24/04/2010 - 18:10

عاش القرار الوطني الفلسطيني المستقل!!../ ناصر السهلي

عاش القرار الوطني الفلسطيني المستقل!!../ ناصر السهلي
مشهد الساحر على المسرح مغر جدا.. هلوسة ولوثة تصيب العقل، ومن خفة الحركة تتحرك مشاعر الجمهور الذي يتأوه تعجبا من تحويل الأشياء (الحية والجامدة.. كلها كائنات بالنسبة لي) إلى أشياء أخرى.. ألم يُعجب أحدكم، قبل اكتشاف الخدعة، بتحويل أحدهم لقطع قماش ملونة إلى حمام.. أو أفعى إلى أرانب.. نعم أرانب؟

المشاهد الصغيرة للتلاعب بعقولنا لا تكفي.. نريد المزيد.. يجيء دافيد كوبر فيلد ليشعل المزيد من غرائز العقل البشري، فيدعي إزالته لأشياء ضخمة من أمام ناظرينا.. دبابة مثلا.. طائرة أو تمثال الحرية عند مدخل نيويورك.. عندنا أيضا من يستطيع أن يسحر العقول، يجعل عقلك يرى تجميد المستوطنات أمرا واقعا.. في الضفة.. لا ينقصنا سوى تجميدها في القدس.. ووضعنا عال العال..ازدهار اقتصادي.. أمن وأمان، لنا و"لجيراننا".. صار باسمنا في موسوعة غينيس أكبر رغيف مسخن.. وعندنا حكومة "المنجزات الوطنية السرية" في الطريق نحو الدولة.. ألزمنا نتنياهو ليقول للمتطرفين "البناء سيتضاعف 4 مرات بعد سبتمبر"..
ورئيس سلطة يدعو أمام "مجلس ثوري".. أشدد على " ثوري".. إلى عدم الوقوع فيا وصفه بـ" فخ الاستفزاز الاحتلالي" الذي يمارس ضدنا وعدم الانجرار إليه".. هوب.. وبلمسة سحرية لن نأكل "بطيخ" المستوطنات.. فلننشد إذا "هذا هو رد ثورتنا.. هذا هو الرد"!

صعب جدا أن أزعجكم بكل المنجزات الوطنية الكبرى.. الطريق سالكة في كل الاتجاهات.. لا مطبات ولا حفر "إلا تلك من القوى الإقليمية التي تمنع المصالحة".. تقول وكالة الصحافة الفلسطينية "صفا" السبت 24 أبريل:
وتوجه عباس إلى القوى والأحزاب والقيادات الإسرائيلية إلى المضي في حوار سياسي ومفتوح مع القوى والأحزاب والقيادة الفلسطينية، مؤكدًا أن ذلك سيتم جنبًا إلى جنب مع الجهود المبذولة لإطلاق عملية التسوية وإحياء المفاوضات.. وقال عباس إن دعوته للحوار مع القوى الإسرائيلية تشمل أيضا قيادات التجمعات والمنظمات اليهودية في العالم وفي مقدمتها "الإيباك والجي ستريت" اليهودية، مشيرًا إلى أنه سبق وأجرى حوارات مع هذه القيادات في السابق.

جيد.. ممتاز.. رائع.. تصفيق..
لماذا؟
لأن "السيد الرئيس" يتابع أمام "المجلس الثوري": مسؤولية اتخاذ القرارات الصعبة يجب أن تكون مسؤولية "المجتمعين الفلسطيني والإسرائيلي".. أترى أيها المجتمع الفلسطيني مسؤوليتك في بقاء الاحتلال؟

ولأن "سيادته" أكد على أنه في اللحظة التي توقع فيها حماس على المبادرة المصرية سيقوم شخصيًا برعاية الحوار الوطني واللقاء مع مختلف القيادات بدون استثناء ومناقشة الملاحظات والمخاوف بروح فلسطينية منفتحة.. منفتحة جدا جدا.. حتى تضيع الحدود وتعم ميوعة اللغة والقرار..

