18/06/2010 - 14:26

التجمع مشروع سياسي يراكم إنجازات رغم وعورة الطريق../ واصل طه

التجمع مشروع سياسي يراكم إنجازات رغم وعورة الطريق../ واصل طه
جاءت القرصنة الدموية التي نفّذتها إسرائيل ضد أسطول الحرية لتؤكد مرة أخرى، لها وللعالم، أن القوة أو المزيد من القوة، كما يحلو لقادتها ترديد هذا القول، لن تكسر شوكة الشعب الفلسطيني ولا العرب، وبالتأكيد لن تغيّر شيئًا ولن تثني شعبنا عن المضي قدمًا لنيل حريته واستقلاله، لأن التاريخ أصدق إنباءً من المحتلين، فقد دُحرت جميع الإحتلالات، وهُزم الغزاة عبر التاريخ وبقيت الشعوب.

فمقاومة الإحتلال الأجنبي لأي بقعة في العالم أمر شرعي، أقرته المواثيق الدولية. وكان لأحرار العالم ودوله الحرة الدور الفاعل في دعم هذه الشعوب من أجل إنهاء الإحتلالات. وقد شهدنا في الماضي القريب، كيف دحر اللبنانيون بمقاومتهم الإحتلال الإسرائيلي، عام 2000، وكيف تصدت هذه المقاومة للحرب البشعة الإجرامية على لبنان، ومنعت المؤسسة الإسرائيلية من فرض هيمنتها وبسط نفوذها السياسي على لبنان، فجاءت النتائج عكس ما نظّر لها العسكريون والسياسيون الإسرائيليون.

رغم استمرار الحصار على غزة لأكثر من أربع سنوات وحربها الضروس ضد شعبنا هناك، فشلت المؤسسة العسكرية في تحقيق أهدافها التي خططت لها ورسمتها، بل زاد هذا الحصار وهذه الحرب شعبنا صلابة وقوة، وزاد تضامن الأحرار في العالم وكذلك دولاً مثل تركيا وغيرها، لم تُسقط ورقة التوت المسماة "ديمقراطية إسرائيل" في أعين الشعوب المناصرة والحرة فحسب بل وقع حلفاء إسرائيل في حرج كبير أمام شعوبهم مما دفعهم للمطالبة بفك الحصار عن غزة، أو اعتباره حصارًا آثمًا وشرسًا.

كان للشهداء الذين سقطوا، وللأحرار الذين اشتركوا في أسطول الحرية، الدور الأساس في جعل الإحتلال الإسرائيلي وحصاره على غزة وجداره العنصري القضية المطروحة على الأجندة السياسية إقليميًا وعالميًا، وأصبح فك الحصار وكسره مطلبًا دوليًا، بدأت نتائجه الأولية تظهر من خلال القرار المصري الصحيح بفتح معبر رفح وبصورة دائمة.
لقد تجلى موقفنا نحن فلسطينيي الـ 48 ممثلاً بالوفد الذي شارك في أسطول الحرية، وبقرار لجنة المتابعة العليا للعرب في إسرائيل حيث أكدنا أننا قوة لها دورها السياسي في دعم قضية شعبنا مما أوقع القيادة الإسرائيلية في حالة عصبية، حيث بدأت بالتحريض مجددًا على لجنة المتابعة وعلى أعضاء الوفد الذين مثلونا في هذا الموقف الصادق والداعي لكسر الحصار على غزة. فالنائب حنين زعبي والسيد محمد زيدان والشيخ رائد صلاح والشيخ حماد أبو دعابس ولبنى مصاروة، لم يمثلوا أحزابهم أو أنفسهم فقط بل مثلوا ضمير فلسطينيي الـ48 الذين هم جزء لا يتجزأ من هذا الشعب المحاصر والذي يعاني من حصار مادي وسياسي هدفه الأساسي إخضاع الشعب الفلسطيني لشروط الإحتلال والمؤسسة الإسرائيلية، ومثلوا كذلك ضمير أحرار العالم جميعًا.
فجاءت مشاركة الوفد دعمًا لقضية شعبنا العادلة، وقضايا أمتنا العربية.

وفي هذه المناسبة، وفي هذا السياق بالذاتـ لا بد من الإشارة والتأكيد على خصوصية نضالنا داخل دولة اسرائيل، فنحن بموقعنا وموقفنا المتميز لنا دور سياسي نقوم به من خلال أحزابنا ونشاطنا السياسي على اختلاف ألواننا. ونحن في التجمع الوطني الديمقراطي نحمل مشروعًا سياسيًا وطنيًا وقوميًا ديمقراطيا متميزا وفريدا وليس له بديل في نوع المهمة التاريخية التي يقوم بها. ونحن نناضل -بالأدوات السياسية المتاحة والقانونية- من خلاله للدفاع عن وجودنا وهويتنا وبقائنا فوق أرضنا في وطننا الذي لا وطن لنا سواه.

