05/06/2010 - 13:37

سياسة تركيا الخارجيّة: صفر مشاكل../ أحمد أوغلو*

سياسة تركيا الخارجيّة: صفر مشاكل../ أحمد أوغلو*
بعدما استطاعت تركيا، إلى جانب البرازيل، تحقيق إنجاز في قضية الملف النووي الإيراني، كتب وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو مقالاً في مجلة «فورين بوليسي» عرض فيه للمبادئ التي تحكم السياسة الخارجية لوريثة السلطنة العثمانية، والتي مكّنت من حصول هذا الاتّفاق. ورغم أنّ المقال كتب قبل أزمة «أسطول الحرية» بأيام، فإنّه يفسّر ردّة الفعل التي قامت بها تركيا ردّاً على ما قامت به إسرائيل قبالة شواطئ فلسطين المحتلة

في التاريخ الحديث، ظهرت علاقة مباشرة بين الصراعات وبروز وسائل جديدة للتحكيم في الشؤون الدوليّة. كلّ الحروب الكبرى انتهت منذ القرن السابع عشر باتفاقية أدّت إلى بروز نظام جديد، من اتفاقية وستفاليا في 1648 التي تلت حرب الثلاثين عاماً، إلى مؤتمر فيينا في 1814 ــ 1815 الذي أنهى الحروب النابوليونية، وصولاً إلى معاهدة فرساي المشؤومة التي اختتمت الحرب العالمية الأولى، انتهاءً باتفاق يالطا الذي وضع أسساً لإنشاء الأمم المتحدة في 1945. لكنّ الحرب الباردة التي يمكن اعتبارها حرباً على مستوى عالمي، انتهت دون قمة كبرى، ولكن مع سقوط الستار الحديدي وانهيار الاتحاد السوفياتي. لم يكن هناك من نهاية رسمية. ببساطة، توقف أحد الأطراف المقاتلة عن الوجود.

ومنذ عقدين من الزمن، لم يوجد رسمياً نسق دولي قانوني وسياسي جديد يستطيع الوقوف في وجه تحديات النظام الدولي الناشئ. على العكس، طُبّق عدد من الاتفاقيات المؤقتة، التكتيكية، والمتخصصة. ومن منطقة ناغورنو كاراباخ إلى قبرص، وحتى الصراع الإسرائيلي ــ الفلسطيني الذي يواجه طريقاً مسدوداً، نجح عدد من اتفاقيات وقف النار في الحدّ من سفك الدماء، لكنّها فشلت في إقامة معاهدات سلام شاملة. عموماً، أسهم الوضع الحالي في زيادة تنوّع الفاعلين الدوليين كميّاً، وفي زيادة تعقيدات مسار صناعة السياسات الخارجية نوعيّاً.

برهنت اعتداءات 11 أيلول 2001 أنّ هذا الوضع ليس مستداماً. مباشرة بعد الاعتداءات، بدأت الولايات المتحدة بمحاولة إقامة نظام دولي قائم على خطاب أمني، مستبدلةً خطاب الحرية الذي برز بعد انهيار جدار برلين. في هذا السياق، يمكن فهم اجتياح أفغانستان والعراق. كان الهدف هو تغيير بيئة دولية متزعزعة عبر استهداف المناطق المعرّضة للأزمات التي عُدّت مصدراً لعدم الاستقرار. لكن خلال هذا المسار، فقدت التنبّؤات، بانتهاء التاريخ وتوسيع الحقوق المدنية والحريات، جاذبيتها.

لقد تحدّى الرئيس الأميركي باراك أوباما وجهة النظر التي سادت ما بعد 11 أيلول، والتي تعتمد على الأمن، فور تسلّمه الرئاسة في 2009، حاول جاهداً إحياء صورة أميركا الدولية، وقام بجهود كبيرة لاعتماد رؤية جديدة تعتمد على نظام دولي متعدّد الأطراف، وتتبنّى تعاوناً لصيقاً مع الحلفاء الإقليميين.

لكن رغم ذلك، نواجه فترة صعبة جداً إلى حين اعتماد نظام دولي جديد. لا يمكن حلّ عدد من تحديات اليوم إلّا بواسطة تدخل دولي كبير، لكنّ الآليات المطلوبة لمواجهة هذه التحديات غير موجودة. ومن هنا، فإنّه يقع على عاتق الدول ــ الأمم المواجهة اختراع حلول للفوضى السياسية، الثقافية، والاقتصادية التي من المرجّح أن تستمر إلى العقد المقبل وما بعده.