يا سلام على "رئيسنا" وانفتاحه الذي يدمي القلوب حزنا، ويُدمع العيون أسى أن البلاد لم تنجب لنا مثيلا له.. رئيس يعرف أن الاحتلال يريد "استفزازنا" بصواريخه وحصاره ونهبه للأرض وتهويد القدس واعتبار الشعب متسللا واعتبار الأرض المحتلة توراتية.. ورغم ذلك يصدق بأن هناك شيئا يمكن التفاوض عليه باعتبار أن ما تقيمه دولة الاحتلال "باطل".. لكن يمكن " تبادل الأراضي".. ويمكن دراسة " دولة ثنائية القومية في الضفة" وهو المشروع الذي سيتم طرحه لاحقا بعد استكمال مشوار السحر برتوش أميركية..
تصفيق.. صراخ.. شد شعر.. هذا هو الرد..
العم الشيخ إمام مع العم أحمد فؤاد نجم نبشا عقولنا، إلا بعض العقول المأخوذة بالعم سام فتموت وهي تؤمن بأن كل شيء بيده، حين غنوا لنا عن المستر نيكسون.. نبشوا المزيد بأغنية " يا فلسطينية".. رحل نيكسون وما يزال كيسنجر شاخصا في كل مبعوثي الإدارة الأميركية إلى منطقتنا.. يعترف البعض بأن دينيس روس لم يكن سوى صهيوني معتق.. مارتن إنديك كذلك.. حتى أنهم اخترعوا لنا مبعوث للرباعية لكي يتوسع المسرح وليكثر السحرة الذين يأكلون بعقلنا حلاوة..


ماذا لدينا من عروض جديدة على مسرح البلاهة؟
المسرح هذه المرة معد خصيصا للنخبة.. فلا أنا منها ولا أنت أيها القارئ.. إنها نخبة من التي تجيد فنون الترف والتواضع المصطنع.. تخيل هذا التواضع الذي يتنازل فيه "كبارنا" ليلوثوا أيديهم بزرع شتلة زيتون بدل الشجرات التي يقطعها مستوطنون آتون من بلاد العم سام.. بل حتى قيادة بغل يجر محراث..

بلعت أميركا الإهانة.. يقولون لك ولي.. نزل أوباما من أعلى الشجرة، يضيفون.. وطالما أن أميركا في الجيب الصغير للصهيونية فلا شيء أمامك سوى القبول بالمشهد الساحر.. يأتي ميتشل ليتلقى القبلات.. وليخبرنا "زعاماتنا" بأنهم سيعرضون عرض ميتشل، وهو بالتأكيد عرض تل أبيب، على الجامعة العربية.. وتكتك يا متكتك تكتك.. فالقرار الوطني المستقل خط أحمر اللون.. وأنا، مثل ناجي العلي، يجن جنوني أيضا حين أسمع عن الخطوط الحمراء.. لأنها "بقدرة ساحر" تصير إلى خضراء.. وفي قبعة العام سام أكثر من أرانب وحمام ليسيل لها لعاب أصحاب نظرية القرار المستقل..

بالمناسبة، كان عبد الله حداد ( دققوا بالاسم جيدا) صاحب أغنية التكتيك ورعي الأغنام قد أُرسل إلى الحدود التشادية- الليبية فوجد نفسه يلاعب الفئران الصحراوية بعد أن كان يحذر في أغانيه من السقوط والموت في البانيو.. إنها مفارقة عجيبة، تشبه مفارقة سارتر الذي قال إن أبشع أنواع الموت أن تموت بحادث سيارة.. فمات بحادث سيارة.. وكذلك عبد الله حداد مات بسكتة قلبية والماء الساخن ينسكب عليه في البانيو.. لكن أين؟ .. في الدانمرك حين بدأت أوسلو تطل برأسها لتقصقص وتهذب "الثورة" في الطريق إلى وهم الدولة..
القرار الوطني المستقل.. آه يا قرار.. سألت نفسي سؤالا: إذا كان نتنياهو قد أجبر الأمريكيين على بلع الإهانة لبايدن.. وواصل الاستيطان غير آبه بكل الثرثرة الفلسطينية بالتهديد بوقف "التنسيق الأمني" .. وإذا كان بدأ تنفيذ القرار العسكري باعتبار الضفة " يهودا والسامرة".. فهل مطلوب أن نعود بحركة تكتيكية إلى الحاضنة العربية لنبلع المنجل التزاما بلجنة متابعة المبادرة العربية؟

لنتوقف قليلا أمام هذا المشهد الهزلي.. هل من الممكن أن يصارحنا أحد في "ثورتنا" عن صلاحية هذه اللجنة؟ هل دعوة السيدة هيلاري كلينتون لتفعيل المبادرة يعني أنها لجنة ستنشط بعد أن يتم بلع المنجل؟.. نعم، حتى لا تزعل " قيادتنا" الفذة المستلبة لعقولنا ويجري اتهامها بالتفريط بالثوابت فلا ضير أن نطلب غطاءا عربيا.. ويا دار ما دخلك شر.. و"يخزي العين على هيك قيادة ثورية".. تتذكر عمقها العربي ( بعد درس الردح الطويل للتدخل في القرار الفلسطيني المستقل) حين ترى نفسها مقدمة على القول لشعبها: "نحن لم نتخذ القرار، أصلا ليس من صلاحياتنا" وهي جملة تكررت مع عدة السحر من "لاب توب" في تبرير ما جرى مع تقرير غولدستون!

