14/06/2010 - 09:39

عمـرو موسى في غزة: لفك الحصار.. التركي؟!../ طلال سلمان

عمـرو موسى في غزة: لفك الحصار.. التركي؟!../ طلال سلمان
هو «المونديال»، مرة أخرى: موسم الجنون الكروي حيث تقرر «الأقدام» نجاح أو فشل سياسات الحكام.

... وفي ظل انشغال الشعوب بمباريات كأس العالم، ارتكب عمرو موسى «خطأً مدروساً» بالذهاب إلى أطلال غزة هاشم، عشية انتهاء السنة الرابعة للحصار الإسرائيلي ـ العربي المشترك للمليون ونصف المليون من أهلها الفلسطينيين، وبعد سنة ونصف السنة من حرب التدمير الشامل التي شنتها إسرائيل بمساندة أهل النظام العربي مباشرة بصمت التواطؤ أو بتصريحات الاستنكار المفرغة من أي مضمون في مواجهة آلة القتل الإسرائيلية وهي تدمر البيوت على رؤوس أهلها وتنسف المدارس والمساجد والمؤسسات الفقيرة والإدارات الهزيلة، من دون أن تستثني مراكز وكالة غوث اللاجئين بأكياس الطحين وكتب الأطفال فيها.

لم يذهب عمرو موسى متحدياً الحصار، ولا هو ذهب لكسره، بل انه قد ذهب بموافقة أميركية ـ إسرائيلية ـ مصرية (بطبيعة الحال)، تخفيفاً من الحرج الذي أصابه في منصبه، الأمين العام لجامعة الدول العربية... أما التوقيت فقد حددته النتائج المدوية للحملة التركية (والأممية) لنجدة الشعب الفلسطيني المخضع لحصار التجويع والقتل اليومي.

كان لا بد من تحرك «عربي» ما لامتصاص الغضبة الكونية والهياج الشعبي العربي في أعقاب المجزرة الإسرائيلية التي ارتكبتها «نخبة القوات الخاصة الإسرائيلية» ضد متطوعين بواسل معظمهم من الأتراك، جاءوا لنجدة أهل غزة بشيء من الأغذية والأدوية ولعب الأطفال.

لقد فضحت الجميع دماء هؤلاء الشهداء الأبرار، معززة بالموقف الصلب لحكومة أردوغان الذي اكتسب ملامح «البطل»، في أوساط شعبه، و«الفارس المنقذ» في عيون الأمة العربية التي تفتقد القرار لدى أصحاب القرار من أهل النظام العربي...

وكان لا بد من استنقاذ الجامعة العربية بإظهار «حيادها» الذي يؤكد عجزها، بزيارة لساعات يمضيها أمينها العام في جولة تفقدية لآثار «القدم الهمجية» في هذا «القطاع» المتروك للحصار الإسرائيلي منذ أربع سنوات أو يزيد، بغير أن يتورط في اتخاذ موقف قد يحاسبه عليه أهل النظام العربي إضافة إلى الإدارة الأميركية و... إسرائيل!

وكعادته، قال عمرو موسى كلاماً كثيراً ليغطي غياب الموقف، مفترضاً أن «الزيارة» بحد ذاتها إعلان مبدئي بكسر الحصار، الذي صار في نظر العالم أجمع «جريمة قتل جماعي»، وضاقت به الإدارة الأميركية لا سيما أن حكومة التطرف العنصري الإسرائيلي قد ضبطت متلبسة وبالجرم المشهود في مجزرة «قافلة الحرية».

وعمرو موسى محترف في هذا المجال، بل هو مكلّف رسمياً، الآن، بإنقاذ أهل النظام العربي والإدارة الأميركية والحكومة الإسرائيلية في آن.. والأخطر: إنقاذ جامعة الدول العربية التي تخسر كل يوم بعضاً مما كان تبقى لها من رصيد.. وبالتأكيد فإن عمرو موسى قد أثبت براعة ملحوظة في تأجيل الإعلان الرسمي عن وفاة هذه المؤسـسة التي بين شروط استمرارها ـ راهناً ـ انعدام قدرتها على اتخاذ القرار.

هو «المونديال»... وفي «المونديال» السابق، قبل أربع سنوات، كانت الحرب الإسرائيلية بقرار أميركي وتواطــؤ عــربي على المقـاومة في لبنان..

وبرغم انشغال أهل النظام العربي بالمباريات الكونية آنذاك (وهي للمناسبة تكشف عجزهم حتى عن إعداد فرق رياضية مؤهلة) فقد جاء وزراؤهم إلى بيروت، يتقدمهم الأمين العام للجامعة العربية، بإذن سفر إسرائيلي معلن، فتناولوا طعام الغداء في السرايا الكبيرة، تعبيراً عن تضامنهم مع «الضحايا».. ولما عز عليهم اتخاذ موقف يحمي كرامة المقاومين المجاهدين دفاعاً عن وطنهم الصغير وأمتهم العربية، فتناقشوا وتباحثوا وزايدوا وناقصوا، ثم اختلفوا على كلمات في مشروع «بيان التضامن» مع شعب لبنان...

وهكذا عادوا، ضمن المهلة الإسرائيلية المحددة، إلى عواصمهم، تاركين للأمين العام أن يصدر من مقر الجامعة في القاهرة، بياناً إنشائياً كاد يخــلو من ذكــر المقاومــة والشهداء والمليون مهجر، وإن «استنكر» التوسع الإسرائيلي في مد أمد الحرب ومداها.

هو «المونديال»... والحمد لله أن تركيا لم تصب بجنونه، وأن فيها حكماً شجاعاً وصاحب قرار، تصدى ـ بالدم ـ للوحشية الإسرائيلية وللتواطؤ العربي، فاتخذ الموقف الذي يحفظ كرامة شعبه والذي يفضح هزال الإدارة الأميركية وتراجعها الذليل عن إدانة إسرائيل عبر لجنة تحقيق دولية تسمي القاتل الذي لا ينكر جريمته، وتكشف شركاءه سواء أكانوا في موقع المحرّض أو المستفيد.

وعمرو موسى قد أكد طبيعة مهمته علناً: فهو قال كثيراً من الكلام الذي يتوه معه السامع عن الهدف منه، وإن كانت الزيارة بذاتها تكشفه.

.. ويمكن التأريخ الرسمي لنهاية الحصار الإسرائيلي ـ العربي على غزة بهذه الزيارة التي فرض إتمامها ـ وبهذا التوقيت ـ الموقف التركي الذي جعل أردوغان بطلاً عربياً بامتياز، يزيد توهجه كلما قورن بأهل النظام العربي الذين طالما عهدوا إلى عمرو موسى بالمهمات الصعبة، واثقين من قدرته على إغراق الموقف بفيضان من الكلمات المدوية التي تغطيهم في تخاذلهم من دون أن تقول شيئاً في أساس الموضوع.
"السفير"

التعليقات