في هذا العالم الجديد، تؤدي تركيا بتزايد دوراً مركزياً في الترويج للأمن والازدهار العالميين. وتكفل الديناميات الجديدة للسياسة الخارجية التركية، أن تتمكّن تركيا من التحرّك برؤية وتصميم وثقة تتطلبها اللحظات التاريخية.
عاشت تركيا التأثير المباشر لجوّ ما بعد الحرب الباردة الذي تميّز بعدم الأمن، ونتج منه عدد من المشاكل الأمنية في جوارها. كانت القضية الأكثر إلحاحاً للدبلوماسية التركية في هذا السياق، تحقيق الانسجام بين محاور القوة المؤثرة في تركيا والبيئة العالمية الجديدة.

خلال الحرب الباردة، كانت تركيا دولة طرفية ضمن الإطار الاستراتيجي لحلف شمالي الأطلسي (الناتو)، تعتمد على المحيط الجغرافي للتحالف الغربي. لكنّ المفهوم الاستراتيجي للناتو، تطوّر خلال فترة ما بعد الحرب الباردة، وكذلك فعلت حسابات تركيا لبيئتها الاستراتيجية. الوجود التركي في أفغانستان إشارة واضحة على هذا التغيير. لم نعد دولة طرفية بعد الآن.

تواجه تركيا ضغطاً لتولّي دور إقليمي مهم، ما خلق، باعتراف الجميع، توترات بين التحالفات الاستراتيجية الحالية والمسؤوليات الإقليمية الصاعدة. كان تحدّي إدارة هذه العلاقات ملموساً بحدة في الأزمات الإقليمية الأخيرة في القوقاز، البلقان، والشرق الأوسط. تبقى تركيا ملتزمة بتحقيق انسجام بين تحالفاتها الاستراتيجية الحالية وجيرانها والمناطق المجاورة.

كذلك تؤثر حقائق تركيا الديموغرافية الفريدة على رؤيتها للسياسة الخارجية. هناك بوسنيون في تركيا أكثر مما في البوسنة والهرسك، وألبان أكثر مما في كوسوفو، وشيشان أكثر مما في الشيشان، وأبخاز أكثر مما في منطقة أبخازيا في جورجيا، وعدد كبير من الآذريين والجورجيين، إلى جانب إثنيات كبرى أخرى من المناطق المجاورة. وبالتالي، لهذه الصراعات وتأثيراتها على شعوبها، انعكاس مباشر على السياسات المحلية في تركيا.

لذلك، تختبر تركيا توترات إقليمية في الداخل، وتواجه مطالبات شعبية باعتماد سياسة خارجية لتحقيق السلام والأمن لهذه المجتمعات. في هذا الإطار، فإنّ السياسة الخارجية التركية تتشكل من خلال ديموقراطيتها، عاكسة أولويات مواطنيها وهواجسهم. وبفعل العولمة، فإنّ الجمهور التركي يتابع التطورات العالمية على نحو وثيق. دمقرطة تركيا تتطلب منها أن تدمج المطالبات المجتمعية في سياستها الخارجية، كما تفعل كلّ الديموقراطيات الناضجة.

الاتحاد الأوروبي والناتو هما المركّبان والعنصران الأساسيّان للاستمرارية في السياسة التركية الخارجية. أنجزت تركيا داخل هذه التحالفات، خلال السنوات السبع الماضية في عهد حكومة حزب العدالة والتنمية، أكثر مما فعلت في الأربعين سنة الماضية.

المشاركة التركية في الناتو تزايدت خلال هذا الوقت، وقد طلبت تركيا أخيراً، وحققت، تمثيلاً ذا مستوى أعلى في التحالف. كذلك تقدمت تركيا في مسار الاندماج الأوروبي مقارنة مع العقد الماضي، حين لم يكن واضحاً حتى ما إذا كان الاتحاد الأوروبي يفكّر جديّاً في ترشيح تركيا.

توضح تقارير التقدم على مستوى الاتحاد الأوروربي أنّ السياسة الخارجية التركية وأهداف الاتحاد الأوروربي متناسقان، وهذا دليل واضح على أنّ توجهات تركيا في السياسة الخارجية تتناسب بطريقة جيدة مع الأهداف العابرة للأطلسي.