في الأول من أيار ستجتمع لجنة المبادرة العربية.. وسيُعرض عليها العرض الجديد ( القديم).. ربما بعض الماكياج التجميلي.. تنازل صهيوني "مؤلم" في رفع الحواجز غير الشرعية بمنطق القانون والشرعية الدولية.. المستعاض عنها بما في طاقية العم سام وأولاد العم حين يمنون على الفلسطينيين بخطوات حسن نية في أبو ديس والعيزرية..
"دولة مؤقتة" يا عرب!
هل نذهب إلى المفاوضات "غير المباشرة"؟

"على بركة نتنياهو أوباما.. وحسن النية ولعدم تفويت الفرصة وحتى لا تتهموا يا جماعة بتعطيل المشروع السلمي الأميركي.. فاوضوا ثم فاوضوا حتى لا تحرجوا أمام شعبكم"!

أتتوقعون غير ذلك؟
من نسأل؟ المنظمة أم السلطة؟..

كانت حنان عشراوي وفيصل الحسيني وبقية الأسماء تقول لجيمس بيكر ومبعوثي أميركا في التسعينات: عنواننا م ت ف.. هي مرجعيتنا عليكم التفاوض معها.. هي صاحبة القرار الوطني!

اليوم.. هناك أسئلة محيرة.. ومثيرة للريبة والشك..
من هي السلطة الفلسطينية؟ ومن هي م ت ف؟.. أيهما المرجعية الوطنية لكل الشعب الفلسطيني؟

كالعادة.. تجتمع اللجنة التنفيذية والقيادة الفلسطينية.. يتلى بيان باسم التنفيذية.. يكون القرار متخذا في أروقة السلطة وبهمة كبار المستشارين والمفاوضين.. يحتج بعض أعضاء اللجنة التنفيذية على أنه "لم يكن هناك إجماع.. وجرى تحريف ما نوقش"..
لكن.. سمع هس.. فصائل "أضرب واطرح" تعلن عن رفضها لإعطاء غطاء.. لا أحد يستشيرها أصلا إلا حين يُراد استكمال ديكور المسرح..
وبالرغم من ذلك يتغنون بالقرار الوطني المستقل.. صار عندي شك وريبة بأنه مستقل عن الشعب الفلسطيني كله..

هل يقول عباس إنه ضد " دولة مؤقتة" الحدود وأنها في خارطة الطريق "اختيار وليس إجبار"؟.. أها..
إليكم الخبر التالي.. اقتباس من وكالة سما الإخبارية السبت 24 أبريل: "نقلت الإذاعة الإسرائيلية اليوم عن المصادر قولها إن إسرائيل لم تطرح على القيادة الفلسطينية فكرة إقامة دولة بحدود مؤقتة، بل عرضت عليها اقتراحاً آخر ينص على توسيع صيغة جنين النموذجية بمعنى تسليم الفلسطينيين المسؤولية الأمنية عن أي منطقة يثبتون فيها قدرتهم على حفظ الأمن ومكافحة الإرهاب"..

ما رأيكم لو قلت بأن " قيادتنا" تعيش منذ 18 عاما حالة امتحان عصيب.. نعم مثل امتحانات التلاميذ على مقاعد الدراسة.. وبغض النظر عما إذا كان المحتلون نصابين وكذابين.. إلا أن واقع الحال هو ما تفرضه العقلية الأمنية الصهيونية.. بدليل أن بعض التلاميذ النجباء، اللهم لا حسد، تستهويهم رحلات تل أبيب وإيلات والسهرات في الفنادق.. وحين يعودون إلى شعبهم يكونون في حالة استرخاء تام..

فلنقاطع البطيخ " الإسرائيلي" إذا.. وسلامي إلى القرار الوطني المستقل.. وإلى كل أعضاء اللجنة التنفيذية.. نحن لسنا بخير.. مفعول السحر ولى منذ زمن بعيد.. لم نعد قططا مغمضة العيون.. ولم تأكل العملية السحرية عقولنا.. ولا ألسنتنا..

التعليقات