03/05/2010 - 12:51

عن الهيئة الوطنية الفلسطينية للدفاع عن الحقوق الثابتة../ نزار السهلي*

عن الهيئة الوطنية الفلسطينية للدفاع عن الحقوق الثابتة../ نزار السهلي*
ينظر الفلسطينيون إلى ما وصلت إليه قضيتهم، من تردٍ وعبث منذ ما بعد مؤتمر مدريد الشهير وتوقيع اتفاق أوسلو، الذي صاغ أداء ودور السلطة الفلسطينية في إدارة شؤون الفلسطينيين الأمنية على نحو محدد، وترك المسائل الجوهرية في قبضة المحتل، الذي قاد المسيرة التفاوضية الفلسطينية إلى انحدار في الرؤية والوسيلة والأداة ل م.ت.ف، وضياع البوصلة والهدف لحركة التحرر الوطني الفلسطيني، في المسعى الدائم والبحث عن الحل الوهمي لقضية الشعب الفلسطيني من خلال الإيمان المطلق بخيار التسوية والمفاوضات.

ويقتصر المأزق الفلسطيني على تناقض المسار الذي عمل بموجبه على خلق دلائل إضافية، لا أخلاقية ولا تتصف بالعدالة المشروعة لأنبل قضية على وجه الأرض. وكان جواب الواقع الذي حل بنكبة الشعب الفلسطيني، ولادة قوى وحركات وأحزاب وطنية فلسطينية وعربية قومية، هبت للدفاع عن الشعب الفلسطيني، وللتصدي لمشروع الحركة الصهيونية في المنطقة العربية، الذي يهدف لتفتيت العالم العربي والحيلولة دون اتحاده. والسلوك الطبيعي، والحال هذه، أن تنشا من رحم الظلم والمعاناة حركات شعبية ترفض أن يهبط عليها بثقله المادي مشروع التسوية والمفاوضات كخيار وحيد جعلت من جداره يحاصر خيارات الشعب الفلسطيني، الذي يهدد وجودها في داخل الوطن المحتل وفي الشتات.

مع توجس البعض الذي يرى من انبثاق تلك الحركات، ومنها الهيئة الفلسطينية للدفاع عن الحقوق الثابتة، حركة بديلة عن مؤسسات المنظمة المغيبة والمدمرة بقصد وعن سوء نية، أو بديلاً فصائلياً عاجزاً عن ملامسة الواقع الذي استبدله، بظل سلطوي وسقف مادي ارتضاه لنفسه، بوضع مسافة بينه وبين جمهور الشعب الفلسطيني،
إلا أن الهدف المعلن وغير المعلن من وراء انبثاق الهيئة، هو الحفاظ على حقوق الشعب الفلسطيني الثابتة في العودة، من خلال تفعيل عمل مؤسسات منظمة التحرير بإعادة الاعتبار للشعب الفلسطيني أولاً، وبالحفاظ على مؤسسات المنظمة ثانيا، عبر إلغاء التهميش والتفكيك لمؤسساتها ولتنظيم أوسع لفئات الشعب الفلسطيني في كل أماكن التواجد للمشاركة في تقرير المصير.

