26/04/2010 - 07:28

التناقض الثانوي لا يعني أنه "مش مهم"!../ خالد بركات

التناقض الثانوي لا يعني أنه
لا شيء يشبه خلافاتنا الفلسطينية الداخلية. إنها خلافات حقيقية وقديمة. تتغير فيها الأسماء والرموز لكنها تبقى. يبقى جوهرها. ذلك لأن خلافاتنا تعكس حدة التناقض ووتيرة الصراع السياسي بين فريقين متعارضين في المشهد الفلسطيني ولم يلتقيا إلا لماما وفي زمن الثورة، أما في زمن السلطة، فالعلاقات تتغير والمصالح كذلك. وكان الدكتور الراحل جورج حبش يقول للمرحوم ياسر عرفات أيام بيروت: الحمد لله انه لا يوجد لديك سجون يا أخ ابو عمار.. وحين صارت الثورة الفلسطينية سلطة أمنية لدى الاحتلال ولها سجونها ومخابراتها وأجهزتها الخاصة تغيرت الدنيا وصار يمكن جدا للفلسطيني "الأمني" أن يحيك مؤامراته الصغيرة ويعتقل الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.

صراع بين معسكر التسوية مع دولة الاحتلال، على حساب الحقوق الوطنية، وهذا معسكر يضم معشر الوهم والسراب والهزيمة، في مواجهة معسكر آخر وبديل وهو معسكر الناس، معسكر المقاومة والثقة بقدرة الشعب على التغيير والنصر.

لاحظوا كيف تنتفض القوى والبلدات التي لا سلطة للسلطة عليها، لذلك يدور الحديث هذه الأيام عن تسليم مناطق قريبة من القدس ووضعها تحت إشراف سلطة العجز في رام الله. هي أدرى في التعامل مع الفلسطينيين!

خلافاتنا الداخلية تعكس على نحو صارخ كم نحن بشر. وأن لدينا طبقات وقوى اجتماعية تتنافر. ولكلا المعسكرين، أصدقاء وحلفاء ونصف حلفاء، وفي كلاهما تتواجد الجغرافيا الفلسطينية والعربية والدولية، فهذا "الخلاف الفلسطيني الداخلي" ليس داخليا تماما!

هو من النوع الذي لا يمكن حسمه، لا بالقوة المسلحة ولا بالعضلات والسجون وصناعة الفضائح. ولا بالتمثيل و"بوس اللحى" ! وهو باق بوتائر ومستويات شتى، حتى بعد زوال دولة الكيان. كما أن التناقض الفلسطيني الداخلي ليس "ثانويا"، بل هو أساسي جدا. هو ثانوي فقط مقابل التناقض الرئيسي مع العدو الصهيوني. ثانوي بهذا المعنى، والأمر لا يحيل إلى استنتاج أنه "مش مهم" أو "عادي" لأن اسمه " ثانوي".

لماذا هو أساسي ومهم؟

الصراع الفلسطيني - الفلسطيني حين يخرج عن إطاره الطبيعي السلمي يتحول إلى غول يبلعنا جميعا. إنه يعيق عملية المواجهة مع العدو الحقيقي، يلجم القدرة الفلسطينية الشعبية على اتخاذ المبادرة والدفاع عن النفس. ويعطل قدرة الشعب وبناء مجتمع المقاومة. يقتطع من صمود الجماهير، ويدفع ثمنه، في العادة، أبناء الطبقات الشعبية المطحونة في المنافي وتحت الاحتلال. هو صراع لا يجلب كرامة لأحد. ولا يستشهد فيه أحد، ويلقي بشرائح واسعة من العمال والأطباء والمهندسين والفنانين والطلبة في دوائر الانعزال والإحباط. كما إنه ذريعة وفرصة ذهبية لكل من يبحث عن حجة جاهزة للاستسلام والتطامن والاغتراب.

ولأنه مهم جدا، وعلى صلة وثيقة بالتناقض الرئيسي مع المشروع الصهيوني، فأن أطرافه وعقده تتداخل وتتشابك على نحو سريالي وفريد. فهذا الصراع على طريقتنا الفلسطينية الجارية في غزة و رام الله، يوفر الذرائع لجامعة الدول العربية للهروب من مسؤوليتها بحجة واهية تقول "شوف صراع الإخوة الفلسطينيين اللي ما بيوقفش ده"! لذلك، كلما سألوا وزير الخارجية المصري عن الموقف إزاء العدوان الصهيوني، يتنهد الوزير ولا يتحدث عن الموقف والعدوان بل يهرب نحو "صراع الإخوة الفلسطينيين!".

وهذا التنافس بين حركتي فتح وحماس على رضا " المجتمع الدولي " يشوه صورة النضال الوطني الفلسطيني، ويخربش وعي الإنسان العربي، ويقسم كل شيء، بما في ذلك حركة التضامن مع الشعب الفلسطيني! فحتى هذه الأخيرة لم تسلم من صراعنا وصراعاتنا الداخلية.

التقدم إلى الأمام في مشروع الوحدة الوطنية يكون ممكنا بخارطة الطريق الفلسطينية والتي تصوغها إرادة وطنية وجماعية وعقل نقدي ويقظ، وتحميه قوى شعبية حقيقية، بديلا عن خارطة الطريق الأمريكية والمشبوهة بالضرورة.

كيف نقوم بإضعاف سطوة وحدة التناقض الداخلي المفتعل أحيانا، وكسر نبرته المدعاة بين الفرقاء. كيف نعزز العلاقات الوطنية الفلسطينية في ميادين العمل والنضال، كيف نختار النزوع نحو التوافق والتضامن الداخلي بدل التناقض الداخلي؟

تلك أسئلة كانت الإجابة عليها سهلة في زمن مضى. قبل قيام سلطة البؤس والعجز، وقبل هذا التناحر الفلسطيني على كعكة مسمومة صنعت لنا في تل أبيب وواشنطن وأوسلو.

التعليقات