03/04/2010 - 11:59

المنطق الأمريكي: التوازن المنطقي يعني أمن إسرائيل أولا../ خالد خليل

المنطق الأمريكي: التوازن المنطقي يعني أمن إسرائيل أولا../ خالد خليل
يكثر الحديث في إسرائيل هذه الأيام عن الأزمة في العلاقات بين نتنياهو واوباما إلى درجة اعتبارها ذات طابع شخصي بين الرجلين. وقد أجرت مراكز إسرائيلية مرموقة استطلاعات للرأي حول مستقبل العلاقات بين البلدين وموقف الشارع الإسرائيلي منها.

ومن الواضح أن هذا الشارع، وفقا للاستطلاعات، مقتنع تماما بوجود أزمة عميقة، ويبدي استياء من اوباما لأنه يمارس ضغوطا على إسرائيل ويحاول فرض رؤيته وسياسته عليها. وقد اعتبر 25% من المستطلعين أن هناك أساسا لنزعة لاسامية في تصرفات وتصريحات الرئيس الأمريكي تجاه إسرائيل، في حين عبر غالبية المستطلعين عن رفضهم الرضوخ للضغوط الأمريكية تحت أي ظرف من الظروف.

هذا التوجه المتبجح هو احد سمات ما أطلق عليه اولمرت جنون العظمة الإسرائيلي، وهو أيضا ليس جديدا، فقد شهد، مثلا، الشارع الإسرائيلي مؤخرا تنامي التيار الذي يدعو إلى ضرب المنشآت النووية الإيرانية حتى دون تنسيق مع الولايات المتحدة التي ما زالت تغلب سياسة العقوبات والضغوط الاقتصادية والدبلوماسية على المواجهة العسكرية في الملف الإيراني، على الأقل في المرحلة الراهنة.

بغض النظر عن مدى عمق الخلاف في المواقف الإسرائيلية والأمريكية في مسالة الاستيطان، فان موقف الشارع الإسرائيلي المشار إليه يبقى شعبويا ولا يشكل معيارا للعلاقة المتميزة بين إسرائيل وأمريكا، المبنية أصلا على مصالح إستراتيجية اكبر بكثير من الجزئيات موضع الخلاف. لكن هذا لا ينفي إطلاقا، حتى في إطار هذا السقف، وجود رغبة حقيقة لدى الإدارة الأمريكية بحصول تغيير داخل الائتلاف الإسرائيلي الحاكم واستبدال التركيبة اليمينية بحزب كاديما الذي تعتبره أمريكا عقلانيا واقل تطرفا من حزبي شاس ويسرائيل بيتينو.

ولا شك أن الدافع الرئيسي وراء هذه الرغبة هو خلق توازن منطقي في التوجهات السياسية للأطراف الحليفة والموالية لأمريكا، أي إسرائيل ومعظم الأنظمة العربية وبالتحديد تلك التي وقفت وراء موقف الجامعة العربية بشأن المفاوضات غير المباشرة، وليس صدفة أن تعود الإدارة الأمريكية هذا الأسبوع على مطلب وقف الاستيطان لمدة أربعة اشهر وبدء المفاوضات غير المباشرة.

إدارة اوباما تدرك تماما أنها لا تستطيع تحقيق التوازن المنشود في ظل وجود يسرائيل بيتينو في مركز القرار الإسرائيلي، لأنه يعلن جهارا وبكل مناسبة رفضه للتسوية حتى من وجهة النظر الإسرائيلية والأمريكية على السواء، لا بل انه المحرك الرئيسي لموقف الشارع الإسرائيلي المتبجح والمتمادي حتى على أمريكا، وقد تجلى ذلك واضحا في دعوته هو وبيني بيغن لنتنياهو وقف زيارته لأمريكا وعدم الخضوع لاملاءاتها والعودة لإسرائيل في أعقاب احتدام النقاش مع الرئيس الأمريكي حول مسألة الاستيطان في القدس.

لذلك من الطبيعي أن تسعى هذه الإدارة إلى إقناع نتنياهو بضرورة إجراء تغييرات على ائتلافه الحكومي. وهذا لا يعني أن تغييرات من هذا النوع تضع حدا لتعنت نتنياهو، فهو أيضا بحد ذاته ينزع باتجاه مواقف أكثر تطرفا ويمينية تنسجم مع الشعبوية السائدة في المجتمع الإسرائيلي. لكن رغم ذلك تعي إدارة اوباما أنها تتعامل مع شخصية براغماتية تلائم نفسها للتطورات والتغيرات السياسية وفقا للحاجة، لذا فهي ما زالت تراهن على نتنياهو رغم تجنيده للوبي الصهيوني في أمريكا ضد اوباما في قضايا أمريكية داخلية مثل القانون الصحي. ويعتقد أن عزم اوباما لمعارضيه في الإصلاحات الداخلية ومن ضمنهم اللوبي الإسرائيلي، يفسح أمامه المجال للضغط مجددا على نتنياهو لقبول الأجندة الأمريكية.

ومن المؤسف أن يتم تسويق هذه الأجندة عربيا وفلسطينيا على أنها انحياز للعرب والفلسطينيين باتجاه تحقيق تسوية عادلة. حيث في الواقع لم يطرأ أي تغيير على الحل الأمريكي المطروح للقضية الفلسطينية، فهو دولة منزوعة السيادة بدون عودة اللاجئين وعاصمتها أبو ديس (القدس) التي طلبت أمريكا من إسرائيل قبل يومين اعتبارها منطقة أ .

خلاصة القول فان التعامل مع الخلاف القائم على انه أزمة مفتعلة ليس صائبا مثله مثل اعتبار موقف اوباما انحيازا للقضايا العربية فهذا أيضا غير صحيح ولا يتعدى كونه وهما، فالخلاف قائم لكنه لا يخرج عن إطار البيت الواحد والإستراتيجية الموحدة.

الأزمة الحقيقية تكمن في التفكير العربي الرسمي الذي فقد الخيارات، وسلم بحالة العجز والرهان المتوهم على حسن النوايا الأمريكية، التي حتى وان توفرت على مستوى خلق توازنات منطقية بين حلفائها، تبقى كفتها مائلة لصالح إسرائيل وأمنها كمصلحة إستراتيجية عليا للولايات المتحدة كما صرح اوباما في أكثر من موقع ومناسبة قبل وفي ظل الأزمة-الخلاف.

التعليقات