إن ما تقدم ليس كلمات مجردة، بل هي مضامين وممر إجباري، لمشروع الهيئة الفلسطينية، لتقطعه مع فئات الشعب الفلسطيني وللوصول إلى أهدافه المعلنة في "بيان فلسطين" الذي صدر عن الهيئة، وان معيار الجدية للمشروع والقائمين عليه هو بمقدار الجهد المبذول من قبلهم، ومن قبل من ينتسب لها لأنهم لا يملكون تجاهه ترف الاختيار والتجربة، وأياً يكن المزاج السياسي السائد بين الفلسطينيين، المتصدين قرناً للمشروع الصهيوني، فان الحقيقة الموضوعية بل البديهية والحسية، تقول إننا بتنا بحاجة لدعم كل قطاعات الشعب الفلسطيني والعربي، ويقضي المنطق عدم الغوص في التفاصيل الواضحة لبيان فلسطين، والابتعاد عن ثقافة الهرج والمرج المتبعة عند البعض، وأن تكون الخطوة الأولى في التحضير للمؤتمر الأول للهيئة لصياغة برنامج العمل، مع وضع الملاحظات على بعض النقاط التي يقتضيها تصويب العمل ومنها كأولية أن لا تكون تحفظات البعض المشروعة فيما أتت عليه الوثيقة تشكل ثغرة هنا أو هناك بل في البحث الدائم عن تصويب مسار العمل، وإن النظرة لأداء الهيئة فيما بعد هو في مهماتها الواضحة، بالتأكيد على مشروعية الحقوق الفلسطينية الثابتة في عودة اللاجئين إلى قراهم ومدنهم التي هجروا منها قسرا بفعل الجرائم الصهيونية، والتأكيد على أن بنية منظمة التحرير الحالية ببرنامجها وممثليها وميثاقها، لا تمثل الشعب الفلسطيني، ولا تملك مشروعية التفاوض حول حق اللاجئين لأنه حق غير قابل للتصرف والتفاوض ولا عن أية حقوق أخرى تتعلق بالقدس والحدود والأمن والمياه، مع خبرتنا بميوعة وإسفاف المفاوض الفلسطيني بحقوقه عن سابق إصرار وقصد

وانطلاقا من المصلحة الفلسطينية الواسعة، وردا على المصلحة السلطوية الضيقة، برزت دائما إشكالية تحديد التخوم بدقة، بين العملية الصحيحة لأداء أي حركة شعبية وبين العمل الفصائلي والمؤسساتي، وهذا يتطلب إبراز الخصوصية كطاقة ايجابية يجري شحنها والإعداد لها، والابتعاد عن السلبية والفتور عبر إعادة صياغة الوعي الجماعي ولمّ شمل الضمير الجمعي للفلسطينيين عبر أهم مكون من مكوناته، وهي صورته أمام العدو وصورة العدو أمامه وإزاحة الوهم والغمام من العقل الفلسطيني، والحفاظ على الذاكرة الفلسطينية والوعي هما أهم سلاح لاستعادة الحقوق والحفاظ عليها.

وكل محاولات طمس صورة العدو الحقيقي للشعب الفلسطيني والعربي لم ولن تنجح، وان اتخذت منها السلطة الفلسطينية في سنوات ما بعد أوسلو عملا يهدف إلى إحلال عدو زائف في الذاكرة الفلسطينية لطمس الحقيقي، مع إيديولوجيا جديدة، يتم التعاطي بها داخل مؤسسات السلطة والتي جرى معها حشر كل مطالب الشعب الفلسطيني وثوابته " بآمال عودة المفاوضات للوصول لدولة لا تعرف حدودها وبالحفاظ على ذهنية التسوية والقضاء على ذهنية المقاومة وترحيل قضية اللاجئين واستعادة كامل الأرض إلى غياهب التاريخ.

إن المساس المباشر وغير المباشر بالحقوق الفلسطينية الثابتة، لا ينحصر فقط بترحيل الملفات المتعلقة بالثوابت في القدس واللاجئين وحق العودة والمياه والأمن والحدود، ولا بعصا شرطي في رام الله تدرب في عواصم أخرى على مسك الهراوة، وتدرب على أن لا يهوى عروبته وفلسطينيته، بل بقطع العلاقة مع الجذر ومع الذهنية التي تشكل وعيا فلسطينيا وعربيا في تحديد العدو ووجهته.

يؤكد ما تقدم أن جوهر الفكرة وبالأساس هو ايجابي وشكل من أشكال النضال المشروع للفلسطيني، ولنجعل من ثوابتنا هوية عمل بالابتعاد عن السجال المبتذل الذي أدخلته السلطة كثقافة كارثية لتمرير الخديعة والوهم على الشعب الفلسطيني، وربما حاولنا أن نوضح في ما تقدم أنه برغم جسامة التضحيات وحسن النيات أو سوئها وعظم الآمال، فان الشعب الفلسطيني يعرف ثوابته في أرضه وحقه في العودة إلى قريته ومدينته التي هجر منها مهما طال الزمن وتشابكت الأسئلة وامتدت خيوط الوهم والسراب.

التعليقات