ولذلك فنحن من موقعنا الوطني المتميز نرفض أي محاولة لجرّ شبابنا خارج النضال السياسي الذي نعتمده بصورة قاطعة، فهذا برنامجنا الواضح وهذا هو نهجنا وسلوكنا. وما محاولات المؤسسة الإسرائيلية الأخيرة من التضييق علينا وملاحقة شبابنا وكوادرنا بالرغم من وضوح برنامجنا ونشاطنا السياسي إلا استهدافًا للحركة الوطنية المتنامية الممثلة في التجمع الوطني الديمقراطي. والدليل على ذلك تلفيق التهم ضد الدكتور عزمي بشارة، وكذلك الدكتور عمر سعيد الذي ما زال رهن الإعتقال، رغم معرفة المؤسسة الإسرائيلية أن ما تدعيه في التحقيق معه عارٍ عن الصحة وملفق، وفي هذا السياق نحيي الدكتور عمر سعيد على مواقفه المسؤولة، فهو قيادي بارز في التجمع والحركة الوطنية، فقد قال لمحققيه: "إن نضالنا هو نضال سياسي أما مسعاكم لتحويلنا مخبرين فهذا ما نرفضه، فالتواصل مع أمتنا هو الأمر الطبيعي والخوف من التواصل وعدمه هو غير الطبيعي".

لقد تضامنا وتواصلنا مع الشعب اللبناني أثناء الحرب على لبنان وقمنا في وضح النهار بزيارة لبنان والضاحية، حيث التقينا مع القيادات اللبنانية من كافة الأطياف، وعبرنا عن موقفنا من الحرب الإجرامية، وأكدنا هناك على دورنا السياسي المتميز أمام المسؤولين اللبنانيين ووسائل الإعلام دون تلعثم. وأنتهز هذه الفرصة لأقول لكل القوى العربية والفلسطينية أن المحافظة على الحركة الوطنية المنظمة المؤلفة من أحرارً ومناضلين ببرنامج يلائم ظروفنا وبقاعدة اجتماعية متماسكة هو مهمتنا التاريخية. وهي مهمة مجدية أكثر في التصدي للإقتلاع وللعنصرية والتمييز الذي نواجهه يوميًا، فدعوا شبابنا تكبر وتحمل مشروعنا السياسي الفريد والمتميز والذي يشهد له القاصي والداني لأنه نجح في التوفيق بين المواطنة والهوية القومية والوطنية. لقد أصبح حزبنا جامعًا للقوى الوطنية التي عاشت مرحلة تخبط بعد اتفاقية أوسلو، حيث قبلت قيادة م.ت.ف الشروط الإسرائيلية بخصوص عرب الداخل، في حين لم تعترف إسرائيل بنا كمواطنين أصليين متساوي الحقوق في دولة ما زالوا يعرفونها دولة اليهود. وشكل التجمع السد الرئيسي ضد عملية الأسرلة الزاحفة لهذا الجزء من شعب فلسطين.

وهنا تفيد العودة الى ما عبّر عنه المناضل وليد دقة الذي يقضي حكمًا مؤبدًا قضى منه حتى الآن 24 سنة - في سجون اسرائيل في مقال نشره يوم 1.12.2009: صوّر فيه حالة التخبط التي ألمّت به بعد مذبحة صبرا وشاتيلا أثناء الإجتياح الإسرائيلي للبنان، وحلّل أيضًا كيف وصل إلى حسم موقفه الفردي بالإنضمام للمقاومة العسكرية الفلسطينية حيث قال: "إن حسمنا هذا (لموقفنا) الذي قد يكون حلاً فرديًا ممكنًا لكنه ليس حلاً لشعب بأكمله وليس حلاً لمليون ومئتي ألف عربي من المواطنين العرب في إسرائيل، لقد اختلطت علينا الأمور ولم نعرف كيف نتعامل مع مفهومي المواطنة والوطنية، ولم يوفر لنا أي حزب أو قوة سياسية عربية فهمًا أو إطارًا يتيح لنا مساهمة كافية من النضال نحافظ من خلالها على هويتنا القومية ونمارس واجبنا الوطني من جهة، ومن جهة أخرى نحافظ على وجودنا وأن ننزرع في أرضنا ونطالب وبجدية بمواطنتنا الكاملة".