في الوقت الذي نترك فيه وراءنا العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، تمكّنت تركيا من صياغة رؤية للسياسة الخارجية تعتمد على فهم أفضل لحقائق القرن الجديد، وتصرفت وفق دورها التاريخي ومكانتها الجغرافية. بهذا المعنى، يبقى توجّه تركيا وتحالفها الاستراتيجي مع الغرب متجانساً مع المشاركة التركية في العراق، إيران، القوقاز، عملية السلام في الشرق الأوسط، وأفغانستان وغيرها.على مدى الأعوام السبعة الأخيرة، تمكّنت تركيا من صياغة مقاربة منهجية ومتماسكة للشؤون الدولية، لأنّ حزبها السياسي تمكّن من ممارسة الحكم، ما أنتج استقراراً سياسياً في الداخل.

تقود ثلاثة مبادئ منهجية وخمسةٌ عملية سياسة تركيا الخارجية اليوم. المبدأ المنهجي الأول هو مقاربتها الرؤيوية للقضايا عوضاً عن سلوك الأزمات الذي سيطر على السياسة الخارجية طوال حقبة الحرب الباردة.

على سبيل المثال، لتركيا رؤية للشرق الأوسط. تشمل هذه الرؤية المنطقة بأسرها: لا يمكن حصرها في الصراع ضد حزب العمال الكردستاني، المجموعة الراديكالية الانفصالية الكردية التي شنّت لعقود حملة إرهاب ضد تركيا، أو الجهود لموازنة دول معينة. تستطيع تركيا أن تستخدم فهمها الفريد للشرق الأوسط ومميزاتها الدبلوماسية، للعمل بفعالية على الأرض. سياسة تركيا اللبنانية، محاولاتها للوساطة بين سوريا وإسرائيل وتحقيق مصالحة فلسطينية، جهودها لتسهيل مشاركة المجموعات العراقية السنيّة في الانتخابات البرلمانية في 2005 وتدخلها البنّاء في القضية النووية الإيرانية، كلّها أجزاء أساسية من رؤية تركيا للسياسة الخارجية للشرق الأوسط.

المبدأ المنهجي الثاني هو اعتماد السياسة الخارجية التركية على إطار «منهجي ومتماسك» حول العالم. ليست رؤية تركيا للشرق الأوسط في تضاد مع مقاربتها في آسيا الوسطى أو البلقان. ومقاربتنا في أفريقيا لا تختلف عن مقاربتنا في آسيا. تركيا تحاول جاهدةً تحسين علاقاتها مع الدول المجاورة مثل اليونان، العراق، روسيا وسوريا.

المبدأ المنهجي الثالث هو تبنّي خطاب جديد ونمط دبلوماسي ساعد على انتشار القوة الناعمة لتركيا في المنطقة. على الرغم من أنّ تركيا تحتفظ بجيش قوي بسبب جوارها غير الآمن، فنحن لا نطلق التهديدات. على العكس، تبنّى الدبلوماسيون الأتراك والسياسيون لغة جديدة قي السياسات الإقليمية والدولية تعطي الأولوية لقوة تركيا المدنية ـ الاقتصادية.

انطلاقاً من هذه المقاربات المنهجية الثلاث، ترشد عملية صناعة سياسة تركيا الخارجية خمسة مبادئ تشغيلية أو عملية.

المبدأ الأول هو التوازن بين الأمن والديموقراطية. فشرعية أيّ نظام سياسي تأتي من قدرته على تأمين الأمن والحرية على السواء لمواطنيه. وهذا الأمن يجب ألا يأتي على حساب الحريات وحقوق الإنسان في البلاد. منذ 2002، حاولت تركيا الترويج للحريات المدنية دون التفريط بالأمن. هذا هدف طموح لكنّه قيّم، وخصوصاً في بيئة ما بعد 11 أيلول، تحت تهديد الإرهاب، ما أدى إلى توجه عام جرى بموجبه تقييد الحريات من أجل الأمن.

قامت تركيا بخطوات عظيمة لحماية الحريات المدنية، رغم التحديات السياسية المحلية الجدية لهذه الحريات، خلال الأعوام السبعة الماضية. تطلّب ذلك الاضطلاع بحيوية بالنضال ضد الإرهاب دون تضييق هامش الحريات المدنية، وهو تحدٍّ تخطّته تركيا بنجاح. خلال هذا المسار، اكتشفنا أنّ قوة تركيا الناعمة زادت، في الوقت الذي نضجت فيه ديموقراطيتنا.

ثانياً، طُبّق بنجاح مبدأ «صفر مشاكل» مع الجيران في الأعوام السبعة الماضية. تتبع علاقات تركيا مع جيرانها اليوم مساراً أكثر تعاوناً. هناك اعتماد اقتصادي متبادل ينمو بين تركيا وجيرانها. في 2009، على سبيل المثال، حققنا تقدماً دبلوماسياً كبيراً مع أرمينيا التي تبقى العلاقة معها في كل الأحوال الأكثر إشكالية في سياسة تركيا الإقليمية.

