28/06/2010 - 11:42

متغيرات "إسرائيلية" تستحق المراقبة../ فايز رشيد

متغيرات
نشرت صحيفة معاريف “الإسرائيلية” عن مصادر مقربة من رئيس الكيان شيمون بيريز، أن الأخير أصبح يشعر في الفترة الأخيرة بالقلق والخطر على مستقبل “إسرائيل”، بسبب تدهور الوضع السياسي وتدني منزلتها في المجتمع الدولي . وأوضحت المصادر، أن بيريز يشعر بالقلق أيضاً من إمكانية أن تتحول المقاطعة التلقائية لـ “إسرائيل” إلى مقاطعة اقتصادية منتظمة، ولذلك يسعى لتشكيل حكومة وحدة وطنية لإنقاذ الوضع، من خلال ضم حزب كاديما المعارض إلى الائتلاف الحكومي.

ووصفت معاريف وضع بيريز بـ “الكئيب جداً” بسبب التدهور السريع في مكانة “إسرائيل” بين دول العالم، حيث ازدادت الانتقادات لها، وهذا يتسبب بضرر كبير في صورتها على الصعيد العالمي.

ما نقلته معاريف مؤخراً هو جزء ضئيل مما صرّح به مسؤولون سياسيون وعسكريون “إسرائيليون” عديدون خلال الفترة القريبة الماضية في نفس السياق. إضافة إلى أعمدة صحافية كثيرة تظهر بين الفينة والأخرى في الصحافة “الإسرائيلية” وكذلك على صعيد الإعلام، وكلها تتحدث عن التردي الكبير لصورة “إسرائيل” على الصعيد الدولي.

مما لا شك فيه، أن متغيرات استراتيجية عديدة حصلت، تركت بصماتها على الوضع “الإسرائيلي”، إلى الحد الذي يعتقد فيه بعض المحللين السياسيين، أنه وعلى ضوء هذه المتغيرات، انخفضت الوظيفة والدور الذي تقوم به “إسرائيل” في المنطقة بالنسبة للتصور الأمريكي، بسبب وجود قواعد عسكرية أمريكية مباشرة في العراق وأفغانستان وفي دول أخرى قريبة في الشرق الأوسط.

كما أن انفضاض ضلعين من مثلث التحالف الاستراتيجي المتين السابق: الإيراني - التركي - “الإسرائيلي”، أبقى “إسرائيل” منفردة . والأهم أن إحدى الدولتين الأخيرتين (إيران) باتت في علاقات عدائية مع “إسرائيل”، وترى الأخيرة أنها تشكل تهديداً لها، وأن الدولة الأخرى (تركيا) أضحت على صعيد العلاقات مع “إسرائيل”، وسط أجواء متوترة وحرجة، تنحدر يوماً بعد يوم، ومرشحّة للقطيعة بشكل نهائي.

من جانب آخر، فإن السياسات “الإسرائيلية” المختلفة المتسمة بالتعنت، أخذت تسبب نوعاً من الإحراج للولايات المتحدة وللدول الغربية في سياساتها العربية. وهذه الدول امتلكت وما تزال أفضل العلاقات مع “إسرائيل”، فمثلاً، إن الاستمرار في سياسة الاستيطان وتهويد القدس، بغض النظر عن الرغبة الدولية لحل الصراع في المنطقة ضمن المقترحات المعروفة، أسهمت في زيادة شعور الكره من شعوب الأمة العربية تجاه تلك الدول، وهذا ما لا تريده.

ولم يتورع أوباما عن التصريح: بأن السلام في الشرق الأوسط هو “مصلحة أمنية قومية أمريكية”، الأمر الذي خلق نوعاً من التوتر (ولا نقول الأزمة) بين هذه الدول و”إسرائيل”، ما حدا ببعضٍ من المحللين إلى القول: إن “إسرائيل” باتت تشكل عبئاً على حليفتها الاستراتيجية الولايات المتحدة، وعلى العديد من الدول الأوروبية من حليفاتها الأخريات.

ما زاد من علاقات التوتر بين “إسرائيل” وتلك الدول مؤخراً، قضيتان: الأولى هي اغتيال أحد قياديي حركة حماس الشهيد محمود المبحوح في دبي، وما كشفته شرطتها من استعمال “إسرائيل” لجوازات سفر أوروبية وأسترالية وكندية مزورة، واضطرار العديد من هذه الدول إلى إرسال محققين إلى “إسرائيل” للتحقيق في المسألة، وكذلك قيامها بطرد دبلوماسيين “إسرائيليين” من أراضيها، وآخر هذه الدول: إيرلندا . القضية الثانية هي قيام “إسرائيل” بالهجوم القرصني الهمجي على أسطول الحرية في المياه الدولية في البحر الأبيض المتوسط، والتسبب في مقتل وجرح العشرات من مدنيين مسالمين من 32 جنسية، تجشموا عناء ومشقة الإبحار وهم يحملون أغذية وأدوية وألعاب أطفال للمحاصرين في غزة للعام الرابع على التوالي. أما الحصار “الإسرائيلي” للقطاع، بالرغم من المناشدات الدولية لفكه، فقد أسهم أيضاً في تبهيت صورة “إسرائيل” على الصعيد الدولي.

الإجراءات “الإسرائيلية” الأخيرة لتخفيف الحصار عن غزة، هي إجراءات لن تفك الحصار لا البحري ولا البري عنها، وجاءت لذر الرماد في العيون، ومحاولة لامتصاص الضغوطات الدولية المطالبة بإزالته نهائياً، وكل الذي سيتغير هو السماح بدخول سلع أكثر إلى القطاع.

أيضاً وفي السنتين الأخيرتين بدأنا نشهد ظواهر لم نكن نراها سابقاً، منها، أولاً: أن كثيرين من القادة السياسيين والعسكريين “الإسرائيليين” باتوا يخشون السفر إلى دول عديدة، خوفاً من القبض عليهم بتهم ارتكاب جرائم حرب، ومجازر ضد المدنيين الفلسطينيين في العدوان الصهيوني على غزة في عام 2008 - 2009 تخوفاً من إمكانية اعتقالهم. آخر هؤلاء وزير الدفاع “الإسرائيلي” إيهود باراك الذي ألغى زيارة إلى فرنسا كانت مقررة في أواسط يونيو/ حزيران الحالي، ولم يجد سبباً لتبرير الإلغاء سوى الادعاء بأن ذلك من أجل المساهمة في تشكيل لجنة تقصي الحقائق حول مذبحة أسطول الحرية.

ثانياً: لأول مرّة بتنا نرى مقاطعة أكاديمية للجامعات “الإسرائيلية” من قبل الهيئات الأكاديمية والجامعات البريطانية، وأخرى على صعيد العالم، ونرى مقاطعة لمنتوجات المستعمرات “الإسرائيلية” في الضفة الغربية في العديد من الدول، كما نرى تقارير دولية (مثل تقرير القاضي غولدستون) تتهم “إسرائيل” بارتكاب جرائم حرب، ونرى مظاهرات بجماهير غفيرة في عواصم عديدة، ومنها أوروبية تطالب بمعاقبة “إسرائيل” على جرائمها ضد الشعب الفلسطيني.

إن هذه المتغيرات الاستراتيجية لو جرى استغلالها على صعيد النظام الرسمي العربي في معادلات الصراع العربي الصهيوني، لفعلت فعلها في التأثير في جوهر هذا الصراع. لا نقول إن هذه المتغيرات ستؤدي إلى زوال “إسرائيل”، لكن مهما كانت صغيرة، علينا أن نراها ونراقبها ونأخذها بعين الاعتبار .

التعليقات