إن تجربة نضالية كتلك التي خاضها المناضل وليد دقة قد أفضت به أن يؤكد الواضح اليوم في تجربة الحركات الوطنية التي بنت وأسست التجمع الوطني الديمقراطي، الذي استطاع أن يحلّ التناقض الذي يعيشه شبابنا من خلال خطابه وبرنامجه السياسيين في الجمع بين الإصرار على حقوق المواطنة والهوية القومية والإنتماء الوطني كآلية نضالية تلائم حالتنا السياسية في الداخل، ليكون درعًا وحصنًا لأجيالنا في نضالها السياسي والوجودي يحميهم من الأسرلة ويبلور أسلوب نضالهم كأصحاب الوطن الأصليين.
وعليه ليس صدفة أن يصطف غالبية الوطنيين والقوميين في إطار هذا الحزب، وليس صدفة أن ينتمي الأخ وليد دقة والعديد من رفاقه في السجون إليه، لأنهم قد رأوا فيه الإطار السياسي المنظم الذي لم يتوفر في الماضي قبل قيام التجمع للتعبير بشكل كامل عن الهوية الوطنية الفلسطينية والقومية العربية في تناقض مع الصهيونية.

لم تتوقف ماكنة المؤسسة الإسرائيلية الإعلامية عن التحريض ضد التجمع والقوى الوطنية، باعتبار أن (بلد) أي التجمع هو في نظرهم "دفيئة تثقف وتهيئ الأجيال الشابة كي تكون معادية لاسرائيل".

هذا التحريض يندرج ضمن الحملة المستمرة منذ سنوات، بهدف الحدّ من تأثير خطاب حزب التجمع وبرنامجه السياسي والحدّ من انتشاره وتوسع صفوفه في أرجاء بلداتنا ومدننا العربية وخاصة بين الشباب والمثقفين. حيث تشير الإستطلاعات التي أجرتها المؤسسة الإسرائيلية نفسها أن هناك التفافًا واسعًا حول التجمع من هاتين الشريحتين، مما يزعج ويقلق هذه المؤسسة، التي تسعى أن تكرس وتحافظ على سياساتها نحو العرب الفلسطينيين التي رسمتها منذ النكبة، والمتمثلة بالخضوع والإنصياع للأنظمة العنصرية والتبعية الإقتصادية والقبول بالفتات الذي تراه هذه المؤسسة وتقره بعيدًا عن حقنا في الأرض والمسكن والمساواة الكاملة ضمن المواطنة مع الحفاظ على هويتنا القومية وخصوصيتنا كمواطنين أصليين في الوطن.

لذا تسعى هذه المؤسسة بعد أن أخفقت في احتواء هذه التوجهات السياسية والبرنامجية للتجمع باللجوء إلى سياسة التخويف والترهيب كي تعيد الفلسطينيين (المواطنين داخلها) إلى إطار تلك السياسات التي عملت بموجبها منذ عام 1948، فتارة تعتقل أفرادًا أو قيادات أو تحقق مع آخرين مستعملة التهديد والوعيد، ونحن نعرف أنها تملك أدوات عديدة لتنفيذ تهديداتها أهمها التهمة الأمنية المعروفة بـ "الإتصال بعميل أجنبي" وهي تهمة أمنية مفصلة على مقاس موحد للعرب، كما هو معروف في "علم الموضة" One Size للجميع. فلقاء الأخ مع أخيه اللاجئ في مقهى في عمان، أو شرم الشيخ أو القاهرة أو لندن يعتبر اتصالاً بعميل أجنبي تستطيع إسرائيل أن تلبسه تهمة الإتصال بعميل أجنبي يهدد أمنها، حتى لو رفض المواطن العربي الانجرار الى نشاط غير قانوني.

وعليه فنحن إذ ندعو كافة القوى العربية والفلسطينية أن تحترم ظروف نضالنا وعملنا كحركة وطنية سياسية، وان تتعلم كيف تقدر قيمة هذا النضال السياسي المتميز والفريد والذي لا بديل له، فإننا نؤكد أن هذا النهج البائد الذي تتبعه المؤسسة الإسرائيلية لن يردع، ولن يخيف أحدًا منا لأننا مؤمنون بالأسلوب النضالي القانوني والسياسي المعتمد لدينا، والتواصل مع أبناء أمتنا أيضًا هو حقّ طبيعي محميّ بالمواثيق والقوانين الدولية.


التعليقات