إنجازات تركيا المهمة في علاقاتها الإقليمية دفعت صنّاع القرار إلى أخذ هذا المبدأ خطوة أبعد، سعياً وراء تعاون كامل مع جيراننا. منذ منتصف 2009، أسّست تركيا لقاءات لجان استراتيجية على مستوى عال مع العراق، سوريا، اليونان وروسيا. هناك لقاءات حكومية مشتركة تناقش في تفاصيل القضايا الثنائية السياسية، الاقتصادية والأمنية. كذلك هناك إعداد لتأسيس آليات مماثلة مع بلغاريا، آذربيجان، أوكرانيا ودول أخرى مجاورة. وقد ألغت تركيا تأشيرات الدخول مع سوريا، طاجيكستان، ألبانيا، لبنان، الأردن، ليبيا، وروسيا وغيرها. كذلك زادت تجارة تركيا مع جيرانها والمناطق المجاورة زيادة كبيرة في الأعوام الماضية.

المبدأ العملي الثالث هو دبلوماسية سلام استباقية ووقائية تهدف إلى اتخاذ خطوات قبل بروز الأزمات وتصاعدها إلى مستوى خطير. تعتمد سياسة تركيا الإقليمية على الأمن للجميع، وحوار سياسي على مستوى مرتفع، واندماج اقتصادي وتداخل، وتعايش الثقافات المتعددة. فكِّروا في وساطة تركيا بين إسرائيل وسوريا، وهو دور لم يُعطه لتركيا أيّ طرف خارجي. أمثلة أخرى على الدبلوماسية الوقائية تتضمن جهود تركيا لتحقيق المصالحة السنّية ــ الشيعية في العراق، وجهود المصالحة في لبنان وفلسطين، ومصالحة صربيا والبوسنة في البلقان، والحوار بين أفغانستان وباكستان، وإعادة الإعمار في دارفور والصومال.

المبدأ الرابع هو الالتزام بسياسة خارجية متعددة الأبعاد. تهدف علاقات تركيا مع فاعلين عالميين آخرين إلى أن تكون تكاملية، لا تنافسية. هذه السياسة تنظر إلى علاقة تركيا الاستراتيجية مع الولايات المتحدة عبر الروابط الاستراتيجية الثنائية بين البلدين وعبر الناتو. ترى مسار انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، وسياسة الجوار الجيدة مع روسيا، وسياسة التزامن في أوراسيا أجزاءً أساسية من سياسة متماكسة من أجل التكامل بين الأطراف. هذا يعني أنّ علاقات جيدة مع روسيا ليست بديلاً من علاقاتها مع الاتحاد الأوروربي. كذلك فإنّ الشراكة النموذجية مع الولايات المتحدة ليست شراكة منافسة ضد روسيا.

المبدأ الخامس في هذا الإطار هو الدبلوماسية المتناغمة التي تسعى لتحقيق دور أكثر فاعلية لتركيا في العلاقات الدولية. هذا المبدأ يعني التزاماً فاعلاً في كلّ المنظمات الدولية وفي كلّ القضايا ذات الأهمية العالمية والدولية.

أصبحت تركيا عضواً غير دائم في مجلس الأمن في الأمم المتحدة، وهي تشارك في ثلاث لجان مهمة تتعلق بأفغانستان، كوريا الشمالية والحرب على الإرهاب. وأصبحت تركيا رئيسة «عملية التعاون في جنوب شرق أوروبا»، وهو منتدى للحوار بين دول البلقان وجيرانها المباشرين، في 2009 و2010. كذلك فإنّ تركيا عضو في مجموعة العشرين، وهي عضو مراقب في الاتحاد الأفريقي، ولديها آلية حوار استراتيجي مع مجلس التعاون الخليجي، وتشارك بفعالية في جامعة الدول العربية.

وقد أطلقت تركيا مبادرات دبلوماسية جديدة عبر فتح 15 سفارة في أفريقيا واثنتين في أميركا الجنوبية، وهي عضو موقّع على بروتوكول كيوتو. هذه التطورات تظهر وجهة نظر جديدة لتركيا، تعتمد على الرؤية، القوة الناعمة، لغة كونية، وتطبيق سياسات خارجية متماسكة في مناطق مختلفة من العالم.اليوم، لدى تركيا الكثير لتقوله على الساحة الدولية. والأهم من ذلك، هناك مجموعة مهمة من الدول تعير اهتماماً حذراً لخطاب تركيا بشأن عدد لا يحصى من القضايا الإقليمية والدولية. في هذه المرحلة، يتوقّع العالم أشياء عظيمة من تركيا، ونحن نعرف تماماً مسؤولياتنا لتنفيذ سياسة خارجية حذرة.

