامن مطلق بين النساء، تضامن يرى الهوية الأنثوية هوية جامعة وقاطعة للظروف وللسياقات، وبالتالي تعتقد الكثير من النساء أن من واجبنا دعمهن والوقوف إلى جانبهن بكل الظروف، كما ويلومنا بعض الرجال قائلين: لماذا لا تدافعون عنا؟ فنحن أيضا مساكين.

يجدر برأيي التوضيح أننا كحركة نسوية لا نتضامن مع النساء لأنهن خلقن نساء، كما ولا نتضامن مع كل امراة بغض النظر عن موقعها وعن دورها. كما ولا نقف مطلقا ضد الرجال بل ضد منظومة رجولية.

يطرح الكثيرون أسئلة وتساؤلات بعضها يضيء زوايا جديدة لمعالجة القضايا النسوية، وبعضها يأتي بهدف التشكيك المتعمد بعدالة المشروع النسوي، سأقتبس المثال التالي لأوضح موقفي من دعمنا للنساء، ولأؤكد أيضا أن ضحايا النظام الأبوي لسن فقط النساء ولسن دائما النساء.

"طيب أنا كمان مسكين ليش بتدافعوش عني، ما أنا بروح كل يوم على الشغل وبتعب، ومرتي قاعدة بالبيت مدللة، وكل يوم بتقول لي خلصت شغل البيت بكير وزهقانة وبدها مصاري عشان تروح تتشرى، وأنا برد عليها عشان إذا ما بصرف عليها ما بكون زلمة وبصير مسخرة عند الناس".

رغم أن هذا السيناريو مستعمل كثيرا في نقد عملنا النسوي، ورغم معرفتنا أن هذا الواقع ليس متواجدا في كل البيوت، ولا في نصف البيوت ولا في ربعها، لأن معظم نساء شعبنا تعمل في البيت كثيرا، ولا تملك مزيدا من الموارد الوقت للتفرغ للتسوق متمتعة داخل المجمّعات. هذا امتياز لا تحصل عليه نساء مجتمعنا الذي يعيش بغالبته تحت خط الفقر.

مع هذا، نعم، كثيرا ما تقضي النساء إضافة لعملها داخل البيت بعضا من الوقت في المحلات التجارية والمجمعات، ولكن ليس من أجل شراء معاطف الفرو وكنادر الجلد، وإنما من أجل المفاصلة والمقارعة والمقارنة بين الأسعار لكي تشتري حاجيات أولادها وبناتها، ولكي تستطيع توفير ميزانية الأسرة لغاية نهاية الشهر. فمهمة التجاوب مع متطلبات الأولاد في عصر رأسمالي معولم، يقدس الاستهلاك ويفرضه دون أي بديل على المجتمعات الفقيرة والغنية على حد سواء، هي مهمة النساء وليست للرجال، هذه مهمة يتهرب منها الرجال بشكل استعلائي وساخر مدّعين ان النساء تحب وتستطيع القيام بهذا العمل، معظمنا تذوت هذه المقولات، ولكن هذا لا يجعل المهمة ممتعة. جزء كبير من النساء تقوم بهذه المهام إضافة الى مهامهما في العمل داخل وخارج البيت، بينما يعفى الزوج من هذه المهام وتقتصر وظيفته على الإعالة، وإن لم تعد حصرية عليه. يعني هذا أن السيناريو أعلاه لا يمثِّل واقع النساء ومع ذلك أقول:

نعم هنالك قلة من النساء يعاني أزواجهن بينما يعشن مدللات، ورغم رفضي للتعميم الذي يقوم به الكثيرون ، أريد الإشارة إلى مسألتين:

أولا: تضامننا النسائي ليس مطلقا، وليس قاطعا للظروف الاجتماعية والسياسية، فنحن ندعو الى التضامن بين النساء لأن النساء شريحة مقموعة ومضطهدة كفئة اجتماعية، و هذا لا يعني أن كل النساء بالضرورة مقموعات، البعض تملك الكثير من الموارد والامتيازات، وجزء منا أيضا يمارس أدوارا قمعية وشريكات فعالات في منظومات القهر، يأخذن به دورا لا يقل عن دور زملائهم الرجال.

وبالتالي فنحن نتضامن مع المجموعة المقهورة من أجل التحرر والتغلب على القهر، ولا نتضامن أوتوماتيكيا مع كل امرأة وتحت كل ظرف. تماما كما نرى أنفسنا جزءا من تيار قومي، وندعو للوحدة والتضامن والتكافل بين شرائح الشعب الفلسطيني والعربي دون أن نتسامح مع من يستفيد من الاحتلال ومن يتعاون معه، ونرفض الفاسدين ومستغلي النفوذ. فالتضامن النسوي تماما كما الوحدة الوطنية مشروع من أجل مناهضة القهر ومن أجل التحرير وليس تضامنا لذاته أو وحدة لذاتها.

ثانيا أرى من الأهمية بمكان التوضيح بأننا لا نرى المجتمع البطركي -الأبوي قامعا للنساء فقط، فجزء كبير من الرجال ولا سيما الواقعين تحت ظروف القهر القومي، يعانون أيضا في ظل النظام الأبوي، الذي يفرض عليهم مهاما قاسية جدا، فالرجل لا يستطيع أن يكون عاطلا عن العمل دون ان يشعر بأن "رجولته" مهددة بنظر المجتمع، بينما تستطيع المرأة أن تبقى عاطلة عن العمل دون أن يلومها أحد.

نفس النظام الذي يرى أن مهمة المرأة الحفاظ على "شرف" أبيها وأخيها وزوجها من خلال بقائها داخل "الحرملك"، يرى أن من واجب الرجل والأخ اضطهاد اخته وزوجته وابنة عمه والتدخل في حراكها في المجتمع كي يحافظ على "رجولته"، رجولة ثمنها في أحيان كثيرة أن يكون عنيفا وظالما وفي حالات قليلة عليه أن يتحول لمجرم ويعاقب الأنثى التي من المفروض أن تكون "تحت وصايته"، دونما ذنب وفقط ليحافظ على "رجولته". رجولة يجعلها القاهر مهزوزة عندما يفرض عليه الحواجز والجدارات والأحكام العسكرية والفقر ويمنعه من الحراك بالحيز العام. رجولة يعوض عنها أحيانا بالسيطرة على بيت صغير وعلى زوجة وأولاد.

نحن إذ نولي أهمية قصوى لتضامن أفراد المجموعات المقهورة، نؤكد بأن عداوتنا هي للقهر وللقمع حين يمارس من قبل الرجال، وأيضا حين يمارس من قبل النساء، فالنساء لسن بجوهرهن أفضل من الرجال، كما ليس العرب بجوهرهم أفضل من باقي الشعوب وخطاب التفضيل بين الأجناس والأعراق خطاب عنصري أبعد ما يكون عن النسوية وعن فكر التحرر القومي.

التعليقات