«رؤية 2023» الخاصة بالذكرى المئوية لإنشاء الجمهورية التركية، هي نتيجة هذه الضرورة. الخطوة الأولى في هذه الرؤية هي دمج خطاب السياسة الخارجية لتركيا في خطاب وطني. أي تعارض محتمل، فجوة، أو تباين بينهما، سيجعل من الصعب تنفيذ سياسة خارجية فاعلة، مسؤولة وناجحة.

في العصر المقبل، تخطط تركيا لتعميق ديموقراطيتها وتقويتها، وموضعة العلاقات بين المجتمع التركي والمؤسسات الحاكمة التركية على أرض صلبة، وإظهار قوة التوازن الداخلي الخاص للعالم. هناك حاجة مستمرة إلى دمج إنجازات السياسة المحلية في رؤية السياسة الخارجية (الدمقرطة والاحترام الثقافي) وضخ نشاط يتعلق بالسياسة الخارجية وثقة بالنفس مجدداً في المشهد السياسي المحلي.

بسبب طبيعة السياسة الخارجية التركية التعددية والمتحركة، فإنّ علاقات تركيا مع الولايات المتحدة تبنى على أرض صلبة. وصلت العلاقات التركية ــ الأميركية إلى نقطة تستطيع تحقيق تعاون ثنائي والعمل من أجل الاستقرار العالمي. وبعد وضعها في إطار «شراكة نموذجية»، كما وصفها الرئيس أوباما حين زار تركيا في أول زيارة خارجية له، أصبحت العلاقات الثنائية ذات أهمية كبرى للبلدين. تشدد عبارة «شراكة نموذجية» على أهمية التعاون العالي المستوى بين تركيا، مع هوياتها الإقليمية المتعددة وتأثيرها المتزايد في الشؤون العالمية، والولايات المتحدة التي لديها علاقات طويلة الأمد مع الدول الإقليمية ومسؤوليات مباشرة من أجل الاستقرار العالمي.

ترشد هذه الشراكة مجموعة من القيم المشتركة ومبادئ هدفها إحقاق السلام، الأمن، الاستقرار، والازدهار الاقتصادي لنطاقات الصراعات في المناطق المختلفة.

في هذا الوقت، تُعزّز العلاقات مع الاتحاد الأوروربي، ومن غير الممكن بعد اليوم الظن بأنّ الاتحاد الأوروربي وتركيا مستقلان أحدهما عن الآخر في موضوع سياسة تركيا الخارجية. الاندماج في الاتحاد الأوروبي هو من دون شك عملية واعدة لتركيا. لكن هذه العملية تأتي بالنفع الكبير على الاتحاد الأوروربي نفسه، على المستويين الإقليمي والعالمي.

أهداف سياسة تركيا الخارجية ورؤيتها لكيفية تحقيقها واضحة جداً. لتركيا أهداف متعددة في العقد المقبل. أولاً، هي تهدف إلى تحقيق كلّ شروط الانتساب إلى الاتحاد الأوروبي لتصبح عضواً فاعلاً بحلول 2023. ثانياً، ستستمر في السعي من أجل الاندماج الإقليمي، على شكل تعاون أمني واقتصادي. ثالثاً، ستسعى لأداء دور مؤثر في حلّ الصراعات الإقليمية. رابعاً، ستشارك بحيوية في كلّ الساحات العالمية. خامساً، ستؤدي دوراً مؤثراً في المنظمات الدولية، وتصبح واحدة من أهم عشرة اقتصادات في العالم.

تسعى هذه الأهداف إلى بناء تركيا قوية ومحترمة تستطيع أن تقدم مساهمة مبتكرة للمجتمع الدولي. لتحقيق ذلك، على تركيا أن تتقدم في كل الاتجاهات وفي كلّ المجالات، وأن تهتم بكلّ قضية متصلة بالاستقرار العالمي، وتسهم وفق ذلك. هذا الجهد الجماعي سيجعل من تركيا فاعلاً عالمياً في هذا القرن. أفعال تركيا مدفوعة بحس عال بالمسؤولية، بسبب إرثها التاريخي والجغرافي، وبسبب وعي عميق لأهمية الاستقرار والسلام العالميين.
"الأخبار"
عن مجلة "فورين بوليسي"

التعليقات